القدس - الجزائر اليوم
تلعب وسائل الإعلام الاجتماعي دورا هاما في المواجهة الدائرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إذ يحاول كل طرف منهما الاستفادة من أدواته الإلكترونية لإيصال صوته وحشد الدعم العالمي معه.
دبلوماسية رقمية
ولا تعتمد هذه المواجهة المباشرة في العالم الافتراضي على الوسوم والوسوم المضادة، فقط، بل باتت تتخذ أبعادا وأشكالا متنوعة.كمثال، يحرص مغردون من الجانبين على نشر رسوم كاريكاتورية وتمثيل مقاطع ساخرة على تطبيق "تيك توك لاستفزاز الخصم.ويلجأ البعض إلى القاموس الثقافي للجانب الآخر لينهل منه ما تيسر من نصوص دينية أو أغان يمكن أن تساعده في الدعاية والحرب النفسية ضد الطرف المقابل.
كما ينشر مغردون عرب صورا لأطفال قتلوا خلال الغارات الإسرائيلية على غزة. وعادة ما تجلب تلك الصور الكثير من التعاطف.في حين ينشر مغردون إسرائيليون فيديوهات توثق الحالة التي تنتاب السكان لدى دوي صفارات الإنذار معلنة عن سقوط صواريخ حماس.
رغم أن الأساليب الرقمية التي يستخدمها الطرفان تبدو متقاربة ومتشابهة إلا أن البعض يراها غير متكافئة ويتهم مواقع التواصل بالانحياز لطرف معين في الصراع.كما ينظر البعض الآخر إلى المنصات الرقمية بشيء من القلق بوصفها بمساحة "نشطة لضخ المواد المزيفة وتبادل الكراهية أو للتضيق على الآخر".
"تمييز رقمي أو مشاكل تقنية؟"
وفي الآونة الأخيرة، اشتكى نشطاء فلسطينيون وعرب من عمليات تقييد أو حجب حساباتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد مشاركتهم منشورات تدعم القضية الفلسطينية .لا يعد الحديث عن حملات لإخفاء المحتوى الرقمي الفلسطيني أمرا جديدا، إلا أن البعض أشار إلى "ارتفاع ملحوظ في مستوى تلك الحملات، خاصة بعد أحداث حي الشيخ جراح وما تبعها من تطورات".
وقد سجلت منصة "صدى سوشال" المعنية بالدفاع عن الحقوق الرقمية للفلسطينيين، "أكثر من مئتي انتهاك ضد محتوى فلسطيني" خلال الأسبوع الماضي .
ولم تطل عمليات الحظر الصفحات التابعة للحركات السياسية فحسب، بل امتدت إلى صفحات إخبارية وحسابات شخصية لصحافيين، بحسب ما ذكره نشطاء فلسطينيون.
ومن بين هؤلاء، الصحفية الفلسطينية مريم التي تفاجأت بإيقاف حسابها على تويتر عندما كانت تغطي أحداث حي الشيخ جراح قبل أن تتمكن من استرجاعه لاحقا.
ومنذ أسبوع، تداولت عدة وسائل إعلامية أنباء عن قيام موقع "انستغرام" بحظر وسم "الأقصى" .
مواقع التواصل توضح
وفي رده على تلك الشكاوي، أعلن موقع انستغرام التابع لشركة فيسبوك عن إلغاء إجراءات الحظر ضد الحسابات التي تم رصدها.
وأوضح متحدث باسم الشركة في بيان بأن "وسم #المسجد_الأقصى تعرض للمنع عن طريق الخطأ بسبب خلل تقني".
وبمضمون مشابه، رد مسؤول في موقع تويتر على شكاوى فلسطينيين ناشطين في الدفاع عن المحتوى الرقمي قائلا"يعتمد الموقع على العنصر البشري والتكنولوجيا لمراجعة المحتوى ولتعزيز قوانين تويتر. لكن في هذه الحالة، قامت أنظمتنا الآلية المبرمجة باتخاذ إجراءات بحق عدد من الحسابات عن طريق الخطأ".
