توبي لوبيز في منزل والدته في وايومنغ

كان توبي لوبيز البالغ من العمر 42 عاما رجلا عاديًا يبيع سيارات "تويوتا"، ويعيش مع والدته في بيت مرتب مع شجرة من الكرز في باحته الامامية، وكان دائما فخورا بقدرته على التواصل مع العملاء، ولكن يبدو أنه لم يستطع أن يقنع أي أحد في المحكمة العليا على حد تعبيره.

وقاد توبي ذات يوم ابنه أخيه في مسابقة للجمال في سيارة "كورفيت" حمراء في العرض المحلي، ولكن صديقا له قتل في أفغانستان في الوقت الذي بدأ فيه "داعش" بقطع رؤوس الصحافيين الاميركيين، وكان يستمع الرجل برعب الى شبكة "سي ان ان" في يوم الأحد في خريف عام 2014، بأن "داعش" كان نشيطا على الانترنت، فذهب الى الانترنت لمعرفة بعض المعلومات.

وأوضح أنه " تساءل في البداية ما الذي يمكن لهم أن يقولوه على تويتر؟" وتبع ذلك تغير جذري في حياته، وسحب الى عالم الجهاديين المظلم على الانترنت، بدأ بسجال معهم من مكتبه في بيع السيارات، وحتى ساعة متأخرة من الليل في منزله، ولفترة طويلة كان يتحدث على سكايب مع رجل ادعى كذبا أنه قائد في "داعش" في محاولة للتفاوض على اطلاق سراح الرهائن.

واتصل لوبيز بالـ"أف بي آي" وبدأ بعلاقة متوترة مع وكلاء مكافحة الارهاب الذين اعتقدوا أنه يشكل خطر، وفي النهاية سجن في سجن فديرالي واحتجز لمدة ما يقرب من 14 شهرا بدون محاكمة، وتذكر قصة هذا الرجل بمدى توفر بوابات سهلة على الانترنت، وفي بعض الاحيان توفر عوالم خطيرة، وتشير الى تعقيدات موظفي انفاذ القانون الذي يواجهون بلا هوادة أي تعدٍ محتمل على أرضهم.

وتؤكد القصة أيضا كيف يمكن أن يشعر شخص ضائع داخل نظام العدالة الجنائية، فهو محروم من حريته، ومشكوك في سلامة عقله، ويجد نفسه بدون محامي موثوق به، أو الوصول الى دليل يعتقد أنه يمكن أن يطلق سراحه.

وتظهر مئات من رسائل البريد الالكتروني والرسائل النصية وسجلات المكالمات على "سكايب" أن لوبيز كان غاضبا، ولكن يبدو أن عملاء ال"اف بي آي" لا يرون الأشياء من وجهة نظره، وأرسل الى أحد العملاء 80 رسالة في 10 ايام بسبب اعتقاده أن حياة أحد الرهائن الاميركيين على المحك، وفي يوم واحد قال " فقط للتذكير فان كل ما سيحدث لك فأنت تستحقه." وأضاف كلمة بذيئة الى الرسالة، فإذا بعشرة من رجال الشرطة والـ "اف بي أي" يحاصرون منزله في 11 شباط/فبراير عام 2015 ويلقون القبض عليه ويوجهون له تهمة بتهديد الشرطة.

 

وانتقل منذ ذلك الوقت في مرافق فيدرالية في ولايات "بنسلفانيا" و"نيويورك" و"أوكلاهوما" و"نورث كاولاينا"، وبدون الوصول الى حكايته كاملة، افترض علماء النفس في السجن أنه كان يتحدث الى أعضاء في "داعش" في خياله فقط، وشخصوا اصابته بمرض عقلى جعله غير كفء للمثول للمحاكمة، وتقررت جلسة استمال للتقرير وجوب العلاج القسري له.

 

وحصل الدفاع أخيرا على تقييم الصحة الثالث، والذي أجرى يد طبيب نفسي استعرض ملفات لوبيز الكبيرة ووجد فيه الكفاءة وأطلق سراحه بكفالة في أواخر الشهر الماضي، وكتبت الطبيب النفسي من جامعة دركسل كيري هيلبروم في التقييم " بدون وجود الوئائق، كنت ثد خلصت الى أن روايته سلسلة كاملة من الأحداث الوهمية، ولكن بعض استعراض الوثائق تاكدت أن القصة غير وهمية."

وقال المدعي العام الاميركي عن ولاية "ديلادوير" يوم الجمعة أنه اتخذ قرارا نادرا جدا باسقاط التهم الموجهة الى لوبيز، وجاء فيها " نحن لم نتردد عندما رأينا الحقائق والقانون يدعم هذا القرار."

