العلكة العربي

أساطيل البحر تحرّكت من أقصى الشرق نحو الجزيرة العربية، بما يعرف بطرق الحرير البحرية، كما أن خطوط الإبل التي لا تنقطع تجوب الجزيرة العربية في 17 طريقا، يمخر عباب الصحراء، والقاسم المشترك بين السفن في البحر وسفينة الصحراء هو العلكة العربي أو البخور.

عرف العلكة العربي منذ عصور ما قبل الميلاد، واعتمدت عليه حضارات قديمة، كمملكة حضرموت ومملكة معين والثموديين والأنباط، كما أن البخور مطلب من مطالب الفراعنة وإمبراطورية الرومان والفرس، ويمثل العلكة أهمية دينية في استخداماته، بالإضافة إلى الطبية التي يعتمد عليها الطب القديم في كثير من الوصفات العلاجية والتي بعضها سارٍ حتى الوقت الحالي.

وكانت أنظار العالم تتجه نحو جبال ظفار، باعتبارها أهم مصدر من مصادر العلكة في الأرض، في شجرة لا تنبت إلا في مواقع معينة وتنسج حولها العديد من القصص والأساطير.

في كل الحضارات الموجودة داخل الجزيرة العربية، ومن خلال التنقيبات التي تكشف عن وجود المباخر المستخدم فيها العلكة العربي كجزء من طقوس الحضارات العربية، يشير الدكتور أحمد العبودي الأستاذ المشارك بقسم الآثار في جامعة الملك سعود، إلى أن المباخر ووجودها في كثير من الحفريات والتنقيبات، يدل على أهمية البخور ونشاط تجارته في الجزيرة العربية.

وبيّن العبودي أنه في كل جزء من أرض الجزيرة العربية، يتم الحصول على أشكال معينة من المباخر حسب التاريخ والعصر.

وأضاف: "المتاحف مليئة بهذه المباخر الحجرية والطينية والمعدنية، وجميع الأشكال والألوان، ولا تزال المباخر إحدى العادات العربية في البيوت والمنازل رغم تبديل البخور العربي بالخشب الهندي، فالحضارات في كل مكان، قد استخدمت المباخر كطقوس دينية أو علاجية، فلا تزال الكنائس تبخر بالعلكة العربي".

توقف طرق البخور
تردت التجارة وقوافل البخور مع توقف هذه الطرق لعدة أسباب، منها ما هو بيئي ومنها استخدام البحر في نقل البخور، وبالتالي توقفت الطرق البرية الصعبة، والتي قامت عليها العديد من الحضارات والممالك العربية.

وتردت الكثير من تلك الطرق قبيل ظهور الإسلام، وعاش العرب في مأزق اقتصادي كبير نتيجة هذا التوقف، إذ انتهت تماما قبيل ظهور الإسلام تلك الطرق.

ويوثق القرآن الكريم أحد هذه الطرق الشهيرة، وهو طريق الإيلاف الذي عملت عليه قريش، وكان سببا في ثراء قريش ومكة قبيل ظهور الإسلام وبعده، حيث كانت قريش تسلك طريق الإيلاف الذي يربط مكة بالشام، وهي رحلة الصيف ويربط مكة باليمن وهي رحلة الشتاء، كما ورد في الآية "لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف".

العلكة العربي
الأستاذ الدكتور أحمد بن سليمان الحراصي نائب الرئيس للدراسات العليا والبحث العلمي والعلاقات الخارجية في عُمان، مدير مركز أبحاث العلوم الطبيعية والطبية وأحد المهتمين بشجرة العلكة الأسطورية، أوضح لـ"العربية.نت" أن هناك 19 نوعا من العلكة، وتتوزع تلك الأنواع في اليمن ففيها 7 أنواع نادرة من أشجار العلكة، وفي سومطرة وفي جنوب عُمان في ظفار، وأنواع أخرى موزعة في إثيوبيا والسودان والصومال وجزيرة مدغشقر، وهناك نوعان في الهند.

وقال الحراصي إن "الاختلاف بين الأنواع، هو اختلاف جوهري في تركيب الأشجار والزيت وأحماض العلكة وشكل الورقة والثمرة".

وكشف الدكتور أحمد الحراصي، أن العلكة يحظى باهتمام عالمي منذ القدم، وفي الوقت الحالي هناك أبحاث في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية حول العلكة، وهناك مزيد من الأبحاث والتجارب على هذا المنتج طبيا.

وأكد الحراصي أن العلكة من أكثر مضادات الاكتئاب، ومضاد للربو والسعال، لاحتوائه على كرتوزون طبيعي، وينتج كبسولات منه تم تسجيلها كبراءة اختراع، وهناك المزيد من المنتجات الصيدلية والعطرية.

وبيّن الحراصي أن هناك مؤتمرا عالميا سيقام في شهر أكتوبر المقبل، وسيعرض العديد من التجارب العالمية في هذا الجانب، نظير اهتمام العديد من مراكز الأبحاث بشأن العلكة.​