البرلمان التركي

صادق البرلمان التركي الجمعة على تعديل دستوري يرفع الحصانة عن النواب الملاحقين قضائيًا، ما يُمهد لمحاكمة ممثلي حزب كردي تعهد الطعن بالقانون أمام المحكمة الدستورية، كما يعبّد الطريق لتعزيز سلطة الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث أعلن رئيس البرلمان إسماعيل كهرمان، أن مشروع قانون التعديل الذي طرحه حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، نال بالاقتراع السري تأييد 376 من 550 نائبًا، متجاوزًا غالبية الثلثين، ما أتاح تجنّب تنظيم استفتاء عام لإقراره، ويُطبَّق القانون بعد موافقة الرئيس عليه.

ويواجه 138 نائبًا من كل الأحزاب الممثلة في البرلمان، قضايا مختلفة، سياسية ومرتبطة بالفساد، بينهم 50 من 59 نائبًا هم أعضاء في "حزب الشعوب الديموقراطي" الكردي، بسبب تصريحات اعتُبرت دعمًا لـ "حزب العمال الكردستاني" المحظور، كما أن 51 من نواب "حزب الشعب الجمهوري" المعارض يواجهون ملاحقات قضائية، وقبل إعلان نتيجة الاقتراع، أشاد أردوغان بـ “تصويت تاريخي”، وزاد: “شعبي (...) لا يريد أن يرى في البرلمان نوابًا ارتكبوا جرائم، خصوصًا داعمي التنظيم الإرهابي الانفصالي”، في إشارة إلى “الكردستاني”. وكان الرئيس التركي حضّ على محاكمة نواب أكراد، معتبرًا حزبهم ذراعًا سياسية لـ “الكردستاني”، علمًا أن دخول “حزب الشعوب الديموقراطي” البرلمان للمرة الأولى في انتخابات نيابية نُظمت في حزيران (يونيو) الماضي، أتى على حساب حزب “العدالة والتنمية” الحاكم الذي فقد آنذاك الغالبية، قبل أن يستعيدها في انتخابات مبكرة نُظمت في تشرين الثاني "نوفمبر" الماضي، على حساب حزب “الحركة القومية” اليميني.

واعتبر الحزب الكردي أن رفع الحصانة “يتنافى مع إرادة الشعب ولا يمكن قبوله في نظام ديموقراطي”، في حين أعلن رئيس الحزب النائب صلاح الدين دميرطاش أنه سيطعن في القانون أمام المحكمة الدستورية، اذ رأى فيه محاولة لتعزيز سلطة أردوغان، علمًا أنه قد يُخرج الحزب من البرلمان، ودميرطاش الذي صدر 75 طلب ملاحقة في حقه، كان هدد بـ “إنشاء برلمانات محلية بديلة في المناطق الكردية، في حال طردنا من البرلمان”، كما أكد أن نوابه لن يذهبوا إلى أي تحقيق، داعيًا قوات الأمن إلى أن تدخل مقرّ المجلس النيابي و “تجرّهم من داخل قاعته، كما فعلت مع ليلى زانا عام 1994”. ويشير بذلك إلى نائب كردية أمضت مع ثلاثة من زملائها عشر سنين في السجن، بعد رفع الحصانة البرلمانية عنهم، علمًا أن البرلمان الأوروبي منحها “جائزة ساخاروف”.

وأيّد 40 نائبًا من حزب “الحركة القومية” التعديل الدستوري، فيما انسحب نواب من “حزب الشعب الجمهوري” من الجلسة، احتجاجًا على مشروع القانون. لكن عددًا من نواب الحزب أيّدوه لتفادي طرحه على استفتاء شعبي، معتبرين أن ذلك “سيُظهر أن أردوغان يحارب الإرهاب في شكل جدي، ويلقى دعمًا في الشارع”، ورأى الحزب أن “محاكمة النواب الأكراد على تصريحاتهم، لن تقدّم ولن تؤخر في محاربة حزب العمال الكردستاني، وهي مجرد مناورة سياسية من أجل التغطية على عجز الحكومة في هذه المواجهة، وهدفها الحقيقي إضعاف المعارضة لتمرير تعديل آخر مستقبلًا، يحوِّل النظام رئاسيًا بصلاحيات مطلقة للرئيس أردوغان”.

ورجّح قانونيون أن تشهد تركيا أزمة قانونية وقضائية، إذ إن مواد أخرى في الدستور تمنع توقيف النواب، كما أن المحكمة الدستورية العليا أصدرت قرارًا قبل 5 سنوات رفض محاكمة أي نائب وهو مسجون على ذمة قضية. وأصدرت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية قرارات ضد محاكمة النواب الأكراد على تصريحاتهم، علمًا أن أحكامها نافذة وفق اتفاقات وقّعتها أنقرة، وأحالت محكمة الاستئناف على المحكمة الدستورية العليا التركية، ملف سعي أعضاء معارضين لرئيس حزب “الحركة القومية” دولت باهشلي، إلى تنظيم مؤتمر طارئ لإطاحته وانتخاب قيادة للحزب. وتؤيد الحكومة باهشلي في هذا الصراع.