القاهرة - محمد عبد الحميد
أعربت رباعة المنتخب المصري البارالمبية لرفع الأثقال للمعاقين فاطمة عمر، بعد براءتها من قضية المنشطات أمام المحكمة الرياضية عن سعادتها الغامرة "أشعر أني استعدت كرامتي، فكنت شعرت أن تاريخي الذي صنعته في 20 عامًا هدم بسبب هذا الأمر، وأشكر كل من وقف إلى جانبي في اللجنة البارلمبية ووزارة الرياضة وأولهم دكتورة حياة خطاب، والدكتور حسام الدين مصطفى، واللواء محمد صبيح، والكابتن عماد بهجت، والمحامي سامي بوصرصار، كما أشكر كل زملائي في المنتخب اللذين وقفوا معي منذ بداية الأزمة حتى مرورها، ستكون هذه آخر دورة لي، وأتمنى أن أحصل على ميدالية ذهبية جديدة لمصر وسيكون سني في الأولمبياد 42 عامًا"
وشرحت عمر في تصريحات لـ "العرب اليوم"، طبيعة الأزمة من بدايتها بقولها: "كانت البداية بعد دورة لندن مباشرة، بعدما حصلت على عام راحة كإجازة وضع، واضطررت إلى الحصول على منشط حمل خلال تلك الفترة ولمدة ستة أشهر وتحديدًا حتى تموز/ يوليو 2013 بعدما طلبت اللجنة البارالمبية المصرية مني ضرورة الانتظام في التدريبات لخوض بطولة العالم التي أقيمت نيسان / أبريل الماضي وهنا بدأت القصة"
وأوضحت: "أبلغت مساعد طبيب اللجنة الطبية الدكتور محمد شوقي، الذي أكد بدوره أن الدواء لا يندرج تحت بند أي منشطات محظورة، بعدها سافرت إلى ماليزيا خلال تشرين الثاني / نوفمبر من العام الماضي للعب دورة ودية دولية استعدادا للمونديال، وخضعت لاختبار المنشطات فكانت النتيجة سلبية، وبعدها لعبت بطولة الجمهورية في مصر والنتيجة كانت سلبية أيضًا".
وتابعت عمر: "ولكن بعد مشاركتي في بطولة كأس العالم وصل إلى اللجنة البارالمبية المصرية خطاب رسمي من اللجنة الدولية تؤكد خلاله ظهور نتيجة إيجابية في العينة المأخوذة لي وصلت على البريد الإلكتروني الخاص لنائبة رئيس اللجنة حينها حياة خطاب، فأرسلته خطاب إلى سكرتير اللجنة إيهاب حسنين، رئيس البعثة التي كانت موجودة في بطولة العالم، حيث لم يعط الأخير اهتمامًا للخطاب من تاريخ 17 إلى 25 أيار/ مايو الماضي، ليتم إرساله إلى عضو مجلس إدارة اللجنة محمد صلاح".
وأردفت: "آخر ميعاد للتظلم على القرار كان 26 أيار، وأنا لم أعرف كل هذه القصة إلا في الأول من يونيو، ويعتبر هذا إهمالاً من اللجنة الباراليمبية خاصة أنهم لم يردوا على خطاب اللجنة الدولية من جهة، ولم يبلغوني بأي تفاصيل حول الأزمة قبل موعد التظلم من جهة أخرى، بعدها خاطبت اللجنة الدولية بإعطائي فرصة للدفاع عن نفسي، خصوصًا أنني لم أعرف شيئا عن الأزمة، ووافقت اللجنة احترامًا لتاريخي في اللعبة"
وزادت: "وبعد كل محاولاتي ومحاولات بعض مسؤولي اللجنة الفردية، جاء القرار بإيقافي لمدة عامين، وهو قرار تعسفي للغاية، وعلى الرغم من أن طبيب اللجنة أخبرني أن الدواء الذي تعاطيته غير محظور طالبني رئيس اللجنة الطبية بالإقرار بمسؤوليتي عن تعاطي المنشط قبل أن يبدأ في تشويه سمعتها باتهامي بتعاطي المنشطات عمدًا، وأكد في وسائل الإعلام أني كبرت في السن ومن الممكن أن أتناول المنشطات".
