رأى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي اننا "نعيش في لبنان نزاعا سياسيا آخذا في التوتر، مع انقسامات حادة لها تداعياتها على المؤسسات الدستورية، والبلاد مرهقة بالدين العام الذي يتزايد بشكل مخيف، وشبابنا لا يرى ما يرغب فيه من افاق مستقبلية مشرقة". ودعا "كل ذوي الارادات الحسنة، الذين يعنيهم لبنان الوطن، وخصوصا المسؤولين السياسيين ليتحملوا مسؤوليتهم الوطنية امام محكمة الضمير الوطني ومحكمة التاريخ للخروج من مصالحهم وحساباتهم واسر مواقفهم ويكونوا على مستوى التحديات الراهنة، فيعملوا بجدية وسرعة على اقرار قانون جديد للأنتخابات النيابية غير قانون الستين، والى تأليف حكومة جديدة حرة ومسؤولة تقود البلاد الى اجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، وتضع خطة للنهوض الاقتصادي، وتمهد للمصالحة الوطنية التي هي حيوية للبنان". كلام الراعي جاء خلال ترؤسه حفل اختتام اليوبيل الفضي لجامعة سيدة اللويزة في ذوق مصبح، وتدشينه للقاعة الكبرى الجديدة التي حملت اسمه في حضور وزراء ونواب وشخصيات اكاديمية وحزبية وتربوية والروؤساء العامين والرئيسات العامات للرهبانيات في لبنان ورؤساء البلديات والمخاتير ومثقفين وادباء واعلاميين وفنانيين وتربويين. بعد تبريك القاعة الكبرى الجديدة للجامعة من قبل الراعي، والتي حملت اسمه، استذكر نائب رئيس الجامعة لشؤون الثقافة والعلاقات العامة سهيل مطر بعض المحطات في مراحل تأسيس الجامعة وهي مراحل "التعب، والشقاء والهموم، والسهر والكد، وشد الاحزمة"، مضيفا "سنوات مرت، حروب، ودماء وعنف، ونحن نتحدى"، ومؤكدا ان "الجراح ازهرت، واثمر كرم الزيتون، وكرم الرب غني، وها هي الجامعة تستقبلكم بفرح كبير لتقول لكم: انتم الصخرة الاولى، وعلى هذه الصخرة ارتفع البنيان". اما رئيس الجامعة الاب وليد موسى، فأشار الى ان "الجامعة تقدم الليلة هديتين على تواضع لصاحب الغبطة والنيافة،الاولى: قرار الجامعة بأطلاق اسمكم على هذه القاعة الجديدة، ووعدنا بأن لا تستهين باسم راعيها، ولا تكون الا قاعة للرقي والحضارة والجمال، اما الهدية الثانية، فيشاركنا في تقديمها المعهد الوطني العالي للموسيقى (كونسرفتوار) من خلال تقديم الاوركسترا الفلهارمونية اللبنانية لهذه الامسية الفنية الجميلة" لافتا الى انه "ليس اجمل من افتتاح هذه القاعة، الليلة، الا افتتاحها بكاردينال يعلو بنا نحو السماء، واوركسترا تطير بنا الى العلى،اضف، هذا الحضور الكريم، الذي يشكل اوركسترا جديدة لخدمة هذه الجامعة وهذا الوطن". من ناحيته الرئيس العام للرهبانية المارونية المريمية الاباتي بطرس طربيه استذكر بدوره بعضا من مراحل تأسيس الجامعة التي انطلقت في "خضم الاحداث الامنية والسياسية للعام 1978 باقدام من الراعي، وتشجيع من الاباتي المغفور له بطرس فهد، وبعض العلمانيين". اضاف: "لماذا بشارة الراعي بطريركا وكاردينالا في اشهر قليلة تتساءلون؟ اجيبكم من كان بمثل هذه الديناميكية وهذا التخطيط، وهذه القدرة على تجاوز المشاكل والصعوبات، ومن يملك قلبا واسعا، وعقلا راسخا وايمانا كبيرا، يستحق ان يكون في اعلى المراتب وفي اسمى الدرجات، ولا كبرياء ولا انانية ولا ادعاء". وتوجه الاباتي طربيه الى السفير البابوي شاكرا له حضوره و"كل ما تقومون به، من اجل الكنيسة وانقاذ لبنان، من براثن الفوضى ودخان التعصب والانغلاق"، ومطالبا اياه ان ينقل لقداسة البابا بنديكتوس السادس عشر "شكر الرهبانية المارونية المريمية على ما خصها من تكريم"، مؤكدا اننا "لا نميز بين صاحب الغبطة والرهبانية التي تحدر منها فكلاهما واحد في خدمة الله والانسان". اما الكاردينال الراعي فقال: "نعيش في لبنان زمن نزاع سياسي آخذ في التوتر، مع انقسامات حادة لها تداعياتها على المؤسسات الدستورية، وزمن ازمة اقتصادية ومعيشية واجتماعية صعبة. البلاد مرهقة بالدين العام الذي يتزايد بشكل مخيف، والحركة الاقتصادية متعثرة، وفرص العمل ضئيلة، والبطالة على تزايد، وشبابنا لا يرى ما يرغب فيه ويحق له من آفاق مستقبلية مشرقة". ورأى ان "الجامعة، مدعوة لتزرع الرجاء في قلوب اجيالنا الطالعة والثقة بالنفس وبالوطن، وتجتهد مع المؤسسات العامة والخاصة لأيجاد فرص عمل للمتخرجين لكي يتمكنوا من تحفيز قدراتهم وابداعهم على ارض الوطن. وهي ايضا مدعوة لكي تساعد الطلاب على التعالي عن الانقسامات، وعلى نشر ثقافة الديموقراطية وكرامة الشخص البشري وحرية الرأي والتعبير، واحترام الاخر المختلف. وتذكرهم ان مقاعد الدراسة الجامعية انما هي لنسج علاقات الصداقة والتعاون، تأسيسا لحياة مستقبلية يبنونها معا" لافتا الى ضرورة ان "يتصاعد من اسرتها التربوية نداء الى المسؤولين السياسيين بالخروج من هاتين الازمتين السياسية والاقتصادية، كأساس لحياة كريمة في لبنان ولشبابنا وللعائلة". اضاف: "نحن، مع كل ذوي الارادات الحسنة، الذين يعنيهم لبنان - الوطن، بحيث يعلو فوق كل اعتبار شخصي وفئوي، ويعينهم الخير العام، ننادي المسؤولين السياسيين، ليتحملوا مسؤوليتهم الوطنية امام محكمة الضمير الوطني، ومحكمة التاريخ، فيخرجوا من مصالحهم وحساباتهم واسر مواقفهم، وينفتحوا على آفاق جديدة. ينبغي ان يكونوا على مستوى التحديات الراهنة، بحكم مسؤولياتهم ومواقعهم، فيعملوا بجدية وسرعة على اقرار قانون جديد للأنتخابات النيابية غير قانون الستين، والى تأليف حكومة جديدة حرة ومسؤولة تقود البلاد الى اجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، وتضع خطة للنهوض الاقتصادي، وتمهد للمصالحة الوطنية التي هي حاجة حيوية للبنان". واشار الراعي الى ان "المنطقة العربية تعيش احداثا سياسية مقلقة، وحروبا وعنفا ودمارا، لها تداعياتها في لبنان وفي العالم العربي ككل" مضيفا:"كان الكل يأمل ان تؤدي مطالب شعوبها المحقة الى ما يصبون اليه، وفق حاجات اوطانهم، من اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وانمائية، من دون اللجوء الى العنف والحرب. والجميع كانوا يأملون بربيع عربي يبلغ اليه بواسطة الاعتدال لا بالراديكالية والتعصب والاصولية". وتابع: "ان لجامعتنا المنفتحة على اللبنانيين بكل مكوناتهم الدينية والثقافية، وعلى الشباب الاتي اليها من بلدان الشرق الاوسط، دورا كبيرا في هذا المجال على مستوى التربية والتوجيه واذكاء الوعي، وفي اظهار دور لبنان، بحكم موقعه على ضفة المتوسط الشرقية وميثاقه الوطني وتكوينه السياسي وخصوصيته وتاريخه النهضوي في المنطقة، في ان يكون لبنان عنصر سلام واستقرار في المنطقة. فلا يكون، لا متفرجا، ولا متورطا، ولا محرضا، ولا ممرا او مقرا للعنف والسلاح". وتناول الوضع الكنسي، حيث لفت الى انه "بين يدينا ارشاد رسولي