الهدنة في السورية

صمدت الهدنة السورية في أسبوعها الأول وإن كان بشكل هش وبما يفوق توقعات المتشككين، الأمر الذي يوفر بعض الأمل في إمكانية التوصل إلى حل سياسي للحرب الدائرة منذ 5 أعوام.

ولا يعكر صفو هذا الصمود الهشّ للهدنة سوى بعض الحوادث اليومية، من قصف مدفعي وغارات جوية واشتباكات قد تسقط مفهوم "وقف الأعمال العدائية" لتوصف الهدنة بأنها مجرد خدعة، مع العلم بأنها لا تشمل تنظيم داعش وجبهة النصرة، غير أن الملاحظ في الهدنة، التي بدأت بوساطة روسية أميركية، انخفاض مستوى العنف في جميع أنحاء البلاد بشكل كبير، وهو إنجاز في حرب قتلت نحو 250 ألف شخص وهجرت نصف سكان البلاد، عدا الدمار الذي لحق بالاقتصاد والبنية التحتية في البلاد.

وفيما يلي بعض معطيات الأسبوع المنصرم، وأبرزها انتهاكات وخسائر منذ ساعاتها الأولى، فشهدت الهدنة انخفاضًا حادًا في العمليات العسكرية مع إفادة سكان محليين بحلول هدوء غريب لم يشهدوه من أعوام، فخلت سماء سورية من الطائرات الروسية والمروحيات السورية التي تسقط براميلها المتفجرة على مناطق المعارضة السورية، ورغم ذلك سجلت انتهاكات عدة، فقد أفادت الحكومة الروسية، الخميس الماضي، بأنها سجلت 66 انتهاكًا من قبل قوات المعارضة، التي سجلت بدورها أكثر من 170 انتهاكًا.

كما سجل المرصد السوري لحقوق الإنسان انخفاضًا في مستوى العنف بنسبة 90%، ووثق مقتل 118 شخصًا، في انخفاض حاد عن عدد القتلى قبل الهدنة، وذكر، الجمعة الماضية، أن 12 شخصًا قتلوا الخميس، في أدنى حصيلة للقتلى منذ أكثر من عام.

وما قبل يوم الجمعة، فشل وقف إطلاق النار في تحقيق أحد أهم أهدافه، وهو تسهيل وصول إمدادات المساعدات التي تشتد الحاجة إليها للمناطق المحاصرة في سورية، لكن هذا تغير مساءً عندما دخلت قافلة مساعدات إنسانية، تابعة للأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري إلى الغوطة الشرقية في ريف دمشق، وتضم القافلة 23 شاحنة محملة بمساعدات غذائية وطبية يفترض أن تصل إلى 20 ألف شخص في مدن سقبا وعين ترما وحزة، وكانت الأمم المتحدة أعلنت الاثنين الماضي عزمها توصيل مساعدات لنحو 154 ألف سوري على مدار الأيام الخمسة التالية في سورية.

ويأمل المجتمع الدولي أن يؤدِ صمود الهدنة إلى تخفيف تدفق اللاجئين على دول الجوار وأوروبا، وهذا الأسبوع أفادت تقارير بأن عدة آلاف ممن فروا جراء الهجمات على حلب في شباط/فبراير والمحاصرين قرب الحدود التركية، عادوا إلى الوطن، وإن كان الآلاف منهم يقضون لياليهم في ملاذات مؤقتة وسيارات أو حقول مفتوحة وفقًا لمنظمات الإغاثة، وأثبت تطبيق الهدنة اعتماد الأطراف المختلفة في الأزمة السورية على داعميهم الدوليين، فيما يبدو أن تلك الأطراف لا تملك خيارًا سوى الامتثال، على الأقل في البداية، ويخلق هذا النجاح أملاً بمفاوضات سياسية جادة بين الحكومة والمعارضة، حيث من المقرر أن تستأنف المفاوضات بالوكالة بوساطة من الأمم المتحدة في جنيف.

واتفقت الأطراف في الصراع على هدنة مؤقتة لأسبوعين على أمل تمديدها حال نجاحها، ولا يعرف ماذا سيحدث لاحقًا إذا لم يتم تمديدها رسميًا، وبالإضافة إلى ذلك فهناك مشكلة تتعلق بغياب المراقبين المحايدين على الأرض لمراقبة وتحديد الانتهاكات، كما أنه لا توجد آلية يمكن اتخاذها حال وقوع الانتهاكات، وإذا زادت ولم يتم التوصل إلى نتيجة، يمكن أن ينهار الجهد تدريجيًا، ويستعر القتال مجددًا بأسلحة أكثر فتكًا، بينما ستكون القوات السورية أكثر حرصًا على استكمال محاصرة الأجزاء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة من حلب، وتحقيق المزيد من التقدم شمالًا وحول دمشق.