صنعاء ـ العرب اليوم
أشعلت الأوضاع الإقتصادية والأمنية التي يعيشها اليمن حاليا أزمة بين البرلمان وحكومة الوفاق الوطني التي تشكلت أواخر العام 2011 بموجب اتفاق نقل السلطة المتمثل بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
واستجابت حكومة الوفاق الوطني الأسبوع الماضي لاستدعاء وجهه البرلمان بهدف مناقشة الأوضاع الأمنية والإقتصادية المتفاقمة أبرزها الإعتداءات التي تطال المنشآت الحيوية وأزمة المشتقات النفطية.
ودار نقاش حاد في ثلاث جلسات متتالية للبرلمان حضرها السيد محمد باسندوة رئيس حكومة الوفاق وعدد من الوزراء المعنيين مستعرضين الأوضاع الراهنة والإجراءات المتخذة في هذا الجانب. وقال باسندوة حينها لأعضاء البرلمان إن الحكومة التي يرأسها توافقية وتشارك فيها كافة الأطراف الموقعة على المبادرة الخليجية وهي تعمل جاهدة لمواجهة كافة التحديات الإقتصادية والأمنية.
واعتبر باسندوة أن التحديات الأمنية التي يواجهها اليمن هي في الأساس جزء من مؤامرة تستهدف عملية التغيير التي يمر بها اليمن ومن ذلك الإعتداءات المتكررة التي تطال المنشآت الحيوية والتي أثرت كثيرا على الوضع الإقتصادي، داعيا خلال جلسات البرلمان كافة الأطراف السياسية في البلاد إلى التكاتف والإبتعاد عن الخلافات حفاظا على الوطن ومصالحه العليا وقطع الطريق على من يتربصون بمستقبله.
ورغم أن المبادرة الخليجية وضعت البرلمان اليمني الذي يعد الأطول عمرا في العالم حاليا، في خانة التوافق باعتبار أنّ كل الكيانات السياسية الممثلة فيه لديها أعضاء في حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت بموجب تلك المبادرة، إلا أنّ العديد من أعضائه وجهوا انتقادات حادة لأداء الحكومة، مطالبين إياها بضرورة توفير احتياجات المواطنين والحفاظ على أمنهم.
وهدد أعضاء في البرلمان الأسبوع الماضي باتخاذ إجراءات ضد الحكومة وفق صلاحيات البرلمان الدستورية أبرزها التوجه إلى سحب الثقة عنها مالم تقدم حلولا سريعة للمشكلات المتفاقمة وخصوصا المتعلقة باحتياجات المواطنين والمتعلقة بأزمة المشتقات النفطية التي تعاني منها البلاد.
وفي محاولة للتقليل من حدة الأزمة بين البرلمان والحكومة عقد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يوم أمس الأول اجتماعا مشتركا لرؤساء الكتل البرلمانية وأعضاء الحكومة بحث خلاله مجمل الأوضاع الراهنة التي تعاني منها البلاد.
وذكر مصدر حكومي يمني أن الرئيس هادي طالب أعضاء الحكومة والبرلمان بوقف ما أسماها (المناكفات) وعدم اتخاذ أي إجراء يتعارض مع التوافق الوطني وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، مشيرا إلى أنّ هادي وجه الحكومة بضرورة البدء بتنفيذ عدد من الإصلاحات الإقتصادية الشاملة لمواجهة العجز في الموازنة أبرزها إعادة النظر في سجلات الخدمة المدنية وتنفيذ نظام البصمة والصورة في القطاعين المدني والعسكري بهدف تنظيفها من الأسماء الوهمية والتي قدرت بعشرات الآلاف،بحسب المصدر.
وقال البرلمان اليمني في بيان له يوم أمس، أنه يواصل دراسة الإجراءات الدستورية التي تخول له اتخاذ موقف حازم ضد الحكومة بعد أن أكد عدد من أعضاء الكتل البرلمانية عدم اقتناعهم بإجراءات الحكومة وردودها على استفساراتهم وعدم تقديمها رؤية واضحة لمعالجة الأوضاع الإقتصادية والأمنية.
وأوضح أنه وقف أمام الإجراءات الدستورية والقانونية بشأن سحب الثقة من الحكومة بعد أن أنهى مناقشته للإستجواب المقدم إلى الحكومة وموضوعاته بالإستناد إلى الحق الدستوري والقانوني، مؤكدا أنّه تم الإتفاق على مواصلة النقاش حول هذا الموضوع لمزيد من الدراسة والإغناء والإثراء في جلسة سيعقدها اليوم ولما فيه مصلحة الوطن والمواطنين وتقدمهم وازدهارهم.
وفي هذا السياق أكّد السيد محمد مقبل الحميري رئيس (كتلة الأحرار) في البرلمان اليمني أنه كان هناك إجماع في البرلمان حول استجواب الحكومة ومناقشتها حول الإنفلات الأمني وتردي الأوضاع الإقتصادية بهدف وضع الحلول المناسبة لها وهو ما حدث خلال الأسبوع الماضي.