وفي الوقت الذي يحتفي فيه مغردون فلسطينيون بنجاحهم في "إجبار منصات التواصل الاجتماعي على مراجعة سياساتها التمييزية"، لم يقتنع البعض الآخر بالتبريرات التي قدمتها الشركتان.
في حين لا يزال البعض الآخر يشكو من استمرار التضييق على محتوياتهم الرقمية. لكن ذلك لم يثنهم عن مواصلة النشر وإيجاد طرق بديلة كاعتماد ترتيب مختلف للكلمات لتجاوز خوارزميات مواقع التواصل .
عبر وسم #منصات_التواصل_ضد_الاقصى، طالب مغردون بضمان حق الفلسطينيين في التعبير عن رأيهم بكل حرية واتهم بعضهم وسائل التواصل بـ " الازدواجية والانحياز للموقف الإسرائيلي" وفق تعبيرهم.
إسرائيل تعلق
في المقابل، يتهم مغردون إسرائيليون شركات التواصل الاجتماعي بالتهاون في وقف المحتوى الذي يشجع على تنفيذ عمليات مسلحة ضدهم" حسب قولهم.
وفي مقال بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، ربطت المحامية الإسرائيلية نيتسان درشان، بين أحداث القدس الأخيرة وبين مقاطع الفيديو التي ينشرها شبان فلسطينيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة عبر تطبيق تيك توك" .
وطالبت المحامية بفرض رقابة على المحتوى الفلسطيني والعربي معتبرة إياه "مصدرا من مصادر التحريض على العنف".
وفي سياق متصل، نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية تفاصيل اللقاء الذي جمع وزير الدفاع والقائم بمهام وزير العدل بيني غانتس بمديرين من شركتي فيسبوك وتيك توك.وحث غانتس المديرين على ضرورة "اتخاذ إجراءات فورية لإزالة المحتوى الذي "قد يحرض على العنف أو يبث معلومات مضللة".
منشورات مزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي
وسط تصاعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، انتشر على مدار الأيام القليلة الماضية محتوى مضلل على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي يتناول موضوع هذا الصراع.
وفيما يلي بعض الأمثلة للمعلومات المضللة التي نشرها مؤيدو طرفي الصراع، والتي أثارت جدلا واسع النطاق على شبكات التواصل الاجتماعي.
ونشر المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، فيديو يزعم أنه يظهر إطلاق حماس صواريخ من مناطق "آهلة بالسكان.
وقال عوفير جندلمان في تلك التغريدة: "حوالي ثلث الصواريخ البالغ عددها 250 صاروخا سقطت داخل قطاع غزة وقتلت فلسطينيين".
لكن عملية التحقق التي قمنا بها أثبتت أن هذا الفيديو قديم وتم تصويره في سوريا، وليس في غزة.
وصور هذا الفيديو لإحدى العمليات التي قامت بها قوات الجيش السوري مستهدفة جماعات سورية معارضة في مدينة درعا عام 2018.
وصنف موقع تويتر هذه التغريدة بأنها "مادة إعلامية تحتوى على تلاعب"، مضيفا روابط للفيديو الأصلي من أجل تقصي الحقائق، ومؤكدا أن مقطع الفيديو صور أثناء الحرب في سوريا.وبعد التعرض لهذه الانتقادات، حذف عوفير الفيديو من على حسابه على تويتر.
تغريدات مزيفة "للقوات الإسرائيلية"
نشر بعض مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي تويتر لقطات مأخذوة من فيديوهات زعموا أنها من حساب الجيش الإسرائيلي على تويتر تحمل عبارة: "نحن نحب القتل، وقصفنا بعض الأطفال للتو".وثبت أن اللقطات مزيفة ويمكن إعدادها باستخدام أدوات مجانية متوافرة على الإنترنت.كما لم ينشر الجيش الإسرائيلي هذه المنشورات على حسابه الرسمي على تويتر أو عبر أي منصة أخرى.
