المجتمع السوري

غيَّرت أعوام الحرب ملامح المجتمع السوري تمامًا؛ إذ بات الفقر والألم والكآبة وفقدان الأمل في المستقبل هي القاسم المشترك لما يشعر به السوريون عمومًا والشباب خاصة.
ويعتبر الكثير من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 19 وحتى 35 عامًا، أن الحرب سرقت شبابهم فاحترقت الأعوام التي كان من المفترض أن تكون مجاﻻً لبناء حياتهم أمام أعينهم دون أن يستطيعوا فعل شيء.

ويذكر محمد (طالب جامعي) أن نظرته إلى المستقبل لا تحتوي على أي أمل من الناحية الاقتصادية بسبب الضغوط التي تركتها الحرب، ويعتقد أن الأخيرة ستنتهي يومًا ما لكن ليس في وقت قصير وحتى تنتهي تكون أعوام الشباب قد ذهبت سدى.

ويؤكد عماد أن كثيرًا من "الطموحات" التي كان الشباب قبل الحرب يسعى إلى تحقيقها أصبح ضربًا من المستحيل؛ لأنه عند التفكير في هذا الأمر سيولد أسئلة أخرى وهو  تأمين مصاريف الوقود والنقل والزواج.

وأصبحت الهجرة نافذة الأمل الوحيدة التي ينظر بها الشباب إلى المستقبل ورغم أخبار الحرب ﻻ زالت تُرى طوابير من الشباب يوميًا من الصباح إلى المساء أمام مركز الهجرة والجوازات؛ للحصول على هذه الوثيقة الرسمية التي ستمكنهم من مغادرة البلاد التي أحرقتها الحرب.

وحتى المراسم الاجتماعية من مآتم وأفراح أصبحت تنظم باختصارات في الزمن والتكاليف إﻻ أن "تشاركية الحزن" ما زالت حالة اجتماعية واضحة.
أما بالنسبة إلى الأفراح السورية التي كانت معروفة بطقوسها المميزة فقد خفت بشكل كبير؛ بسبب التكاليف الباهظة والسبب الأهم احترام مشاعر الآخرين تحديدًا من العائلات التي قدمت ضحايا، لذلك تقام مثل هذه المناسبات بشكل يشبه الصمت إلى حد ما.

أما الأعياد الموسمية والسنوية بالنسبة إلى المسلمين والمسيحيين فهي الأخرى لم تعد كما السابق، بل تكاد تمر مناسبات عابرة من دون تلك الطقوس الاحتفالية التي كان يعرفها المجتمع المحلي سابقًا بسبب الألم الذي تعانيه البلاد بسبب الحرب والواقع الاقتصادي الذي يمثل عنصرًا رئيسيًا في هذا الأمر، بعد أن تحولت الأسواق إلى مكان لبيع الأشياء الضرورية وحسب.

لكن ثمة عادة سورية شهيرة لم تستطع الأوضاع إخفاءها ولا حتى تأجيلها وهي "السيران" الذي يقوم به السوريون والذي يبدأ موسمه مع بدايات الربيع، ما يشير إلى أن السياحة الداخلية ما زالت على قيد الحياة وبشكل قوي، فما زالت مطاعم الربوة ودمشق القديمة والحدائق العامة تكتظ بالزائرين خلال أيام العطل.

وتؤكد الصحافية شذا إبراهيم، المختصة في الشؤون الاجتماعية، أن المجتمع  تعرض إلى ظروف قاسية أدت إلى صدمة استفاق منها فيما بعد دون يتعرض للاكتئاب الذي يعتبر مرضًا خطيرًا يطول علاجه.

أما عن طقوس الأفراح والأتراح فترى إبراهيم أن مراسمها لم تلغى ولم تتغير بشكل تام، بل إن الحزن زاد دون أن يستطيع إلغاء تلك الطقوس الاجتماعية، أما الاختصار فيأتي تبعًا للظروف.

وتستشهد إبراهيم بعدد الزيجات والولادات المسجلة في سورية للتدليل على أن الحياة ما زالت زاخرة في المجتمع، وأن من يدخل عمق المجتمع السوري يرى أنه بات خبيرًا في صناعة ظروف السعادة.

وتخلص إبراهيم إلى أن المجتمع ما زال رافضًا ثقافة الموت وقبول الفراق بشكل يسير، لاسيما بعد استفاقته من الصدمة التي لم تطول في سيطرتها على نفسية المجتمع، حتى أن الخوف من الموت غير وارد، وهذا ما لا يجب خلطه مع اعتياد الموت.