الجزائر ـ الجزائر اليوم
عرسان ماتوا في ليلة زفافهما ومواليد لم يكتب لهم عمر جديد.. آباء وأطفال وعائلات أبيدت عن آخرها.. كان همهم الوحيد هو البحث عن الدفء في بيوتهم فوقعوا فرائس لقاتل لا يرحم اسمه غاز أحدي أكسيد الكربون، بعد أن أغلقوا الأبواب والمنافذ وسدّوا مخارج التهوية واستهانوا في صيانة أجهزة التدفئة لكن ليتهم كانوا يعلمون أنّ البرد لا يقتل ولكن الغاز يقتل.
رغم حملات التوعية والتحسيس التي تقودها مختلف الجهات الفاعلة إلا أنّ الغاز لا زال يقتل في الجزائر والأكثر من ذلك أن ضحاياه في ارتفاع مستمر، منهم من قضى نحبه ومنهم من زحزح عن الموت، وهو ما يتطلب تحليلا وتتبعا دقيقا لأهم الأسباب والسعي لإيجاد إستراتيجية وطنية فاعلة تتوحد فيها الجهود وتترجم في شكل قرارات إلزامية.
2019سنة كارثية من حيث عدد ضحايا اختناقات الغاز
يجمع المتتبعون والمختصون أنّ العام 2019 كان عاما قاسيا وقاتلا جدا للجزائريين، وتصدر المرتبة الأولى ضمن العشر سنوات الأخيرة، فالغاز لم يقتل في فصل الشتاء فحسب وإنما قتل صيفا وشتاء.
وفي هذا السياق أوضح ممثل المنظمة الوطنية لحماية المستهلك فادي تميم أنّ 2019 عرفت أكبر نسبة من الاختناقات بطريقة غريبة جدا خلال 10 سنوات الأخيرة.
وأفاد تميم أنّ المنظمة راسلت قبل أسبوع وزارة الصحة والحماية المدنية لإفادتها بأهم الإحصائيات والنتائج المتعلقة باختناقات غاز أحادي أكسيد الكربون.
وأضاف تميم أنّ الأسباب المؤدية للاختناقات بالغاز متعددة تصب أغلبها في خانة إهمال المستهلك لمقاييس السلامة والأمان لتركيب وصيانة ومتابعة المدافئ وسخّانات الحمام.
وفصّل تميم فادي “للأسف المواطن مع بداية الشتاء لا يجري عمليات الصيانة اللازمة ولا يعتمد على مرصّص محترف فيلجأ الى البريكولاج من خلال أشخاص لا يتقنون الحرفة جيدا تجنبا لبعض المصاريف الإضافية التي قد تؤدي بهم إلى الوفاة”.
أمّا السبب الثاني، فيتمثل في الاعتماد على بعض قطع الغيار غير الجيدة سواء ما تعلق بالصمامات أو في فتحات التهوية أو ربط القنوات.
ويأتي في المرتبة الثالثة إهمال صيانة فتحات التهوية للعمارات أو البنايات فبعض السكان يعيدون تهيئة بيوتهم بشكل تتضرر معه منافذ التهوية الفردية أو الجماعية، وأحيانا يتخلص هؤلاء من منافذ التهوية التي توجد عادة في أبواب المطابخ بحجة عدم نفاذ الصراصير أو الحشرات رغم كونها مهمة جدا لإخراج الدخان الموجود في البيت.
حملات تحسيسية تجوب مختلف الولايات
أطلقت المنظمة الوطنية لحماية المستهلك حملة تحسيس بتسربات الغاز وخطورتها في طبعتها الثالثة حملت شعار “شتاء دافئ دون مخاطر”.
وأوضح تميم في حديثه عن الحملة أنها كانت بالتعاون مع الحماية المدنية وسونلغاز والجمعية الوطنية للرصاصين الجزائريين قصد الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين وتوعيتهم، وتم التركيز في بداية العملية على الولايات الأكثر بردا والتي سجل بها أكثر حالات الاختناق.
واستطرد ممثل منظمة حماية المستهلك أنّ المساجد ساعدت في انتشار الوعي من خلال العمل الذي جمع المنظمة بها حيث لاقت الخطابات المسجدية تقبلا واسعا ومباشرا في أوساط رواد المساجد.
“البريكولاج” واقتناء المدافئ المستعملة يقتل عائلات بأكملها
أكد عبد الله لقرع رئيس الجمعية الوطنية للمرصّصين الجزائريين التي تشارك إلى جانب عديد القطاعات ذات الصلة في التحسيس بمخاطر الغاز، أن انعدام التهوية هو المتسبب الأول في إبادة عائلات بأكملها موضحا أن البرد لا يقتل ولكن الغاز يقتل وعليه يجب التفكير مليا قبل غلق وسد منافذ التهوية الدائمة وليست الظرفية أو المتغيرة، إمّا عمدا أو إهمالا.