وثبت أيضا أن اللقطات المضللة، التي تصور تغريدات منسوبة للجيش الإسرائيلي، مأخوذة من حساب يظهر دعما قويا للفلسطينيين وعداء لإسرائيل ويزعم أنه ينشر محتوى ساخر.ونشر بعض المستخدمين الإسرائيليين البارزين على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو زعموا أنه لفلسطينيين أثناء مراسم جنازة مزيفة يدعون أنها لفلسطيني قتل جراء غارة جوية إسرائيلية، وذلك بهدف كسب التعاطف العالمي.
ويظهر الفيديو، الذي نشره مستشار لوزارة الخارجية الإسرائيلية، مجموعة من الشباب يحملون على أكتافهم ما يبدو وكأنه جثمان مغطى بكفن.وبمجرد سماع هذه المجموعة صافرات الإنذار، يتركون الجثمان على الأرض ويلوذون بالفرار. وبعد أن ترك الجثمان، الذي يفترض أنه لشخص ميت، ينهض ويهرب هو الآخر.
وأثناء التحقق من هذا الفيديو، تبين أنه يرجع إلى مارس/ آذار 2020، ويرجح أنه لمجموعة من الشباب في الأردن كانوا يستهدفون التحايل على القيود الصارمة المفروضة من أجل الحد من تفشي فيروس كورونا في البلاد، وذلك من خلال ادعاء أنهم يشيعون جنازة.
ونُشر هذا الفيديو مئات المرات باستخدام وسم #Palywood، الذي يعني "هوليود الفلسطينية"، من قبل مستخدمين داعمين لإسرائيل على المنصات الرئيسية للتواصل الاجتماعي.
نشر مستخدمون موالون للجانب الفلسطيني فيديو زعموا أنه يظهر المسجد الأقصى في شرق القدس تشب فيه النيران، متهمين الجانب الإسرائيلي بأنه ترك "الأقصى يحترق".ومن خلال التحقيق من هذا المحتوى، ثبت أن الفيديو حقيقي. لكن بعد الحصول على المزيد من مقاطع الفيديو لنفس الحدث وصور من زوايا أخرى، ثبت أن شجرة بالقرب من المسجد الأقصى احترقت، لا المسجد نفسه.
ويقع مجمع المسجد الأقصى في منطقة المدينة القديمة بالقدس.
ويظهر هذا الفيديو حشدا كبيرا من الشباب اليهود وهم يغنون أغنية معادية للفلسطينيين خلف حائط البراق الذي يسميه اليهود حائط المبكى وسط ألسنة لهب تتصاعد عن بعد. وأصبح سبب الحريق الذي يظهر على مسافة من مجموعة الشباب محل جدل على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت الشرطة الإسرائيلية إن سبب الحريق كان ألعاب نارية استخدمها مصلون فلسطينيون، لكن للفلسطينيين يقولون إن أحد الضباط الإسرائيليين ألقى قنابل صوت.
وقالت وكالة أنباء رويترز إن الشجرة كانت على مسافة عشرة أمتار فقط من المسجد الأقصى، وإن النيران اشتعلت فيها لكن المسجد لم يتضرر منها على الإطلاق.
ونشر على نطاق واسع أيضا فيديو يُزعم أنه لحركة حماس أثناء نقل منصة إطلاق صواريخ متحركة في أحد شوارع غزة، وفي خلفية الفيديو صوت طفل يتكلم.
ونشر الفيديو على حساب أمريكي موال لإسرائيل زعم أنه "مرة أخرى نرى حماس تستخدم المدنيين كدروع بشرية لقتل اليهود وهم متأكدون أن إسرائيل لن تصعد حتى لا تعرض أبرياء للخطر".
لكن تبين بعد التحقق من الفيديو أنه صور في مدينة أبو سنان في منطقة الجليل في إسرائيل.
