نواكشوط ـ محمد أعبيدي شريف
أكد مسؤول العلاقات الخارجية لمنظمة "محاميين بلا حدود" فرع موريتانيا، المحامي الشاب بلال والديك، أن "موريتانيا تشهد اليوم حراكًا سياسيًا لا يستهان به، وأن السياسية ليست وظيفة وإنما هي ممارسة وواقع يفرض نفسه أحيانًا على المثقف والنخبة لأن الشأن العام ليس حكرًا على أحد، وأن حزب (الحراك الشبابي) فهو ليس وليد الصدفة، وإنما جاء نتيجة مجموعة من الثوابت التي انبثقت في ظل ربيع عربي فرض نفسه لكن بشكل فوضوي". التقى "العرب اليوم" عضو حزب "الحراك الشبابي"، المحامي بلال والديك، داخل مكتبه المطلع على شارع الجنرال ديكول وسط العاصمة نواكشوط، وكان له معه هذا الحوار الجرئ عن الواقع السياسي والقضائي والحقوقي ورؤيته للوضع الذي تعيشه موريتانيا. * كيف استطعتم المزج بين عملكم كمحامي وكناشط سياسي، وبخاصة بعد انتمائكم لحزب "الحراك الشبابي" الذي يراه البعض محسوبًا على نظام الرئيس الموريتاني ولد عبدالعزيز؟ - بالفعل موريتانيا اليوم تشهد حراكًا سياسيًا لا يستهان به وعلى الجميع الاهتمام به، لأن الواقع يهم كل الموريتانيين، يمكنني أن أؤكد أن المحامي يمكنه أن يضع على رأسه قبعتين المهنية والسياسية، كما أن السياسية ليست وظيفة وإنما هي ممارسة وواقع يفرض نفسه أحيانًا على المثقف والنخبة، لأن الشأن العام ليس حكرًا على أحد، وبخاصة إذا كنا في بلد نسعى إلى تجسيد قيم العدالة والديمقراطية والقيام بمشاريع مبنية على المساواة، أما المحاماة فهي وظيفة وصاحبها محلف يؤدي عمله بمهنية وصدق وأمانة، ويمكنني القول أنني أعمل بالمثل "لكل مكان مقال"، فإذا كانا ندافع عن قضايا سواء المتعلقين سياسيين أو حقوقيين، فإننا نعمل بالمهنية المطلوبة، لكنني أمارس العمل السياسي تحت قواعد اللعبة السياسية. أما بخصوص انخراطي في صفوف حزب "الحراك الشبابي" فهو ليس وليد الصدفة، وإنما جاء نتيجة مجموعة من الثوابت التي انبثقت في ظل ربيع عربي فرض نفسه لكن بشكل فوضوي، ونحن على يقين أن الشباب الموريتاني قادرًا على قيادة سفينة الإصلاح، لكن بطريقة منظمة وقانونية، لذلك سارعنا إلى الحصول على ترخيص يمكننا من التحرك بطريقة لا تخل بالأمن والمصلحة العمومية، ونحن نسعى إلى التجديد لأننا منذ فترة لم تشهد الساحة إلا تلك الأحزاب القديمة التي أفكار بعضها لم تعد صالحة لليوم، ونجدد دعوتها إلى تجديد الطبقة السياسية للبلد، لأنها أثبتت أنها لم تعد قادرة على مواكبة العصر، وأؤكد لكم أننا في الحراك الشبابي قريبين من الشعب الموريتاني قبل النظام، لكننا نتقاطع مع النظام في غالبية الرؤية، وبخاصة في الاهتمام للطبقات الهشة من الفقراء والمحرومين، ولا أخفيكم أن أجل الأنظمة التي تعاقبت على موريتانيا حملت شعارات الاهتمام بالمسحوقين من الشعب، لكنها لم تجسد ذلك على أرض الواقع مثل ما فعل نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، ونحن نعتبر النظام حليفًا لنا وهو ما جعلنا ننضم للغالبية الداعمة له. * ما هي الصعوبات التي واجهتكم في ملف الحقوقيين المعتقلين على خلفية حرق بعض الكتب الفقهية المالكية بصفتكم ضمن لفيف المحامين المدافعين عن الملف؟ - لا أجد صعوبة حين ابدأ بالدفاع عن قضية أمام العدالة لأني أدافع بقناعة، ولا أهتم بالجانب السياسي لأني محلف والتزم بقسمي، لكن كانت هناك بعض الصعوبات في ذلك الملف أو بالطريقة التي تم بها تسييره، لأنه أوشك أن يدرج في المساس بالأخلاقيات الدينية، وتم تجاوز تلك المرحلة لأننا تمكنا من فرض المبادئ التي يكرسها القانون الموريتاني في المادة (13) التي تقول إن المتهم برئ حتى تثبت إدانته وعليه أن يقدم للمحاكمة، كما أن القوانين الوضعية الموريتانية تضمن للمتهم محاكمة عادلة وتتاح له الفرصة للدفاع عن نفسه، ونحن في لفيف المحاميين كنا نخشي من اختطاف الملف إلى لأغراض غير قضائية، أما للتكييف الذي قدمه الشارع أو بعض الجهات نحن لسنا مسؤولين عنه، وكان تركيزنا أن يكون الملف قضائي بحت. * لماذا تم اصطدام حركة "إيرا" الحقوقية مع النظام، وهي تحمل مشعل أنها تدافع عن شريحة الحراطيين التي مورس عليها الرق؟ - أعتقد شخصيًا أن ما حصل أثناء حركة التصحيح (2005) التي أعقبت الانقلاب على الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبدالله، حيث تولى محمد ولد عبدالعزيز رئاسة الدولة والذي تم انتخابه بعدها بطريقة شرعية وشهد لها بالنزاهة، لكن حكومته لم تأخذ العديد من المعايير في التعيين بعين الإعتبار، لأن الحكومة التي تم تشكيلها مثلت بها مختلف الأطياف لكن (شريحة البيضان والزنوج) تم فيها التجديد من خلال تعيين وجوه شبابية جديدة وغير معروفة في المشهد السياسي، ومن هنا يمكن القول إن تلك الشرائح تم فيها التجديد، إلا أن شريحة الحراطيين لم يتم فيها التجديد لأن معظم العناصر التي تم تعييها هي نفسها التي عرفت في الساحة، وهي كبيرة في العمر وكانت معروفة مع الأنظمة السابقة، وما جعل حركة "إيرا" يحوم حولها الكثير من اللغط هو إنها شبابية وشكلت نواة لشباب من شريحة الحراطين ليست لديهم مشاركة في المشهد السياسي بل يعتبرون وجود جديدة والحراطيين بحاجة إلى ضخ دماء جديدة من نخبتهم ومثقفيهم من أجل التقدم والنهوض من واقعهم المتردي، والذي يمكننا أن نقول إنه تحسن في ظل عهد الرئيس الحالي ولد عبدالعزيز الذي قدم لهم أكثر مما قدمت الأنظمة السابقة التي حملت الشعارات فقط، ولم تجسدها على أرض الواقع، ويمكن القول إن السبب الفعلي لتحرك حركة "إيرا" هو حرمان شباب شريحة الحراطيين من التعيينات، كما اعتقد أن ولد عبدالعزيز ليس عدوًا لشريحة الحراطيين، ولا أي شريحة أخرى، لكن يمكننا القول إنه لم يقم بتجديد في الطبقة ربما بسبب عدم وجود توجهات أو معلومات حقيقة عن العديد من مثقفين وأطر من شريحة الحراطين التي كانت ولا تزال مهمشة ولابد من العمل على تغيير واقعها، لكن العدد القليل منها كان محظوظًا بسبب ولوجه في الأنظمة السابقة ولا يزال هو الذي على الواجهة، ونحن نعرف أن المعارضة الموريتانية في وقت ما أو مرحلة ما تبنت أو قربت أفكار تلك المنظمات، الأمر الذي جعلت حركة "إيرا" تدخل في تحالف مع المعارضة لكن الأخيرة تخلت عنها بعد محرقة الكتب. وأنا على يقين أن الرئيس الموريتاني ولد عبدالعزيز لا يوجد أي دافع يحيل من دون تعامله مع هذه الشريحة التي تمثل الكثير في المعادلة، لكنني كنت ولا تزال من دعاة الحوار حتى تتحقق جميع المطالب المشروعة لشريحة الحراطين، كنت ولا تزال من دعاة الحوار في موريتانيا، ولأن هناك مشاكل مع بعض الحركات الحقوقية وتم سجن بعضهم بعد اصطداهم بالقانون، لكن ذلك لا يمنع الدولة من الحوار مع تلك المنظمات مثل ما فعلت مع الحركات السلفية الجهادية التي تمت محاورتها في السحن خلال السنتين الماضيتين، حيث تم الإفراج عن البعض ودعم الأخر، ومن هنا كان على النظام من باب التوازن التفاوض مع تلك الحركات الحقوقية حتى لا تأخذ منعرجًا متطرفًا، لأن من شأن الحوار تجسيد قيم الوحدة الوطنية. * هل ترى أنه اليوم في الوقت الراهن يمكن تجسيد الوحدة وطنية في ظل الصراع السياسي بين المعارضة والموالاة والحركات الحقوقية؟ - لا يمكن تجسيد الوحدة الوطنية إلا إذا جلست مختلف الأطياف السياسية على طاولة المفاوضات، وعلى الجميع النأي بنفسه عن تلك الأفكار التي تصف مكونة الحراطيين بأنهم يسعون إلى الإنتقام من شريحة البيضان التي استرقتهم، وهذا ليس صحيح بل أنهم لا يسعون لأكثر من حقوق مشروعة وعلى الجميع تفهمها لإنهاء ذلك الصراع وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتلك العوائق الشعب الموريتاني قادر على تجاوزها بشر الجلوس للحوار بطريقة موضوعية. * ما هو أيكم بسير القضاء الموريتاني اليوم؟ - القضاء الموريتاني خلال السنة الماضية، وجد العديد من الأزمات، لأن الهئية الوطنية للمحامين في واد ووزارة العدل في واد آخر، كما استقل رئيس المحكمة العليا وتمت إقالة قاضي إضافة إلى مشاكل في السجون التي مات فيها سجين، وهذه حقائق واقعة لكن ذلك لا يجعلنا ننكر أن هناك إرادة سياسية جادة من نظام الرئيس ولد عبدالعزيز إلى إصلاح القضاء، مثل إقامة ورشات مهمة إلى إعادة النصوص القضائية بأسرها لمواكبة العصر، أما ما يتلق بإدارة المحاكم فإنني أقول لكم أن الوضعية التي يوجد فيها القضاء اليوم كان بعيدًا منها بسبب الظلم وعدم احترام الإجراءات، واليوم إدارة المحاكم إذا لم تكن جيدة يمكن القول إن هناك إرادة قوية لإدارة المحاكم من دون خرق المساطر، وهذا تجسد في ملف الحقوقيين الذي اعتقلوا على خلفية حرق بعض الكتب، حيث قدم الدفاع بدفوع شكلية وتم قبول الطعن وتم إبطال الإجراءات وتلك سابقة من نوعها في القضاء. * موريتانيا صادق على اتفاق "الاختفاء القسري"، واليوم في المشهد يؤكد نقيب المحامين أنه فعلاً يوجد اختفاء قسري مثل "السلفيين" الذي تم ترحيلهم من السجن إلى جهة مجهولة؟ - لابد من تطبيق تلك الاتفاقات التي تصادق عليها الدول، لكنني أرى أن ما حصل مع السلفيين ليس اختفاءًا، بل علينا النظر للأسباب لأنه ربما لأسباب أمنية، ونحن سمعنا قبل شهر أن أحدهم كان في المستشفى الوطني لتلقي العلاج، وهذا دليل على أنهم يتمتعون بجميع حقوقهم وفي مكان آمن. * ما رأيكم في الساحة السياسية عمومًا؟ - بعد إصابة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2012، وتمت وإحالته إلى فرنسا لتلقي العلاج، وقع ارتباك بين المعارضة الداعية للرحيل لأنها حاولة استغلال القضية وحاولت رفع صوتها بشكل غير طبيعى، وبدأت التحدث عن الفراغ الدستور وحاولت التصعيد إلى أبعد من ذلك بل ذهبت إلى أن يحصل انقلاب على الشرعية أو القيام بفوضى من خلال استغلالها الشائعات، استغلال الرئيس وعجزه وغيرها، ولا أنكر أنه لدى المعارضة الحق في التساؤل لكن ليس عليها طرح تلك المواضيع بصفة قطعية، لأن تلك القضايا لها آلياتها القانونية وهو ما يتجسد في الدستور في المادة (40) و(41) المتعلقة بالشغور، وبعد إصابة الرئيس لم تكن هناك مادة قانونية واضحة تبين من يحل مكان الرئيس، ورئيس مجلس الشيوخ يحل محل الرئيس في الحالات العادية، لكن الرئيس هنا ذهب إلى العلاج وهذا موقت، ومن حق الرئيس وحده تفويض صلاحياته أو بعضها لرئيس الوزراء، ولا يجور للمعارضة ولا الشعب البت في الشغور، لأن ذلك من صلاحيات الدستور ويبت في القضية بطلب من الرئيس أو رئيس البرلمان أو رئيس الحكومة وذلك لم يحصل أثناء إصابة الرئيس، والمعارضة طالبت بتحريك القضية ناسية أو متناسية أن ثلاثة من أعضاء المجلس الدستور تم تعيينهم أخيرًا ولم يؤدون اليمين أثناء إصابة الرئيس، وهذا يجعل المجلس الدستور في تلك الفترة مشلولاً والمعارضة تحدثت عن الشغور من دون النظر إلى واقع المجلس الدستور. جدير بالذكر أن المحامي بلال ولد الديك، عُرف من خلال مرافعاته في أكبر الملفات أمام القضاء الموريتاني، مثل ملف "فرسان التغيير" المتهمين بانقلاب عام 2003 على نظام ولد الطايع آنذلك، إضافة إلى محاكمات الزنوج والحقوقيين وبخاصة ملف الحركة الإنعتاقية التي يترأسها بيرام ورفاقه، الذين تم اعتقالهم أخيرًا على خلفية إحراق بعض الكتب الفقهية في نواكشوط.