عنوانه - الكنيسة في الشرق الاوسط، شركة وشهادة. تسلمناه رسميا من قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر اثناء زيارته التاريخية للبنان في ايلول الماضي. وترتبط به كلماته المكملة في الخطابات والعظات التي القاها، وابرزت قيمة لبنان ورسالته على كل صعيد، في خط الشركة والشهادة. يجدر بالجامعة ان تجعل من هذا الارشاد الرسولي خريطة طريق في التربية والتثقيف وتوجيه المبادرات". واشار الى اننا "نعيش منذ الحادي عشر من تشرين الاول الماضي سنة الايمان، اي سنة البحث عن وجه الله الظاهر في وجه المسيح المتجسد، واللقاء الشخصي والوجداني به، كطريق وحق وحياة، فندرك اننا من دون هذا الطريق نحن في ضياع، وبدون هذا الحق نحن في ضلال، وبدون هذه الحياة نحن في موت " لافتا الى ان "سنة الايمان ترتبط بحدثين كبيرين: الاول مرور خمسين سنة على افتتاح المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني 1962-2012)، الذي سماه الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني ربيع الكنيسة. ما يقتضي العودة الى ما ترك لنا من تعليم في كل قطاعات الحياة الروحية والمدنية، والاقتصادية والسياسية، والراعوية والاجتماعية، الالهية والانسانية، وهو - المجمع - ينبوع ثقافة لاتنضب. والحدث الثاني، انعقاد جمعية سينودس الاساقفة في تشرين الاول الماضي حول الاعلان الجديد للأنجيل، بكل ما يتضمن هذا الاعلان من خبرة شخصية في اللقاء بالمسيح وحمية وحرارة ونهج ووسائل وتقنيات، لكي يبلغ هذا الخبر المفرح - الانجيل الى كل انسان ، فيجد ذاته ومعنى وجوده وقيمته ومكانه في التاريخ، بفضل فرادته غير المتكررة " مؤكدا ان "جامعتنا تشكل المكان الطبيعي المميز لعيش مضامين هذه الاحداث ، واستخلاص مضامينها واضافتها الى الثقافة المتنوعة التي تقدمها لشبابنا". واوضح الراعي قائلا: "في هذا الاطار من الاحداث المحلية والاقليمية والكنسية، تندرج مبادرة قداسة البابااذ شرفني برتبة الكردينالية، لكنه اراد بذلك اعلاء شأن لبنان والكنيسة، كما يعلو بها شأن امنا الرهبانية المارونية المريمية التي انتمي اليها، وتربيت في رحابها، واغرف من معينها الروحي والتاريخي والكنسي، واراد ان يعطي دفعا للكنائس الشرقية ولمسيحيي الشرق الاوسط. وهذه قراءة عامة ومشتركة لدى الجميع مسيحيين ومسلمين، عربا واجانب، لذا نأمل بموآزرتكم ان نثمر هذه المبادرة في خدمة افضل واشمل واكثر مسؤولية" متمنيا "ان تنطلق الجامعة بالاتكال على النعمة الالهية وعنايتها وعلى الهامات الروح القدس، انطلاقة تجددية نحو الاهداف التي حددتها يوم افتتاح اليوبيل، وان تجعل من الثقافة التي تغدقها ومن تربية الاجيال فيها ومن نتاجها المتنوع والغنى اوركسترا مجدا وتسبيحا للآب والابن والروح القدس الى الابد". وكانت الاوركسترا الفلهارمونية اللبنانية قدمت غناء اوركستراليا بقيادة المايسترو المنفرد موساور ومشاركة السوبرانو ريما طويل، كما قدمت جوقتا جامعة سيدة اللويزة بقيادة الاب خليل رحمة والجامعة الانطونية بقيادة الاب توفيق معتوق بعضا من الالحان، واختتم الحفل الغنائي - الانشادي ب "نؤمن باله واحد" من الحان اياد كنعان وانشاد ريما الطويل مع الجوقة والاوركسترا. بعدها توجه الجميع الى مدخل القاعة الجديدة حيث رفعت الستارة عن اللوحة التذكارية، وشربوا نخب المناسبة