قال البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي إنَّه والشّعب اللّبناني يتطلعون إلى المسؤولين السياسيّين في شأن أمرَين جوهريَين هما القانون الجديد للانتخابات النيابيّة، واستقبالِ النازحين من سورية إلى لبنان. "والأمران يتعلّقان بحمايةِ الثقافة اللّبنانية والكيانِ اللّبناني وفقًا للميثاق الوطني والدستور". وقال الراعي في عظة قداس الأحد في الصرح البطريركي في بكركي إنَّ القانون الجديد للانتخابات لا يهدف إلى تأمين مزيد من المقاعد لهذا أو ذاك من الأفرقاء، ولا لإذكاءِ روح الطائفيّة والمذهبية، بل يهدُف إلى إحياءِ الديمقراطيّةِ الحقيقيّة التي تُميز لبنان، والتي تقومُ على المساواة بين المسيحيّين والمسلمين في الحقوقِ والواجبات، وعلى المناصفةِ في الحكم والإدارة، وعلى حقّ المواطنين باختيار ممثّليهم تحت القبّة البرلمانيةِ بصوتِهم الحُرِّ والفاعل، وبإمكانيةِ محاسبتِهم ومساءلتِهم، من دون أن يُفرضوا عليهم رغمًا عنهم من مجموعاتٍ ونافذين. "والكلّ يهدفُ إلى حمايةِ جناحَي لبنان المسيحي والمسلم وتفعيلِهما، وبالتّالي إلى تعزيز الثقافة اللبنانية المكوَّنة من العيش المشترك، ومن القيمة المُضافة التي يقدّمُها كل من المسيحية والإسلام على تنوّع المذاهب، أعني ثقافةَ الحوار والتوافقِ والانفتاح والحياد الإيجابي الملتزم قضايا السلام والعدالة وحقوق الإنسان. هذا هو المقصود من القانونِ الجديد للانتخابات، كمطلبٍ وطنيٍّ ندعو المسؤولين إلى تلبيته". واعتبر الراعي استقبال النازحين من سورية واجبًا إنسانيًا، "وهو من شِيَم اللبنانيين وثقافتِهم المضيافة وروحِ التضامن السخي. ولقد دعونا مع رابطة كاريتاس-لبنان إلى يومٍ تضامُني مع النّازحين في الأحد المقبل، ونثني على كلِّ المبادراتِ القائمة لإغاثتِهم. ولكن ينبغي على الدولةِ اللبنانية أن تضبُط الداخلين حتى لا يتسرّب معهم سلاحٌ ومؤامرات، ولا يُصار إلى استغلالهم الطائفي أو المذهبي أو السياسي من أجل إذكاءِ الصراعِ في الداخل ومنه إلى الخارج، ومن أجل حمايةِ الثقافةِ اللبنانية وحضارتِنا القائمة على تعزيزِ السلام ونبذ العنف والحرب والإرهاب والحركاتِ الأصولية والراديكالية. ويجب أن تعملَ الدولةُ اللبنانية مع الأسرةِ الدّولية على عدمِ تحميلِ لبنان فوقَ طاقتِه من الأخوة النازحين، بل على توزيعِهم على سائرِ البلدان العربية بروحِ التعاون والتضامن، وعلى المناطقِ الآمنة في سورية. ويجب بنوع خاصّ على منظّمة الأمم المتّحدة أن تبذلَ كلَّ جهدِها بالسرعةِ القصوى لإيقافِ دوّامةِ الحرب والعنف بين المتقاتلين في سورية وموجات التهجير والنزوح، ولصد الدّول المعنيّة عن التمادي في مدِّ النظام والمعارضة بالمال والسلاح والعناصر؛ فلا يجوز الاهتمام بمنح المساعدات للنازحين وإهمال المطالبة الملحّة والعمل الجدّي لإيقاف الحرب والدمار وتهجير المواطنين". وأضاف الراعي: في الروزنامة الليتورجية، اليوم أحد تذكارِ الكهنة. فتصلّي الكنيسةُ من أجلِ راحة نفوس الكهنة المتوفَّين؛ ومن أجل الكهنةِ الأحياءِ لكي يؤدّوا رسالتَهم الكهنوتيّة "كوكلاءِ أسرارِ الله"، كما يدعوهم بولس الرسول مُتحلِّين بالأمانةِ والحكمة؛ وتصلّي من أجلِ نمو الدعواتِ الكهنوتية. وقال الراعي: المسؤولون السياسيّون مُوَكَّلون من الشعبِ ومن النظامِ الطبيعي الذي وضعه الخالق، ليُوفِّروا للشعب "طعام" الخيرِ العام من خلالِ النشاط التشريعي والإجرائي والإداري والقضائي، وإحياء اقتصاد وافر يُؤمّن العيش الكريم للجميع، وتأمينِ ثقافة وتعليم يُمكّنان الأجيالَ الطالعة من تربية نفوسهم وإعدادِ مستقبلِهم وتحقيقِ ذواتهم. واستطرد البطريرك : أجل المسؤولون السياسيّون موكَّلون على الخير العام الذي يقتضي منهم تنظيمَ الحياةِ العامّةِ في مقتضياتِها اليوميّةِ ومتفرّعاتِها. نعني إدارةَ شؤونِ الدولة في نشاطِها الداخلي بمؤسّساتِها ودوائرِها وأجهزتِها والمخطّطاتِ والمشاريعِ الإنمائيّة والعمرانيّة، وفي نشاطِها الخارجي بما تقيمُ من علاقاتِ صداقة وتعاون، وبما تُبرم معها من معاهداتٍ واتّفاقاتٍ اقتصاديةٍ وتجاريةٍ وثقافية. وقال: إنّ كلام الربّ في إنجيل اليوم يدعو كلَّ مسؤول – موكَّل إلى الأمانة والحكمة في ممارسة مسؤوليّته. الأمانة للواجب وللموكِّل وللجماعة. والحكمة في أداء الواجب يتمّ بمخافة الله واستحضارِه وبالوعي وحُسنِ تقييم الأمور والتمييزِ بين العدل والظلم، وبين الخير والشرّ، وبين الفائدة الشخصيّة أو الفئوية والخير العام. وتبقى لنا جميعًا ولكلّ مسؤول في العائلة والكنيسة، في المدرسة والجامعة وفي المجتمع والدولة، كلمة الربّ يسوع: "من أُعطي كثيراً يُطلب منه الكثير، ومن اؤتُمن على الكثير يُطالب بالأكثر"(لو12: 48).