 

وتكسر صوت لوبيز الأسبوع الماضي في مقابلة وهو يتحدث عن محنته في السجن، وقال " لا أحد يستحق أن يحصل له ما حصل لي أو لعائلتي، انه أمر محزن عندما يتلقى الانسان هذه المعاملة الحكومية السيئة بالرغم من نواياه الحسنة."

واعترف أنه لم يكن يعرف شيئا عن تنظيم داعش قبل عام 2014، فهو رياضي ومحب للمرح، يحب الطعام الايطالي وكان يعمل فيه قبل أن يصبح بائع سيارات، وأدمن على المسكنات لفترة من الوقت ولكنه أقلع عن هذه العادة، وأوضحت زوجة أخيه ماري " نوبي رجل رائع وعادي."

وقال لوبيز في البداية أنه بدأن باهانة الناس الذين اثنوا على داعش على توتر، ثم قرر معرفة المزيد عن خصوما عبر وسال التواصل الاجتماعية، والتقط بعض المصطلحات الاسلامية على الانترنت، بدأ بالانخراط مع أنصار الجماعة، وحتى أنه كان يستشهد بالقران كي يناقشهم، ويشير أن الكثير من السموم تبث على الانترنت، فيما يعرف أحد أنه توبي الذي يبيع السيارات من ولاية ديلاوير.

 

واكتشف على "غوغل" أن رجلا ممن تحدث معه على توتر هو نفسه عمر الشيشاني وهو الاسم الحركي للقائد العسكري لداعش، وكان يتحدث معه بانتظام على سكايب، وفي بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر كان قد ترك وظيفته بعد أن وصف رئيسه في العمل أن حياته على الانترنت أصبحت مصدر الهاء له.

 

وحدثه الرجل الذي ادعى أنه قائد في "داعش" عن حكايات المعركة، وتذمر حول الزعماء العرب، ووصف لوبيز بالشقيق دائما، واعترف أنه لا يؤمن بأن الاسلام يتغاضى عن اتخاذ النساء والأطفال كعبيد، وسرعان من طالب من لوبيز أن يدفع فدية لإطلاق سراح مئات من أعضاء الطائفة الأيزيدية الرهائن في يد داعش.

وأظهر لوبيز في البداية أشرطة الفيديو الخاصة بالمجاهدين والرسائل النصية مع مؤيديهم لأقاربه عندما اجتمعوا لإحياء عيد الشكر في منزل أحد الأقرباء في عام 2014 في بالتيمور، وقالت قريبته " بعض الاشرطة التي أرانا اياها كانت تخيفنا وتستعصي على فهمنا."

 

وتواصل لوبيز مع الاف بي ايه وزاره اثنان من العملاء في بيته وأجريا مقابلة معه، وتواصل أيضا مع صحيفة النيويورك تايمز من خلال أخصائي العلاقات العامة التي وجده على الانترنت الان ريب، وزاره اثنان من الصحفيين في كانون الثاني/يناير في عام 2015، وقضيا عدة ساعات في مراجعة رسائل البريد الالكتروني والنصوص والتسجيلات الصوتية.

 

وخلص الصحفيان بعد التدقيق أن من تحدث معه لوبيز لم يكن هو نفسه عمر الشيشاني ذو اللحية الحمراء، ولكنه محتال ما، فالقائد في داعش لم يكن يتحدث الانكليزية بطلاقة، ولم تكن اللغة في خلفية الحديث شيشانية ولكن كانت كردية، وكان لحسابه على "تويتر" لهجة غريبة فقد شارك في احدى المرات صورة عن عائلة سيمبسون تصف داعش.

 

وأوضح الصحفي والباحث في المقاتلين الشيشانين الذين يقاتلون في سورية جوانا باراسزكزوك " انه بالتأكيد وهمي." تابعت ايضا أن نفس الرجل خدع محطة الاذاعة الاسترالية في مقابله لكنه بعدها اعترف أنه لم يكن قائدا في داعش وإنما أحد المهاجرين الأكراد في احدى الدول الاسكندينافية.

ويبدو ان دافع الرجل كان المال، فقد طلب من لوبيز دفع فدية للسويد من أجل أن تحال الى سورية، وعندما أخبر الصحفيين لوبيز بأنهم يعتقدون أنه لا يتحدث مع عمر الشيشاني، غضب منهم، ووفقا لبريد الكتروني مع عميل قديم لمكافحة الارهاب ومقرها في ويلمنجتون جيفري ريزنج كان رد الاف بي أي نفس الشيء.

 

وبدا من رسائل "ريزنغ" أنه يريد من لوبيز أن ينسحب من عالم الجهاديين على الانترنت، ولكن الاخير تواصل مع مدعٍ اخر على الانترنت يدعي أنه قائد في داعش أيضا في محاولة منه لاطلاق سراح رهائن أميركيين، وحاول لوبيز الاتصال بعائلات عدة من الرهائن، فقدمت فيه احدى العائلات شكوى للاف بي ايه.

