سيارات القوات الفرنسية

7 جنود فرنسيين قضوا شمالي مالي منذ انطلاق عملية "برخان" العسكرية في الساحل الإفريقي، في أغسطس آب 2014، 4 منهم لقوا حتفهم في انفجارات منفصلة لألغام يدوية الصنع، ضمن أسلوب يبدو من الواضح أنه بات المفضّل لدى الجماعات المسلحة في الأشهر الأخيرة، بحسب محلّلين.

استنتاج قال الفرنسي فيليب ميغو، المختصّ في قضايا الدفاع، إنه لا يؤثّر على السياسة المعتمدة، وذلك رغم تداعياته التي لا يستهان بها على المستويين اللوجستي والإنساني.

وتعرّف منظمة حلف شمال الأطلسي الألغام يدوية الصنع بأنها "عبوات ناسفة، وهي نوع من الأسلحة المتفجّرة التي يمكن أن تتّخذ أشكالا مختلفة ومتنوّعة، وتفجّر بطرق عديدة". كما أنّها "يمكن أن يقع إخفاؤها في أي مكان، من ذلك تعليقها على الحيوانات والأشخاص، أو وضعها في الطريق. أمّا تفجيرها، فيتم التحكّم فيه عبر الهاتف النقّال أو صاعق"، بحسب البيانات المنشورة على الموقع الإلكتروني للمنظمة.

سلاح غير مرئي، غير أنّه تمكّن من إحداث خسائر فادحة شمالي مالي، حيث تمتلك القوات الفرنسية التابعة لعملية "برخان" نقطة دعم دائمة في منطقة غاو، وقاعدة متقدّمة مؤقّتة في تيساليت. وأعلنت الخارجية الفرنسية، أوّل أمس الأربعاء، في بيان لها، مقتل 3 من جنودها في مالي، إثر انفجار لغم على الطريق الفاصلة بين غاو وتيساليت. أحد هؤلاء الجنود قضى على عين المكان، في حين لفظ الآخران أنفاسهما، عقب سويعات، متأثّرين بجراحهما.

وتعدّ هذه الحصيلة من الخسائر البشرية الأثقل بالنسبة للقوات الفرنسية منذ بداية عملية "برخان"، والتي تسلّمت المشعل عن عملية "سرفال" (انتشرت قواتها في يناير كانون الثاني 2013) لمطاردة المجموعات المسلّحة المتمركزة شمالي مالي.

وقبل ذلك، وتحديدا في 13 أكتوبر تشرين الأول الماضي، انفجر لغم مضاد للدبابات أسفل مدرّعة كانت تقلّ القوات الخاصة الفرنسية، إضافة إلى 3 من أفراد قوات المظليين من الكوماندوز الجوية رقم 10، شمالي مالي، على بعد 50 كم شرق تيساليت، وفقا لبيانات وزارة الدفاع الفرنسية.

واحد من أفراد الكوماندوز الجوي لقي حتفه في الـ 26 من نوفمبر تشرين الثاني الماضي، متأثّرا بجراحه، في حادثة اعتبرت الأولى من نوعها بالنسبة لعملية "برخان" الفرنسية، والتي تنتهي بمقتل أحد جنودها في إنفجار لغم.

4 قتلى إذن في صفوف القوات العسكرية من جملة 7 (بينهم اثنان قتلا في حادث) فقدتهم فرنسا منذ انطلاق "برخان"، في حين أن الحصيلة الجملية لخسائرها البشرية تتجاوز هذا الرقم لتبلغ 17 وذلك منذ 2013. تفجيرات لم تعلن أيّ جهة مسؤوليتها عنها، غير أنّ القوات تنسبها إلى تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" أو إلى جماعة "أنصار الدين"، أبرز الحركات المسلّحة الناشطة شمالي مالي.

ميغو الذي يشغل أيضا منصب مدير الأبحاث بـ "معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية" في باريس، أوضح في حديث للأناضول، أنّ "المتشدّدين تخلّوا عن فكرة القتال وجها لوجه مع القوات الفرنسية، وذلك حين أدركوا ببساطة أنه لا يمكنهم مواجهتها، ومن هذا المنطلق، بدا الحلّ واضحا للغاية (بالنسبة لهم) وهو زرع الألغام".

