الطفل عبد الرحمن

أظهرت الصور التي تناولها المواطن العراقي فتحي وأفراد عائلته، ابنه "عبد الرحمن" الذي لا يتجاوز عمره الـ14 عاماً، مع أطفال آخرين، رغم أن ملامحه لا توحي أبداً بأنه شارك في معارك، حيث قام تنظيم "داعش" بجرّه إلى ساحات القتال مع بداية سيطرته على الموصل، وعبد الرحمن من مواليد عام 2003، وبعد سيطرة مسلحي التنظيم على الموصل بفترة وجيزة انخرط في الحلقات الشرعية لـ "داعش" عبر مسجد الحي، ليصبح فيما بعد عنصراً في "أشبال الخلافة".

وأكّد والد عبد الرحمن، أنّه قصّر تجاه ابنه، مشيرًا إلى أنّه "في البداية كنت أوجه أبنائي بعدم الإصغاء لداعش، لكن التنظيم كان يفعل كل شيء لغسل أدمغة الأطفال وتضليلهم، وفيما بعد شعرت بتغير كل تصرفات عبد الرحمن حيث بدأ بمجادلتي، الأمر الذي لم أشهده من قبل"، وفي العديد من المقاطع الترويجية لداعش، كان التنظيم يظهر قوة ما سمي "أشبال الخلافة"، وهي عبارة عن مجموعة من الأطفال وهم يخوضون تدريبات قاسية، وأن أغلب هؤلاء الأطفال قتلوا خلال المعارك فيما اُستخدم البعض دروعاً بشرية.

واختفى عبدالرحمن ذو الـ14 عاماً، في 25 كانون الثاني 2017، وبعد البحث عنه من قبل والده تبيّن له أن ابنه شوهد للمرة الأخيرة مع مسلحين من "داعش"، وقال فتحي "ذهبت مباشرة إلى مقر "داعش" في المسجد، وتوسلت إليهم بإعادة ولدي إليّ، لكنهم نكروا وجود عبدالرحمن عندهم، متجاهلين كل مناشداتي"، وفيما بعد تبين لفتحي أنه في ذلك اليوم تم نقل 10 أطفال إلى مركز عسكري لداعش وأرسلوا بعد ذلك إلى ساحات القتال، متابعاً بعيون ملؤها الدموع: "كان ابني صغيراً جداً، ولم يكن قد استخدم السلاح سابقاً، بل كان يخاف من الظلام وكلما أراد الذهاب إلى دورة المياه ليلاً كان يصطحب معه أخاه الأصغر، لكن "داعش" خطفه مني وقام بغسل دماغه".

وبعد اختفاء ابنه عاود فتحي لثلاثة أيام متتالية مراجعة مقر "داعش" دون أن يحصل على أي أمل، لكنه التقى هناك عوائل أخرى تبحث أيضاً عن أطفالها، واقترح عليه أحد الأشخاص أن يراجع الحاسوب العام لداعش الذي يتضمن أسماء جميع مسلحي التنظيم، وتابع فتحي "المقر يقع في شارع الفاروق بالجانب الأيمن من الموصل، وهناك أعطانا مسلحو "داعش" قائمة تتضمن أسماء المسلحين لنبحث عن أطفالنا"، مشيراً إلى أن القائمة كانت تتضمن أسماء 73 طفلاً تتراوح مواليدهم بين أعوام 2001 و2002 و2003، بالقول "حينما رأيت تلك القائمة قلت في نفسي أيريد "داعش" الدفاع عن خلافته بهؤلاء الأطفال؟!".

وحينما قرأ فتحي اسم ابنه عبدالرحمن سأل عنه، فقيل له إنه اختفى بالجانب الأيسر من الموصل، وحينها أصيب فتحي بالإحباط التام، وفي تلك الأثناء قيل لأسرة أخرى كانت تبحث عن طفلها إنه مصاب ويتلقى العلاج في المستشفى، فقرر فتحي الذهاب إلى المستشفى أيضاً ليسأل الطفل الجريح عن مصير عبد الرحمن فأجابه أنه رآه وقد قُتل بأم عينيه، قبل أن يلقى الطفل المصاب حتفه هو الآخر بعد أيام.

ويقيم فتحي في مخيم السلامية قرب مدينة الموصل، وإلى جانب معاناة النزوح، عذابُ الضمير من تقصيره في حماية ابنه يقض مضجعه، ذاكراً أنه "حاولت كثيراً حماية أبنائي، لكن في النهاية قام داعش بخداعه، لقد اختطفه مني بالقوة في حين أنه لم يكن ليستطيع حمل السلاح أو خوض المعارك"، وعبدالرحمن لم يكن الطفل الوحيد الذي تحول إلى وقود للنار التي أشعلها داعش باسم الخلافة، حيث خسرت العديد من العوائل أطفالها بتأثير إيدلوجيا وأفكار التنظيم، ويؤكد مسؤولو مخيمات النازحين من الموصل، إن إعادة دمج الأطفال الذين لايزالون على قيد الحياة تتطلب سنوات طويلة.