 

وكتب الرجل العشرات من الرسائل الى الاف بي ايه مقتنعا بأنه يحاول انقاذ أرواح الرهائن، واقترح في بعضها أن يتحدث مع المدير أو حتى مع الرئيس الاميركي باراك أوباما، وركز على حالة عاملة المساعدات الاميركية البالغة من العمر 26 عاما كايلا مولر التي كانت معتقلة لدى داعش وتشير اتصالاته على الانترنت ان هناك احتمالا بإطلاق سراحها.

 

وظهر أن السيد ريزنغ بالرغم من شكوكه حول السيد لوبيز اعتقد بأنه يستطيع الحصول منه على معلومة مفيدة، فأرسل له مرة " هل يمكنك تقديم معلومات الاتصال بالشخص على الدردشة." في اشارة للشخص الذي كان يدعي أنه زعيم لداعش.

 

ورد عليه في منتصف الليل في نفس اليوم 4 شباط/فبراير 2015 بحماس " أريد ان اعيدها الى الوطن على قيد الحياة، أعرف أنني أستطيع أن أفعل ذلك، واريد أن أقف وأنظر في أعين الرئيس وأقول له نفس الشيء، وأي شيء اخر تفكر فيه سيكون خداعا لنفسه وإنكارا للحقيقة، تصبح على خير."

 

فرد عليه بالقول: " توبي، حاول حقا أن تحصل على بعض النوم." ولام لوبيز الاف بي ايه بعد أن أتت معلومات بعد يومين بأن مولر قتلت في غارة جوية واستشاط الرجل غضبا لعدم تعاونه معه، وأصبحت الرسائل مع الوكالة أكثر تحديا.

وكتب مرة أخرى لريزنغ " أي محاولة لاعتقالي سيتم التعامل معها على أنها عمل عدائي." وبحلول ذلك الوقت تلقى العملاء رسالة من شرطة ولاية ديلاوير أن والدة لوبيز السيدة جويس لوبيز أخبرتهم ان ابنها يعاني من حالة نفسية سيئة، وأنه اشترى بندقية، وأنها سألته اذا كانت البندقية مرخصة.

وكان لدى اف بي أي قبل 11 شباط/فبراير ما يكفي لكي تحاصر منزل الرجل وتعتقله، وقالت امه " حاصرت السيارات المكان، وكان توبي يقف في المنزل رافعا يديه، وكنت اتسائل أنا ما الخطب؟"

وفسرت السلطات رسائل الرجل على أنها تهديدات، وهي جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة خمس سنوات، وبين لوبيز لاحقا أن الحكومة تلاعبت بوسائل الاعلام، وسرعان ما سعى المدعون الاتحاديون لإجراء تقييم لصحته النفسية لإجراء المحاكمة.

وطلبت عائلة لوبيز من محاميه دانيل سيغيل أن يقدم سجلات اتصالاته على الانترنت في جلسة الاستماع الاولى للمحكمة في ويلمنغتون والتي تظهر نواياه الحسنة، وتجاه المحامي طلبهم قائلا لهم أن ابنهم مريض، وأشار لوبيز ان المحامي لم يزره ابدا في السنة التي قضاها في السجن.

وكشف التقييميون النفسيون الاولون ان لوبيز كان يعاني من اضطراب الوهم، وبعد سنة من السجن واستفسارات الصحفيين وشكاوى العائلة قرر المدافع العام الاتحادي في ولاية ديلاوير ايدسون بوستك تولي القضية وأخذ بسرعة الملفات من العائلة للحصول على تقييم ثالث.

 

وأعلن الطبيب النفسي كيريك هيلبورن في تقريره أن لوبيز لم يكن يتحدث مع الشيشاني الحقيقي الذي قتل الشهر الماضي ولكنه تحدث مع شخص تظاهر بأنه قائد في الدولى الاسلامية، وفي بيان يوم الجمعة وصف بوستك القضية بالمعقدة وأشاد بسجل المحامي الأول في تمثيل المدعى عليه ولكنه قال أنه سيتحقق من شكاوي العائلة، ولم يعلق المحامي على الأمر.

واسقطت كل التهم عن لوبيز الذي غاب عن اثنين من أعراس العائلة أثناء وجوده في السجن، ويسعى الى اعادة ربط علاقاته مع أصدقائه وعائلته بعد أن خرج، وصرحت أخته " حاول أخي أن يقوم بعمل ما، ولكن ما فعلوه في المقابل أن اختطفوه لمدة 14 يوم."

واستشار الرجل محاميا ودرس رفع دعوى قضائية ضد المسؤولين الحكوميين لسجنه، وأضاف " اذا لم أكن قد حصلت على تقييم أخر، كنت ما أزال جالسا في بوتنر مع ابرة في ذراعي ، كانت هذه أميركا تستعرض عضلاتها علي."