النزوح من تلعفر

على بعد نحو 150 كيلومترًا جنوب شرقي تلعفر، تخلو الساحة التي نصبت فيها خيم لاستقبال النازحين إلا من قوات الأمن والطاقم الطبي وأربعة مدنيين، بعد أسبوع من بدء القوات العراقية هجومها على تنظيم "داعش" في أكبر أقضية البلاد.
 
ففي منطقتي بادوش والبوير الواقعتين على الطريق الواصلة بين تلعفر ومدينة الموصل، التي استعادتها القوات العراقية قبل نحو شهر ونصف الشهر في شمال العراق، أنشأت السلطات العراقية بالتعاون مع منظمتي داري والهلال الأحمر القطري، مخيمين لإيواء الهاربين من آخر أكبر معاقل تنظيم "داعش" في محافظة نينوى.
 
وبدأت القوات العراقية فجر الأحد الماضي عملياتها العسكرية لاستعادة السيطرة على تلعفر والمناطق المحيطة بها، لكن رغم انطلاق العمليات، لا تزال حركة النزوح تحت سقف التوقعات بكثير، ويقول العميد الطيار جبار مصطاف حسون من الفريق المشترك لإجلاء وإغاثة النازحين لوكالة الصحافة الفرنسية إن "أعداد المدنيين الذين كانوا موجودين في تلعفر قبل بدء العمليات تتراوح بين 70 و90 ألفًا، قبل عشرة أيام كان معدل النزوح بين أربعة إلى ستة آلاف شخص يوميًا"، مضيفًا "بعد بدء عمليات التحرير، قل النزوح إلى معدلات منخفضة جدًا، ما بين 150 و200 شخص، وأحيانًا خمسون".
 
وكانت المفوضية العليا للاجئينقد  أعربت بداية الأسبوع الجاري عن قلقها من نزوح آلاف المدنيين من تلعفر، مشيرة في بيان إلى أن هناك استعدادات جارية لاستقبال 22 ألف شخص.
 
وأشار حسون إلى أن "لا أسباب معينة لذلك، ولكن أهالي تلعفر بدأوا بالنزوح منذ معارك غرب الموصل، وأعتقد أن الموجودين في تلعفر هم نحو 160 عائلة، ولكن كلهم من المقاتلين والمهاجرين"، في إشارة إلى مسلحي "داعش".
 
وفي ظلّ خيمة مثبتة على أربعة أعمدة، يحتمي عيسى عبيّد حسن، 72 عامًا، من حرارة الشمس الحارقة، ويقول صاحب اللحية البيضاء: "نزحت منذ يومين من قرية الخان قضاء تلعفر، أصلي من حي الجزيرة ولكن انتقلت إلى الخان قبل عامين.

لم نكن مرتاحين، كان الأمر أشبه بحصار".
 
وبقي حسن وحده في البلدة، بعدما نزحت زوجاته الأربع منذ فترة إلى مخيم حمام العليل جنوب الموصل، وأوضح راعي الأغنام ورب الأسرة المكوّنة من 32 فردًا، أنه نزح من البلدة بعدما باع أغنامه، مشيرًا إلى كيس بقربه وضع فيه النقود.
 
ونزح حسن مشيًا، حاله كحال حسن علوان فرهاد الذي انتقل من الحويجة في كركوك إلى الموصل، ثم إلى تلعفر، ويقول فرهاد "أتيت إلى منطقة العلولية في تلعفر من أجل ابنتي التي كانت متزوجة راعي أغنام هناك، بعدما سجنه الدواعش بتهمة تهريب عائلات"، ويضيف الرجل الأربعيني الذي سجنه تنظيم "داعش" بسبب تدخين السجائر: "لم نتمكن من الهروب من ناحية النهر. كانوا يقتلون كل من يحاول الفرار من هناك، وأعتقد بوجود مدنيين داخل المدينة، لكن الدواعش يحتجزونهم أو ينقلونهم إلى مناطق أخرى محيطة".
 
وقرب خيمة الاستقبال، يجلس الطبيب عمر عامر من منظمة داري المدعومة من منظمة الصحة العالمية إلى جانب مستوصف مستحدث، ويقول: "نحن هنا من أسبوعين، استقبلنا خلال الأيام الأولى عائلات تصل أعداد أفرادها إلى 150 شخصًا، لكن بعد ذلك تضاءلت الأرقام"، موضحًا: "وصلتنا حالات صعبة كانت تحتاج إلى مستشفيات، منها إصابات في انفجارات وسوء تغذية وهناك وفيات وصلتنا أيضًا"، لكن مع فراغ الخيم من ساكنيها، أكد أن الحديث يجري عن أعداد مرتقبة من النازحين، "لا نعلم شيئًا، نحن مستعدون وننتظر".