أسواق بغداد القديمة

سوق دانيال الشهير، حاله اليوم حال الامكنة البغدادية العريقة الذابلة، شيخ طاعن ، استحى فتوارى متأملا تاريخا حافلا عابقا بكل المسرّات الجميلة التي كان يصنعها فرح الناس وزينة الصادقين من اهل بغداد، يوم كانت المدينة موئل احلامهم ومجال استقرارهم وراحتهم.. سوق دانيال هو من الأسواق القديمة في بغداد، تاريخه طويل قارب العقود الستة شيده في أواسط اربعينيات القرن المنصرم، مناحيم دانيال الشخصية العراقية (البغدادية) اليهودية المعروفة والذي كان احد اعضاء مجلس النواب(الاعيان) في تلك الآونة.

وضع لبنته الاولى عزرا مناحيم دانيال(1874 - 1952 م) الذي ورث خان مرجان والسوق بعد أبيه, كان لنموّه وازدهاره كونه يقع في مركز بغداد الاجتماعي والتجاري، ومنذ تأسيسه بدأ يأخذ السوق منحى التخصص، حيث قسم إلى ثلاثة اقسام، الأول أقتصر على الاقمشة، والثاني، جزء منه، على الأقمشة، والباقي على بدلات الأعراس والسهرة ومواد التجميل ولوازم الخياطة وسمي من قبل العامة سوق العرائس، اذ ان اكثر عرائس بغداد زرن هذا السوق الجميل الزاهي

بالوان الفرح، أما الثالث فقد تخصّص ببيع السجاد، وأصبح منذ أنشائه السوق الرئيسي في بغداد، وعمل به أشهر تجار العاصمة.وكانت فترة الخمسينيات والستينيات ومنتصف السبعينيات بمثابة عصره الذهبي حيث شهد السوق حركة كبيرة وكان أغلب مرتاديه من السياح.

*سوق الخردة
تكوّن في  بدايته سوق "الخردة فروشية" وفي وسطه إلى اليمين منفذ إلى السوق يقابل باب خان المواصلة (المستنصرية) حيث يقطع نصفه ما يسمى سوق العباجية الذي تباع فيه العباءة والعقال والأرز والأبريسم والقز للنساء والذي يعرف أيضاً بسوق الشيخلية، وفي أول هذا السوق منفذ آخر على اليمين إلى سوق دانيال وعلى اليسار سوق آخر يدور بعد خطوات إلى اليمين بزاوية قائمة تاركاً باب جامع القبلانية في رأس الزاوية ويستمر فيوازي سوق هرج القديم وهذا يسمى سوق القبلانية وتباع فيه المفروشات بأنواعها من السجادات والمفروشات والحصران، وكلها تنتهي في سوق الكمرك الذي يتعامد معهم.

*مقهى الخفافين
ويقع في وسط السوق مقهى الخفافين وهو ما يزال قائما وكان يطلق عليه مقهى التجار وهو ملاصق لجامع الخفافين الذي يطل على نهر دجلة مجاورة لسوقدانيال، وفي مدخل السوق كانت هناك منارة للشيخ (علي بن محمد السمري) قوضت اركانها من قبل وزارة الأوقاف المنحلة في العام 1992 وتعتبر من المنائر الاثرية، كما تم تقويض جامع (القبلانية) الذي انشئت على ارضه محال كثيرة لتجار الستائر ولم يتبق منه سوى مكان بحجم غرفة صغيرة اتخذها اصحاب المحال مصلى لهم.

ويوضح الحاج نعمان الهيتي اقدم بائع في هذا السوق لـ"العرب اليوم ": كانت الابواب تفتح منذ الصباح الباكر اذ يقوم اصحاب المحال بترتيب محلاتهم استعدادا" لاستقبال الزبائن , ويتابع مستذكرا ، كنا نقضي جل اوقاتنا في السوق اكثر ما نقضيه في بيوتنا ، ثمة التصاق وجداني بعملنا والتحمّس له ، امتد عصره الذهبي من حقبة الاربعينيات حتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي ، ثم أخذ خطه البياني بالهبوط الاضطراري في زمني الحرب والحصار فضلا عن هجرة او رحيل اغلب اصحابه الى العالم الآخر وعزوف اغلب زبائنه عن التسوق منه وضياع تخصصه الاصلي الى بيع مواد ليس لها علاقة من قريب او بعيد بالاقمشة او المستلزمات التجميلية.

*القيم البغدادية وتقاليد المكان
كانت تقاليد هذا السوق  ورواده والعاملون فيه جزءا مكملا لتقاليد المجتمع البغدادي انذاك فالمجتمع البغدادي يعد من المجتمعات المتمدنة والمتقدمة في منطقة الشرق الاوسط ابان عقود الخمسينات والستينات والسبعينات.
وغالب زبائن سوق دانيال، هن من نساء المجتمع البغدادي وبيوتاته، متبضعات يأتين اليه سافرات ومحتشمات يرتدنه وحدانا وزرافات وهن سافرات وفي غاية الحشمة والوقار ويتمتعن بخلق عال ، كما ان بعضهن سافرات تحت العباءات العراقية السوداء المطرزة او المذهبة المعروفة قبل ان تطرأ عليها لمسات غريبة وطرز غير مألوفة  من ايران  خصوصا ومن الخليج ، يأتين بعباءته المطرزة بحواش محلاة بالدانتيل الاسود وهن بكامل زينتهن وحليهن ، معطرات ومتأنقات واغلبهن من بيوتات معروفة وموصوفة بالثقافة والتحضر والالتزام الاخلاقي والاجتماعي، يزرن السوق الشهير حيث يباع كل شيء الملابس والاقمشة الفاخرة، في استقامة واحدة .