ووصفت عمر شعورها بعد قرار إيقافها من اللجنة الدولية: "شعرت أن التاريخ الذي صنعته طوال 20 عامًا تم هدمه في لحظة، فأنا حققت أربع ميداليات ذهبية في الأولمبياد على التوالي، ولم أحصد ميدالية فضية طوال تاريخي، إلى جانب حصولي على جائزة أفضل لاعبة على العالم خمس مرات، فقد كان القرار وصمة عار في تاريخي لأنني لست بحاجة لتعاطي المنشطات، حيث أنني أحطم الأرقام القياسية وأحصد الميداليات بفارق كبير عن منافسيّ من دون الحاجة إلى المنشطات".
وأشارت إلى أنها ستتأهل إلى الأولمبياد من بطولة أفريقيا في أيلول/ سبتمبر المقبل، منوهة إلى أنها لم تكن تتمرن كل هذه الفترة، مؤكدة أنها ستبدأ تمرينًا من "نار" وأن لديها القدرة على العودة إلى مستواها سريعا.
وعن حكايتها مع رفع الأثقال أوضحت فاطمة: "بدأت بممارسة الرياضة عام 1994، وكان عمري 19 عامًا، حيث أنهيت دراستي ولم تكن إعاقتي بنسبة 100%، وفي حين تحفظت أسرتي على رغبتي في العمل، كان والدي يشجعني كثيرًا كي أشاهد من هم في مثل ظروفي في الإعاقة وأتعامل معهم".
وأضافت: "ذات يوم شاهدت مصادفة الأبطال البارالمبيين العائدين بالميداليات من أوليمبياد أتلانتا 1996، وأعجبت بهم وشعرت بأني لست أقل منهم، فقررت ممارسة أية لعبة رياضية وأثبت قدراتي، فسألت عن المكان الذي أستطيع اللعب فيه وعرفت أنه معهد شلل الأطفال في إمبابة".
وأكملت عمر: "استهوتني صالة رفع الأثقال ودخلت وأجريت اختبارًا ونجحت، وكان وزني حينها 39 كجم، وبعد تدريب أسبوعين فقط شاركت في بطولة الجمهورية، وحققت المفاجأة بحصولي على الميدالية الذهبية والمركز الأول في وزن 60 كجم".
وتحدثت عن بدء مشاركتها في المنتخب قائلة "بعد عامين من التدريب لم يكن أمامي سوى البطولات المحلية، وكان لدي طموح لا أستطيع تحقيقه، فجلست في منزلي إلى أن اتصل بي المدرب وأخبرني بتكوين منتخب للبنات لرفع الأثقال لمتحدي الإعاقة، وأن هناك بطولة في سلوفاكيا وكانت أول بطولة بالنسبة لي وفزت فيها بميدالية ذهبية، وبعدها توالت البطولات".
وعن المساهمة في تكوينها الرياضي أكدت عمر: "الدكتور علي السعدني والكابتن محمود نبيل كان لهما الفضل في المساهمة في تكويني الرياضي، وأنا أكن لهما كل تقدير، خصوصًا الدكتور السعدني الذي نصحني بالكثير وتولى تدريبي وكان معجبا بوزني القليل والأرقام التي أحققها معه، وشاركت في عام 1998 ببطولة العالم في الإمارات العربية المتحدة، وتألقت وحققت فئة 100 كغم والميدالية الذهبية".
وبينت سبب سلوكها الطريق الرياضي: "منذ بداية ممارستي للرياضة لم يكن هدفي العائد المادي أو الشهرة، ولكني اخترت الرياضة لأثبت ذاتي وأؤكد لنفسي وللآخرين أنني لست ضعيفة، وأنه لا فارق في الرياضة بين الأصحاء وأصحاب الإعاقة، ولكن المهم هو الإصرار، وتطور الأمر ليصبح الأولمبياد هو حلمي وأن أحقق فيه أرقاما قياسية".
وأوضحت طريقة وصولها للذهب الأولمبي معبّرة: "للبطولات الأولمبية مشاعر مختلفة عن بقية البطولات، قبل عام تقريبًا من دورة سيدني 2000 تعرضت لحادث ولإصابة بالغة وأجريت عملية جراحية، وتخيلت أن مشاركتي في الأولمبياد مستحيلة، ولكن الدكتور السعدني ورئيس الاتحاد السابق الدكتور نبيل سالم طلبا مني الانتظام في معسكر الإعداد لأن الأمل في لحاقي بالأولمبياد قائم، وبالفعل انتظمت في معسكر المنتخب، وحققت المعجزة، وسافرت إلى سيدني وهناك فزت بالميدالية الذهبية وكسرت الرقم القياسي أربع مرات وحصلت على لقب أفضل لاعبة، وحققت الميدالية الذهبية في أربع دورات أولمبية متتالية آخرها كانت في لندن، كل الميداليات عزيزة على قلبي، لأن لكل منهم حكاية مختلفة وقصة تحدٍ".