وعدد المختص جملة من الأخطاء الفادحة التي يقع فيها الجزائريون خلال تركيبهم أو اقتنائهم أو استعمالهم لوسائل التدفئة وسخانات المياه، مستهلا حديثه باقتناء أجهزة رديئة أو مستعملة كما بات رائجا في الآونة الأخيرة بسبب الأزمة المالية لأغلب العائلات البسيطة والفقيرة، وذلك دون فحصها من قبل المرصّصين الخبراء.
وعادة ما يتم اللّجوء إلى بعض الهواة في الترصيص الذين يقومون بأعمال “البريكولاج”، حيث قال “الترصيص أصبح مهنة من لا مهنة له كلّ من هبّ ودبّ ويدخلها”.
وأكد لقرع حسب معايناته الميدانية لعديد المنازل عبر الولايات أن ما يقتل في الجزائر ليست المدافئ وإنما سخّانات الماء التي يسيء كثيرون استخدامها حيث يقتنون ما سعتها 5 لترات ويستعملونها لساعات طويلة في حمامات منعدمة التهوية غير أنها في حقيقة الأمر وتقنيا لا يجب أن يتعدى استعمالها 20 دقيقة كأقصى حد، لتجنب تسربات غاز أحادي أكسيد الكربون المنبعثة منها، داعيا إلى تعديلها أو اقتناء الكبيرة منا ذات 10 لتر.
وتحدّث المختص عن خطأ آخر يتعلق بتمرير أنابيب الغاز للمدافئ عبر المطبخ أو الحمام وهو ما يعرّض حياة الفرد للخطر جرّاء أي اهتراء أو ثقوب قد تلحق به، واستشهد المتحدث بحادثة وفاة طفلة داخل المرحاض بسبب أنبوب الزنك المهترئ.
وأكد لقرع عبد الله أنه يفترض الحصول على رخصة من “سونلغاز” كلما أحدثت تغييرات في التركيبات الغازية، أمر للأسف غير حاصل في الوقت الحاضر وتنجر عنه مخاطر كبرى.
وقال المختص إنه يشارك مع عدد من الرصاصين في حملات التوعية بالبيوت في مختلف الولايات وما تحدث عنه هو خلاصة لكل التجاوزات وحالات الإهمال التي وقف عليها مؤكدا استعداده للقيام بعمليات مراقبة ومعاينة مجانية في هذا السياق لتجنيب الجزائريين كوارث قاتلة، داعيا في ذات السياق إلى غرس ثقافة المراقبة قبل حلول كل موسم برد، فالعملية كما قال غير مكلفة ولا تتجاوز 2000 دج وهو مبلغ لا يساوي شيئا أمام المحافظة على نفس بشرية.
الغاز يقتل 123 منذ بداية العام 2019
من جهته أكّد ممثل المديرية العامة للحماية المدنية، في تصريح للشروق، وفاة 123 شخص بسبب الاختناق بغاز أحادي أكسيد الكربون وذلك منذ بداية السنة إلى غاية 16 نوفمبر الجاري عبر الوطن كامل ولايات.
وكشف المتحدث عن إطلاق الحماية المدنية لحملة تحسيسية بتاريخ 11 نوفمبر الجاري من ولاية المسيلة، حيث قدمت بالساحة العمومية شروحات ومطويات ونشريات للمواطنين عن مخاطر الغاز، كما شارك في الحملة شركاء الحماية في الميدان مثل سونلغاز وديوان الترقية والجمعية الوطنية للرصاصين، كما برمجت لقاءات وزيارات لبعض المؤسسات التعليمية لأهمية التحسيس لهذه الفئة.
وقال المصدر ذاته إنّ الجزائر باتت تحصي في السنوات الخمس الأخيرة ضحايا بالمئات حيث انتقل من 113 وفاة عام 2018 إلى 123 عام 2019 قبل انتهاء العام، وكما قال للأسف “الوفيات متقاربة وجميع الفئات معنية وسجلنا دفاتر عائلية زالت بأكملها حقيقة.. لا أحد في مأمن”.
وأضاف المتحدث “مأساة عائلية تحدث في صمت لا أحد يملك القوّة للإخطار أو التبليغ أو الصياح إنه الموت بطريقة هادئة”.
وأكّد في الأخير “لا يجب أن نفشل أو نتعب.. يجب أن نغرس ثقافة الوقاية من اختناقات الغاز”..
ومن أهم العلامات التي قد تدل على وجود تسربات للغاز في البيت، حسب المختص، هو الإحساس بصداع في الرأس وثقل في الحركة فغاز أحادي أكسيد الكربون لا لون ولا رائحة له”.
قد يهمك ايضا:
الناخبون يدلون بأصواتهم في الانتخابات الجزائرية عبر مكاتب تندوف المتنقلة
الجزائر تدخل الصمت الانتخابي وأكبر حزب إسلامي لا-يدعم أي مرشح