الرئيس رجب طيب أردوغان

لأسابيع قليلة خلت، كان وكلاء النيابة الثلاثة زكريا أوز وجلال قره ومحمد يزغيتج، من أشهر الأسماء المتداولة في تركيا، وتُروى عنها بطولات، لكن لعنة الرئيس رجب طيب أردوغان حلّت عليهم، إذ خاص معركة كسر عظم مع زعيمهم الروحي فتح الله غولن، ليتحوّلوا إلى مطاردين مطلوبين للعدالة فرّوا من تركيا.

وأثبت أوز وزميلاه المحسوبين على صقور جماعة غولن، أنه ما زالت لديهم آذان قوية داخل أجهزة الدولة التي حاول أردوغان اجتثاث جماعة غولن منها، فعلموا بوجود نية لإصدار قرار باعتقالهم، وهرب اثنان منهم، أوز وقره، إلى جورجيا ومنها إلى أرمينيا، قبل ساعات من صدور القرار، فيما اختفى يزغيتج داخل تركيا.

وإذا كان الجميع في تركيا يستغرب قدرة جماعة غولن على الوصول إلى خبايا الحكومة وأسرار مؤسستَي الأمن والقضاء، فإن الاستغراب يطاول أيضًا سابقة إصدار وكيل نيابة قرارًا باعتقال زميل له كان يشغل منصبه قبل أشهر، وأن تكون التهمة السعي إلى إسقاط الحكومة والانقلاب عليها من خلال العنف، وتشكيل "جماعة متطرفة" لهذا الغرض، وذلك عبر "فبركة أدلة وتوجيه تهمة الفساد لأردوغان وحكومته".

وعلّقت صحيفة "زمان" التابعة لجماعة غولن على الخبر، إذ كتبت ساخرة عن "توجيه تهم بالتخطيط لانقلاب على الحكومة، من خلال سلاح تويتر وتغريدات انتقدت الفساد"، في إشارة إلى تغريدات لزكريا أوز انتقد فيها أردوغان واتهمه بالفساد.

ولم يتخيّل أحد في تركيا أن تصل العلاقة بين أردوغان و"الفرسان الثلاثة" إلى هذا المستوى، إذ إن الرئيس التركي دافع عنهم بشدة عندما اتهمتهم المعارضة بانتهاك القانون في قضيتَي "أرغينيكون" و"المطرقة" الانقلابيتين، وإساءة معاملة الجنرالات والضباط المتهمين في القضيتين، وترك بعضهم يموت في السجن بعد حرمانه حقه في العلاج، إضافة إلى توجيه تهم تفتقر إلى دليل، أو فبركة أدلة "لا تُقنع أطفالاً"، كما قال رئيس "حزب الشعب الجمهوري" المعارض كمال كيليجدار أوغلو.

المفارقة أن أردوغان أهدى زكريا أوز سيارته المصفحة الخاصة لكي يتنقل بها، حرصًا على سلامته، وأعرب مرارًا عن دعم مطلق له، رافضًا اتهامات المعارضة، فيما اعتبره نائب رئيس حزب "العدالة والتنمية" الحاكم بولنت أرينش، "بطلاً قضائيًا".

وترى أوساط معارضة أن العدل أخذ مجراه، وأن أوز وقع في حفرة حفرها لكثيرين من العسكريين والأتاتوركيين والعلمانيين. ولعل أوز يذكر الآن كلام الصحافي الأتاتوركي ألهان سلجوق، مالك جريدة "جمهورييت" المعارضة، حين مَثَلَ أمامه خلال تحقيق في قضية "أرغينيكون"، إذ خاطبه قبل وفاته قائلاً "تذكّر وأنت توجّه اتهامات ظالمة إليّ، أن العدالة قد تظلمك أنت أيضًا، وقد تبحث عنها ولا تجدها مثلي".

على صعيد آخر، أشارت أوساط ديبلوماسية وسياسية في أنقرة إلى خلفية إعلان تركيا تأجيل زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، مذكّرة بأن الأخير كان استبق زيارته المقررة الثلاثاء الماضي، بمقال نشرته "جمهورييت"، وَرَدَ فيه أن "كل مشكلات المنطقة سببها مشروع الشرق الأوسط الكبير، ولا يمكن إحلال الديمقراطية من خلال احتلال شمال البلاد"، في إشارة إلى سورية والحديث عن إنشاء تركيا منطقة عازلة في شمالها.

وذكرت مصادر دبلوماسية أن المقال أزعج أنقرة، خصوصًا أن "جمهورييت" كانت اتهمت أردوغان بإرسال أسلحة لتنظيم "داعش" في سورية، ونشرت صورًا للأمر، فرفع الرئيس التركي دعوى عليها، كما أوردت صحيفة "سوزجو" المعارضة سبباً آخر لإلغاء الزيارة، وهو شكوى سميّة، ابنة أردوغان، إلى والدها من الإعلام الإيراني الذي أسهب في نشر معلومات أفادت بمشاركتها في علاج جرحى من "داعش" داخل تركيا.

وأشارت الصحيفة إلى أن أردوغان غضب من تعامل طهران مع الخبر، وقرر رفض لقاء ظريف وأن تقتصر زيارته على لقاء وزير الخارجية التركي مولود شاوش أوغلو، ما أزعج الإيرانيين، الذي ألغوا الزيارة التي كانت مخصصة لطرح الخطة الإيرانية للتسوية في سورية، علماً أن أنقرة رفضتها قبل الاطلاع عليها.

من جهة أخرى، تعهد الرئيس التركي مجددًا "الكفاح بعزم" ضد متمردي "حزب العمال الكردستاني"، مشددًا على أن قوات الأمن التركية ستقاتلهم إلى أن "يغادروا تركيا ويتخلّوا عن أسلحتهم"، وانتقد "حزب الشعوب الديموقراطية" الكردي، معتبرًا أنه "سيبقى دمية" في يد "الكردستاني"، إذا "لم يعلن في شكل واضح انه ينأى عنه".

وأعلن الجيش التركي مقتل جندي ومسلحَين من "الكردستاني"، بهجوم شنّه الحزب على موقع عسكري في دياربكر جنوب شرقي تركيا، وأشار إلى أن 20 متمردًا سلّموا أنفسهم للجيش.

وذكرت السلطات التركية أنها اعتقلت 12 شخصاً يُشتبه في انتمائهم إلى "داعش"، فيما أعلن مسؤول تركي بارز في باريس، أن أنقرة أوقفت وأبعدت عام 2015، أكثر من 700 شخص يُشتبه في أنهم "مقاتلون متطرفون أجانب"، خلال محاولتهم دخول سورية.