ببروت ـ جورج شاهين
دعا الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للموارنة في اليوم ما قيل الأخير من العام 2012 (الأحد) إلى طي كلَّ السلبيّات، وقال "لننفتح على الجديد الذي تُدشّنه نعمةُ الميلاد والسنة الجديدة 2013 الآتية إلينا من نعم الله. كفى البقاء على المواقف السلبيّة! كفى التخوين والإدانة! كفى التلاعب بمصير شعبٍ ودولةٍ ووطن! كفى الخوف من التلاقي والتحاور بصدقٍ وتجرّدٍ وشفافيّة! كفى التمادي في الفساد والسرقة وهدر المال العام وإفقار الشعب وإنهاك البلاد في التقهقر الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والانمائي". جاء ذلك في عظة قداس الأحد التي ألقاها الراعي في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي بحضور رئيس تكتل الإصلاح والتغيير العماد ميشال عون وعدد من وزرائه والنواب وشخصيات سياسية وأجتماعية. وقال الراعي بعد تلاوة الإنجيل المقدس: نحن في اليوم ما قبل الأخير من سنة 2012. فلنطوِ مع آخر ساعاتها كلَّ السلبيّات، ولننفتح على الجديد الذي تُدشّنه نعمةُ الميلاد والسنة الجديدة 2013 الآتية إلينا من نعم الله. نحن لم نتجاوز المحن والسقوط بقدراتنا ولا بانقساماتنا والعداوات، ولا بأقوالنا ومواقفنا الإيجابيّة والسلبيّة. بل تجاوزناها بقدرة الله ويده الخفيّة التي كانت تنتشلنا من الوقوع في الهاوية (مز44: 4)، في كلِّ مرّة شارفنا على فوهتها. فمن الضرورة أن نستعرض هذا الأمر، ونشكر عناية الله، ونتّعظ متذكّرين الصالحات، ومُتناسين السيئات، وتائبين عن الخطايا. وَلْنَتُقْ إلى الجديد الذي يُرينا وجه الله وجودته. كفى البقاء على المواقف السلبيّة! كفى التخوين والإدانة! كفى التلاعب بمصير شعبٍ ودولةٍ ووطن! كفى الخوف من التلاقي والتحاور بصدقٍ وتجرّدٍ وشفافيّة! كفى التمادي في الفساد والسرقة وهدر المال العام وإفقار الشعب وإنهاك البلاد في التقهقر الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والانمائي! تعالوا نتوق إلى الجديد النازل علينا من فوق، في ذكرى ميلاد الإله الذي صار إنسانًا "وملؤه النعمة والحق"، على ما كتب يوحنّا في مقدّمة إنجيله (1: 14). إذا استمرّينا في أن نرثَ العتيق الذي ليس من الله بل من العالم، لن نكون أبدًا في جديد. وابن الله الذي صار إنسانًا، مُتضامنًا مع البشريّة جمعاء، قد جعلنا معه وَرَثَةً لله، أي لكلّ ما هو جديد نأتيه بنعمته وكلمته في حياتنا الخاصّة والعامّة. فلنملأ السنة الجديدة من الحضور الإلهي ليكون لها معنى. فالزمان اليوم هو الوقت المقبول: ونحن في سنة الإيمان، وبين أيدينا الإرشاد الرسولي "الكنيسة في الشرق الأوسط، شركة وشهادة"، وفي أذهاننا والقلوب وهج زيارة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، الذي أعاد إلينا بكلماته الثقة بالله وبالذّات وبالوطن صاحب الرسالة والنموذج، وكشف لنا معنى وجودنا وقيمة حضورنا في لبنان وبلدان الشرق الأوسط. وأضاف: تحتفل الكنيسة في هذا الأحد الأوّل بعد الميلاد بعيد العائلة المقدّسة في الناصرة، التي تربّى فيها يسوع – الإنسان بعناية ومثَل يوسف أبيه الشرعي بالتبنّي، ومريم العذراء أمّه بالجسد. إعتادت هذه العائلة، المُميّزة بالتقوى ومخافة الله، على حفظ الشريعة الإلهيّة والقيام بالزيارة التقويّة إلى أورشليم كلَّ سنة بمناسبة عيد الفصح. ولمّا كان يسوع ابن اثنتي عشرة سنة، "صعد مع أبويه كالعادة في عيد الفصح إلى اورشليم". وهناك صارت حادثة ضياعه ووجوده في الهيكل. إنَّ الحدث بجملته يحمل دلالات روحيّة متنوّعة تشكّل تأملنا اليوم. وقال: نُهنّئكم، ومن خلالكم كلّ عائلاتنا، حيثما وُجدت، بعيد العائلة المقدسة، شفيعة عائلاتنا المسيحية، المدعوّة لتحقّق رسالتها "ككنيسة بيتيّة تنقل الإيمان المسيحي وتعلّم الصلاة؛ وكمدرسة طبيعيّة أولى تُربّي على القيم الأخلاقيّة والاجتماعيّة والوطنيّة؛ وكخليّة حيّة تُعطي المجتمع إنسانًا جديدًا مُهيّأً للحياة فيه بأبعاده الاجتماعيّة والوطنيّة". هذا ما تُعلّمه الكنيسة باستمرار. نفهم من زيارة عائلة الناصرة التقويّة كلَّ سنة في عيد الفصح إلى أورشليم، وفقًا للشريعة الدينية، أنَّ شعب الله في مسيرة حجّ نحوه، عبر التاريخ أولاً، بالإيمان والصلاة، حتى بلوغه النهيوي الأخير بالمشاهدة السعيدة. تندرج العائلة في هذه المسيرة، وتستمدّ هويتها ووحدتها ورسالتها من لقائها بالله في هيكله الأرضي، وهو كنيسة الرعيّة التي تنتمي إليها كلُّ عائلة. ترانا تجاه هذا الواقع أمام واجب تعزيز راعوية الزواج والعائلة في أبرشياتنا ورعايانا، وبخاصّة عبر المنظّمات والحركات المعنيّة بالعائلة، وعبر مراكز التحضير للزواج، ومراكز الاصغاء والمواكبة للأزواج والعائلات في تجاوز الصعوبات الزوجيّة والعائليّة، وعبر لجان العائلة والحياة في الأبرشيّات، وسائر النشاطات الروحيّة والتثقيفيّة التي تُعزّز روحانية الأزواج والحياة العائليّة. هو اليوم عيد العائلة المقدّسة ننطلق منها كأساس للعائلة المسيحية بما تنطوي عليه من هويّة ورسالة، لنبنيَ عائلتنا الاجتماعيّة والوطنيّة. لا يمكن أن تُبنى العائلة الدمويّة والعائلة الاجتماعيّة والوطنيّة إلاّ على كلمة الله التي تجعلنا في حالة طاعةٍ لها في كلّ ما توحيه لنا عبر ظروف حياتنا اليوميّة وأحداثها. إذا لم نقرأ هذه الأحداث والظروف العائليّة والاجتماعيّة والوطنيّة، في ضوء كلمة الله، نبقى أسرى عتيقنا في النظرة والموقف والحكم على الأمور. فلا بدّ من أن نقرأ معًا أزمات الحياة على مستوى العائلة والمجتمع والوطن، بصلاةٍ وتأمّلٍ وحوار، وبتبادل وجهات النظر ونوعيّة القراءة. إنَّ الأحكام المُسبقة، والتوقّف عند الموقف القديم والنظرة القديمة، تجعلنا في حالة أسرٍ مُحكَم، كالذين هم راء قضبان الحديد في السجون.