وقال في تصريح لمراسل وكالة الأنباء القطرية (قنا) في صنعاء "كان هناك حدة كبيرة في النقاش وارتفعت أصوات عدد من البرلمانيين لسحب الثقة عن الحكومة وهو ما دفع الرئيس اليمني إلى عقد اجتماع بالكتل البرلمانية وأعضاء الحكومة لكن لم يصل الطرفان إلى أي اتفاق"، مشيرا إلى أن هادي طالب الحكومة والبرلمان بإجراء دراسة معمقة للأوضاع الأمنية والإقتصادية الراهنة على أن يخرج كل منهما برؤية واضحة لمعالجة تلك الأوضاع وتداعياتها على المواطنين.
وأوضح أنّ موضوع سحب الثقة من الحكومة يواجه خلافا شديدا بين الكتل البرلمانية وليس هناك أي إجماع في هذا الجانب رغم اتفاق الجميع على خطورة الأوضاع التي تعيشها البلاد وقصور الأداء الحكومي في معالجتها، منوها بأن القرارات التي ستصدر عن البرلمان لابد أن تكون توافقية وفقا لاتفاق التسوية السياسية المتمثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ولا يمكن لأي طرف أن يتخذ أي قرار إلا وفقا لذلك.
وقال الحميري" كان من الأولى أن تتجه الأطراف السياسية أولا نحو تنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي أوجدت حلولا للمشكلات المتراكمة ومثلت لبنة أساسية لبناء يمن جديد بعيدا عن أخطاء الماضي، لكن هناك من يريد الإبقاء على الوضع كما هو وخصوصا المتضررين من عملية التغيير"، مضيفا "أنه كان يجب على الأطراف السياسية أن تتّفق على تشكيل حكومة كفاءات قبل الشروع في أي إجراء لسحب الثقة كون هذا الإجراء سيحدث فراغا دستوريا كبيرا وستدخل البلد في أزمة جديدة هو في غنى عنها".
وتوقّع أن يحسم الرئيس اليمني موضوع الأزمة الحالية بين البرلمان والحكومة قريبا كونه مخولا وفق اتفاق التسوية بحسم أي خلاف بين المؤسستين.
من جانبه قال الدكتور محمد المخلافي وزير الشؤون القانونية في حكومة الوفاق الوطني باليمن في تصريح لوكالة الأنباء القطرية (قنا) إن شرعية الحكومة وشرعية البرلمان مصدرها اتفاق نقل السلطة المتمثل بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وهي شرعية توافقية لا يجب الخروج عنها وقرارات البرلمان لن تكون شرعية إلا إذا صدرت وفق هذا التوافق.
وأضاف أن حكومة الوفاق الوطني تشكلت باتفاق الأطراف الموقعة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وتغييرها لن يتم أيضا إلا وفق شرعية التوافق، مشيرا إلى أن موقف الرئيس عبد ربه منصور هادي بخصوص هذه المسألة حيث أعلن للجميع في أكثر من مناسبة أن الشرعية هي شرعية التوافق وخصوصا عندما حاولت أطراف في البرلمان إرباك المشهد السياسي في وقت سابق.
وأكد الوزير اليمني أن موضوع سحب الثقة من الحكومة لم يحظ بإجماع الكتل البرلمانية وخصوصا ممثلي الأحزاب السياسية الموقعة على المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية إدراكا منها بأن الغاية من ذلك هو تقويض العملية السياسية القائمة في البلاد ومنع تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل.
وقال "إن هناك قرار واضح من مؤتمر الحوار الوطني والمتمثل في الفقرة الثانية من ضمانات تنفيذ مخرجاته والذي يقضي بتفويض رئيس الجمهورية لإحداث تغيير في الحكومة والسلطة المحلية , طبقا لمبدأي توسيع الشراكة والتوافق الوطني"، مضيفا أن المجموعة البرلمانية التي تسعى حاليا إلى موضوع سحب الثقة من حكومة التوافق هي نفس المجموعة التي أقدمت على إجهاض التوافق الوطني الذي حدث في العام 2009 وذلك ما سمي "بتعديل الدستور" والإعداد لانتخابات منفردة وهذا كان السبب المباشر لاستدعاء الثورة الشبابية السلمية في العام 2011.
وأشار إلى أن هذه المجوعة البرلمانية نفسها تسعى حاليا إلى تقويض التسوية السياسية بدءا بعدم الإعتراف بأساس هذه التسوية والمتمثل باتفاق المبادرة الخليجية وآلية تنفيذ العملية الإنتقالية وكذلك السعي إلى إحباط ما قد أنجز في إطار التسوية وبالدرجة الأولى مخرجات الحوار الوطني وأكد أن استهداف حكومة الوفاق الوطني يأتي في سياق استهداف التسوية السياسية لمنع حدوث التغيير.
وقال "نحن في اليمن في لحظة خطرة جدا حيث أن النظام القديم يريد الإنقضاض على التسوية السياسية وما أنجز منها وهوما يستوجب من قوى التغيير أن توحد صفوفها لمواجهة هذا الخطر".
من جانبهم اعتبر عدد من المحللين والمراقبين للشأن اليمني أن الأزمة الحالية بين البرلمان وحكومة الوفاق أزمة مفتعلة من قبل أطراف تريد الإنقضاض على عملية التغيير القائمة في البلاد من خلال تهييج الشارع ضد الحكومة وإذا ما استمرت فإنها قد تهدد بنسف التسوية السياسية.