وبحسب مصادر عسكرية، فإن نحو 10 عربات عسكرية تابعة للجيش الفرنسي عبرت، في غضون الأشهر الـ 6 الأخيرة، على ألغام، ما أسفر عن سقوط قتلى علاوة على الجرحى والأضرار المادية. من جانبها، تمكّنت القوات الفرنسية، على مدى عام بأكمله، من مصادرة حوالي 25 عبوّة ناسفة، وأكثر من 200 صاعقة وآلة تحكّم، وفقا لبيانات "برخان" في يوليو تموز الماضي.

تغيير في التكتيك الإستراتيجية المعتمدة من قبل الجماعات المسلحة، اعتبر الكولونيل موسى دومبيا، أحد الضباط المتقاعدين من سلاح المشاة بالجيش المالي، أنّه أثمر اليوم، "خصوصا وأن الجنود غير مجهّزين بما يكفي لمواجهة تهديد مماثل في مثل هذه الحرب غير المتكافئة".

دومبيا، الخبير في قضايا الدفاع، أضاف، في حديث للأناضول، أنّ "الأمر لا يتعلّق بنقص التجهيزات لمكافحة الألغام فحسب بالنسبة للجنود الفرنسيين، وإنما لا ينبغي إغفال حقيقة أن الشبكات الإرهابية تضمّ في صفوفها خبراء في المتفجّرات يعرفون جيّدا أيّ نوع وكمّية من الألغام التي ينبغي استخدامها لاستهداف المعدّات العسكرية للعدوّ، والمركبات المدرّعة بشكل خاص".

إحدى المواقع الفرنسية المتخصّصة في الشؤون العسكرية، وصفت معدّات القوات الخاصة الفرنسية بـ "القديمة"، سيّما باعتبار العوامل والظروف المناخية لمنطقة الساحل الإفريقي، والتي تتسبّب في "تآكل التجهيزات بشكل مبكّر".

أما ميغو، فأوصى بأنه يتعيّن على "العسكريين الفرنسيين التعامل مع الأسلوب الجديد للهجمات، والتفكير تبعا لذلك في في اللجوء إلى تكتيك جديد لإحباط الفخاخ التي ينصبها الإرهابيون، من ذلك استخدام طائرات بدون طيار جديدة، وغيرها من معدّات الكشف عن الألغام، والأهمّ تعزيز العربات المدرّعة".

وتعقيبا منه على الدعوة التي أطلقها زعيم جماعة "أنصار الدين"، إياد أغ غالي، في نوفمبر تشرين الثاني الماضي، إلى محاربة فرنسا، رأى دومبيا أنه من الضروري التوصّل إلى حلول، في ضوء عدم اعتزام باريس سحب قواتها من مالي، وتواصل التهديدات التي تستهدف الجنود".

من جهتها، لفتت هيئة الأركان العامة الفرنسية إلى أنّ جنودها تمكّنوا، في الأشهر الأخيرة، من القضاء على أكثر من 100 إرهابي، مشيدة، في الآن نفسه، بـ "تصاعد قوّة" الجيش المالي.

جاء ذلك على لسان المتحدثّ باسم هيئة الأركان الفرنسية، الكولونيل جيل جارون، في تصريح تناقلته، اليوم الجمعة، وسائل الإعلام الفرنسية، وأضاف من خلاله أنّ الدليل على ما تقدّم هو إعتقال عدد من الزعماء المتشدّدين (بينهم أحد الضالعين في هجوم غراند بسام)، إضافة إلى الهجوم الأخير الذي استهدف، ليلة الأربعاء الماضي، وسط مالي، وتمكّن القوات المالية من التصدّي له، ما أسفر عن مقتل شخص واعتقال 5 آخرين، يشتبه في انتمائهم إلى المجموعات المسلحة.

وتعدّ عملية "برخان" الفرنسية نحو 3 آلاف رجل موزّعين على منطقة الساحل والصحراء، بينهم ألف و300 في مالي.