دمشق - العرب اليوم
يستعدّ آلاف النازحين السوريين لتنظيم برنامج "العودة الكبيرة" وسط ضجيج إعلامي يرافقه حضور رسمي على الحدود من البلدين بغية توجيه رسالتين في اتجاه الداخل والخارج توحي بوجود آلية قابلة للتطبيق عشية مؤتمر "بروكسل 3"، فيما يراهن النازحون على نجاح خطتهم وتكرارها حتى عودة جميع النازحين السوريين إلى بلادهم.
وينصح خبراء، النازحين بالتمهل لحين انتقال وزارة النازحين من يد الى أخرى تناهضها في كل خطوة، لاستكشاف النهج الجديد الذي يمكن أن تعتمده، سواءٌ بقيت مستمرة بمفردها في إدارة هذا الملف وهذا أمر مستبعد، أو لجهة إحياء اللجنة الوزارية التي كانت تبحث في هذا الملف.
ويواجه الفريق "السوري -لبناني" النازح إلى سورية، معوقات ومصاعب تتمثل في أن الأكثرية غير المسيّسة منهم تهزأ من الجدل القائم في بيروت وتبادل الإتهامات حول إعادتهم الى بلادهم أو عدمه، في وقت يسخر آخرون من قول بعضهم إنّ بين اللبنانيين مَن يريد إبقاء السوريين في لبنان لاستخدامهم في مشاريع سياسية أو غير سياسية.
على هذه الخلفيات، يدعو المراقبون المتعاطون هذا الشأن إلى انتظار الجديد الذي يمكن أن تقود إليه الإستراتيجية الجديدة التي ينوي وزير النازحين وداعموه اعتمادها في الشكل الذي بوشر به من خلال زيارة دمشق، وما تركته من تردّدات هدّدت الحكومة الجديدة في أولى جلساتها.
وفي هذا الإطار يرى المعنيون صعوبةً في نجاح الوزير الجديد بمسعاه لإبعاد الملف من التجاذبات السياسية الداخلية لأنّ مطلبه ليس سهلاً. فليس في قدرته بمفرده أيّاً كان موقعه من قيادة هذا الملف المعقّد، وسيكون في إرادته او بغير إرادته عرضة لإنتقادات واسعة على خلفية وضع البعض الحوار مع سوريا خطوة بالغة الخطورة على طريق التطبيع مع النظام.
وأصحاب هذا الرأي المخالف يتسلّحون باستمرار الحصار العربي والدولي الذي ما زال مضروباً على النظام السوري، والذي جعله حتى الآن في موقع المبعد من الجامعة العربية ومؤسساتها في انتظار ما هو مطلوب منه على أكثر من مستوى.
وبالإضافة الى هذه المعطيات، ثمّة عوائق عدة تحول دون انتصار نظرية على أخرى في المدى القريب. فالجميع بمَن فيهم أهل السلطة يدركون انّ تمسّك النظام بآلية العودة التي يريدها لأيِّ عائلة سورية بعد التثبّت من ملكية اراضيها وفق المرسوم الرقم 10 وتعقيداته، الذي يفرض الموافقة الأمنية والمخابراتية قبل العقارية وعدم تعديل نظام التجنيد الإجباري، ستحول دون عودة مئات الألوف من النازحين الى بلدهم. وهو أمر حاول قبلهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم معالجته بما يتيح تزخيم برامج العودة من دون أن يحلّه تماماً.
والشروط القاسية التي تفرضها الإجراءات السورية لا تسمح للمسؤولين الجدد أن يحققوا أيَّ تقدم ملحوظ يعيد النازحين بكثافة تتعدّى ما أنجزه الأمن العام السنة المنصرمة والتي اوصلت عدد العائدين الى أكثر من 156 الفاً فقط من اصل مليون ونصف مليون نازح في لبنان. اضف الى ذلك أنّ ما أنجزته لجان العودة التي شكّلها «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» ومنظمات سورية ناشئة حديثاً ما زالت متواضعة جداً.
وامام هذا الكمّ من المصاعب، يلوح في الأفق سيناريو جديد يسعى اليه بعض أنصار النظام السوري وأصدقاؤه، ويقضي بتنظيم قافلة عودة ضخمة من النازحين قد تضمّ ما بين أربعة الى خمسة آلاف نازح يجرى تجميعهم من مناطق عدة على أن يُغطّى الحدث اعلامياً وسياسياً عند بوابة المصنع عندما سيواكبها الوزير اللبناني ونظيره السوري في محاولة لتقديم نموذج للبرنامج الجديد الذي، وإن نجح في ترتيب مثل هذه القافلة، فإنه لن يتمكن من ترتيب أخرى وهو أمر على المسؤولين الجدد احتسابه بدقة مخافة أن يصاب برنامجهم بعطب كبير قد يقال فيه إنه «مسرحية فاشلة».
قد يعتقد البعض، انّ في هذه الإشارات تهجّماً او محاولة إساءة الى مشاريع الفريق الجديد المُمسك بهذا الملف، فيما الحقيقة في مكان آخر. فبرامج العودة كما يريدونها لا يمكن أن تتحقق في ظلّ الشروط التي وضعها النظام السوري وما زال يتمسّك بها. وللدلالة على ذلك تكفي الإشارة الى انّ الجهود الروسية التي بُذلت حتى الآن لدفع النظام الى سحب المرسوم الرقم 10 من التداول باءت بالفشل.
علماً أنّ الأمر لم يقف عند هذه الحدود، فالمحاولات الروسية الجارية حتى اليوم لإقناع النظام بتشكيل اللجنة السورية المشترَكة لوضع الدستور الجديد الذي عملت له الأمم المتحدة، ما زالت تصطدم بالرفض السوري المدعوم إيرانيا وهو امر سيؤدي الى مزيد من التعقيدات التي تحول دون ولوج الحلّ السياسي في سوريا على حساب الخيارات العسكرية الأخرى التي ما زال البعض متمسّكاً بها.
وبالإستناد الى ما تقدم لا بدّ من أن يقتنع المسؤولون اللبنانيون عشية مؤتمر «بروكسل 3» الخاص بالنازحين أنّ الجدل القائم حول هذا الملف يحتاج الى مقاربة جديدة لن تنفع فيها سلسلة البهلوانيات السياسية التي يعتقد البعض أنه قادر على القيام بها.
فالدعوى التي قيل إنّ وزير الخارجية جبران باسيل رفعها ضد احدى مسؤولات الأمم المتحدة في بيروت بتهمة إعاقة خطوات إعادة النازحين ستشكّل محطة «تنقّز» المجتمع الدولي، فكيف إذا تجرّأ باسيل على رفع دعوى أخرى امام المحاكم الأوروبية في جنيف. وهي خطوات ستُدخل الملف في مآزق صعبة على الجميع احتساب نتائجها من الآن قبل بلوغ مراحلها الخطيرة المتقدمة.
قد يهمك أيضا ..
مأساة النازحين السوريين في "مخيم الركبان" الصحراوي تنتظر الفرج