محكمة وهران العسكرية

أخرجت رسالة رئيس الاستخبارات العسكرية الجزائرية السابق الفريق محمد مدين توفيق، معالم الصراع السياسي بين دوائر السلطة إلى العلن، بعد محاولات مستميتة من فريق الموالاة لتصوير عملية الإقالة الجماعية لضباط سابقين في الاستخبارات، بمن فيهم توفيق نفسه، بعملية انتقال نحو مفهوم الدولة المدنية. وأحدثت الرسالة حالة انقسام شديد بين الأحزاب وفي الإعلام.

ورغم أن رئيس الاستخبارات العسكرية السابق اكتفى في رسالته، وهي التعبير العلني الأول منه طيلة عمله في الاستخبارات وترأسه للجهاز لربع قرن، بالخوض في جوانب تخص محاكمة أحد العناصر العاملين تحت إمرته، الجنرال عبد القادر آيت واعرابي، المعروف بـ "حسان"، إلا أن الرسالة أخذت بعداً سياسياً كبيراً خلّف حالة استنفار تامة من السلطة وفريق الموالاة وتكتلاً مقابلاً من معارضين في الأحزاب.

وحكمت محكمة وهران العسكرية (400 كلم غرب الجزائر) على "حسان" بالسجن 5 سنوات مع النفاذ بتهمة "إتلاف وثائق ومخالفة التعليمات العسكرية".
وكان واضحاً بعد 3 أيام من السجال العنيف أن الحكومة اختارت التهدئة، بعد رسالة التحذير التي ردت بها على كلام "توفيق". وقال حميد قرين وزير الاتصال، أمس الثلاثاء، أنه "لا يريد الخوض في هذه المسألة تفادياً لأي انزلاق". وكان قرين هاجم الجنرال المقال بشدة، لكنه ابتعد عن التصعيد بانتظار خطوات أخرى تفترض الحكومة أن يقوم بها "توفيق".

واستغرب المسؤول الإعلامي في حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم حسين خلدون، رسالة مدير الاستخبارات السابق، قائلاً إن رسالته "لا يمكنها أبداً أن تتسبب بطعن صدقية المؤسسة العسكرية وعدالتها".
من جهة أخرى، تساءلت الأمينة العامة لـ "حزب العمال" لويزة حنون، عما يحدث في البلاد من محاكمات بحق جنرالات، مشيرةً إلى أنه "من الغريب أن يمنح رئيس الجمهورية الثقة لجنرال ثم يُحال على المحاكمة". ولفتت حنون إلى أن "الجزائر اليوم أمام تجريم الوطنية في كل المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، فيما يسرح المجرمون الحقيقيون"، محذرةً من "تنامي الاحتقان وتصفية الحسابات التي تنذر بحدوث انفلات لا يمكن التحكم به".

وتبنت وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي، باسم مجموعة "19" المعارضة، موقف "تبرئة مدين"، وقالت إن "رسالته لم تتضمن أي خرق لواجب التحفّظ، لأنها لم تتطرق إلى تفاصيل القضية".
وقالت مصادر موثوقة إن نائب وزير الدفاع، رئيس الأركان، الفريق أحمد قايد صالح، يعارض بشدة حضور مدين للشهادة في قضية "حسان"، فيما تباينت آراء القضاة في هذا الشأن، بين مَن يرى ضرورة في دعوته إلى المحاكمة مجددا، وبين من لا يرى ذلك بحكم أن التهم التي يواجهها "حسّان" وهي "مخالفة التعليمات وإتلاف وثائق عسكرية"، لا تحتاج إلى رئيسه السابق.