وعن دور أسرتها في تحقيقها الإنجازات أفادت: "والدتي اعترضت في البداية على ممارستي لرفع الأثقال بداعي أنها رياضة عنيفة، في المقابل أصر والدي ودعمني، ولكن بعد حصولي على ميدالية بعد 15 يومًا أدركا حقيقة موهبتي"، مضيفة "أما بعد الزواج، فكان من حسن حظي أن زوجي رجل مثالي شجعني دائما وكان يقوم برعاية ابنتنا الكبرى شهد، أثناء المعسكرات ولم يشعرني بضيق أو تذمر وهو يقول لي دائما نجاحك نجاح للأسرة ولبناتك".
وتابعت بخصوص تفكيرها في الاعتزال: "فكرت في الاعتزال خصوصًا بعد الإنجاب، وكان ذلك قبل دورة أثينا الأولمبية، إلا أن الدكتور علي السعدني رفض وأكد أن الجميع سيقف معي"، مضيفة "كنت أتدرب مع الزملاء وأترك رضيعتي مع زميلاتي، وسافرت قبيل الأولمبياد للتأهل من خلال البطولة الأفريقية وتركتها في رعاية شقيقتي، والحمد لله نجحت وأخذت الثقة أكثر وسافرت إلى أثينا وفزت بالميدالية الذهبية وحطمت الرقم الأولمبي، وكنت أفضل لاعبة، ولعبت في وزن أكبر للمرة الأولى، فقد كان وزني 44 كغم قبل الزواج، وبعد الحمل والإنجاب لعبت في وزن 56 كغم".
وكشفت عمر طريقة حفاظها عن وزنها خلال كل هذه الأعوام: "هناك أمور عدة لا يمكن التنازل عنها، منها الحفاظ على الوزن والسير على نظام غذائي معين، كنت أحرم نفسي من أشياء كثيرة ولا أتناول وجبة العشاء، كما أني كنت أشعر بالتقصير نحو أسرتي، حيث يكون الضغط هائلا قبيل الأولمبياد، إلا أنني أحرص على الإعداد والاجتهاد طوال أربع سنوات للنجاح في الفوز".
وأشارت إلى ظلم الإعلام لذوي الإعاقة "نحن مجهولون تمامًا بالنسبة للإعلام، أقصد المعاقين والأسوياء في أية لعبة بخلاف كرة القدم، والإعلام يتعامل معنا وقت الفوز بالميداليات الأولمبية، أما بقية البطولات فلا يشعر بنا، رغم أننا نجتهد ونتعب ونرغب أن يظهر أثر مجهودنا، وأن نبرز كقدوة لمن يرغب في أن يحذو حذو الأبطال، في الوقت الذي يلقى أقراننا في الدول الأخرى أعظم تكريم.
وأضافت: "مصر لديها فريق نسائي هو الأول عالميا في رفع الأثقال، ولكن للأسف لم يكن يشعر أحد بوجودنا، والحمد لله بعد الدورة البارالمبية الأخيرة بدأ الشعب المصري يتابعنا ويتابع إنجازاتنا بسبب اهتمام الإعلام في هذه الدورة".
ووجهت عمر الشكر إلى وزارة الرياضة والدكتور أشرف صبحي ومسؤولي اللجنة الأوليمبية وأولهم اللواء محمد صبيح، والدكتور حسام الدين مصطفى، والدكتورة حياة خطاب والكابتن عماد بهجت، والمحامي سامي بوصرصار، وكل زملائها في المنتخب اللذين وقفوا معها منذ بداية الأزمة، وشكرت أسرتها التي ساندتنها طوال مشوارها الرياضي، مؤكدة أنها لولاهم ما نجحت في تحقيق أي إنجاز رياضي، وجهت عمر رسالة إلى كل من ظلمها معبرة "أريد أن أقول لكل من ظلمني وأهمل في حقي حسبي الله ونعم الوكيل ".