وقال إريك تولر، الباحث في التحقق في مواد المصدر، إن هذا الفيديو هو لنماذج صواريخ تستخدم في مناورات عسكرية إسرائيلية.
وحذف الفيديو من على الحساب الذي نشره مع اعتذار الحساب عن نشر "معلومات غير صحيحة".
مع تصاعد القتال بين إسرائيل والفلسطينيين على الأرض أصبح تيك توك منتدى للتنفيس عن التوترات.
وأصبح تطبيق الفيديو "تيك توك"، الذي كان معروفًا في المقام الأول بمقاطع الرقص الرائجة، منصة رئيسية لمشاركة الأخبار.
ويتمتع الموقع المملوك للصينيين بجمهور واسع، معظمهم من الشباب، مع ما يقدر بنحو 700 مليون مستخدم نشط شهريًا في جميع أنحاء العالم.
وانتشرت صور إطلاق الصواريخ فوق إسرائيل والدمار في غزة والاحتجاجات الفلسطينية على الموقع. وقد جلب الصراع إلى شاشات هواتف الناس في جميع أنحاء العالم.
وبدأت مقاطع الاحتجاج تظهر أيضًا على تيك توك، ونشر المستخدمون في جميع أنحاء العالم مقاطع فيديو تحت وسم #SaveSheikhJarrah، في إشارة إلى التهديد بإجلاء عائلات فلسطينية في القدس الشرقية.
ويرى كريس ستوكلي ووكر - مؤلف كتاب "طفرة وسائل التواصل الاجتماعي: السباق بين الصين وأمريكا والقوى العظمى للسيطرة عليها"- أن سهولة استخدام تيك توك وشعبيته الهائلة سمحت بالانتشار السريع لمحتواه.
ويقول ووكر لبي بي سي: "إن إنشاء فيديو من خلال التطبيق أمر بسيط للغاية، بحيث يمكن لأي شخص بدءا من سن 12 إلى 90 عامًا أن يقوم بذلك بنفسه، دون الحاجة إلى قدر كبير من الذكاء التقني".
ويضيف: "إنه أيضًا حجم الجمهور؛ فنحن نعلم أن التطبيق لديه ما يقرب من 732 مليون مستخدم نشط شهريًا في جميع أنحاء العالم. لذلك إذا كنت تنشر محتوى ما، فمن المحتمل أن يراه الكثير من الناس".
ويروّج مستخدمو تيك توك -جنبًا إلى جنب مع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى مثل فيسبوك، انستغرام، وتويتر- هاشتاغ #SaveSheikhJarrah إلى جانب لقطات من الاشتباكات مع قوات الأمن الإسرائيلية، فضلا عن الوضع على الأرض في غزة.
ونشر موقع Muslim الإخباري ومقره الولايات المتحدة مقطع فيديو تحت الهاشتاغ نفسه، وحصد 44 مليون مشاهدة عبر تيك توك، ويظهر فيه أشخاص يزعم أنهم يفرون من الضربات الإسرائيلية في غزة.
وحظي فيديو آخر لمستخدمة تعرف نفسها بـ صابرينا أبوخضير بأكثر من 1.5 مليون مشاهدة، ويظهر فيه أطفال فلسطينيون يبكون وتدمير مبنى شاهق في غزة.
وكتبت صابرينا: "أنتم يا شباب تعرفون ماذا عليكم أن تفعلوا"، وذلك لحث الناس على مشاركة الفيديو.
مؤيدو إسرائيل على الجانب المقابل نشروا أيضا على تيك توك. وحظي مقطع فيديو يُزعم أنه يظهر جنديًا إسرائيليًا، وهو يحمي امرأة فلسطينية من الحجارة التي ألقاها المتظاهرون الفلسطينيون، بأكثر من 1.5 مليون مشاهدة على التطبيق.
ويتمتع الجيش الإسرائيلي بوجود قوي على الإنترنت؛ فلديه 1.3 مليون متابع على تويتر وأكثر من 70 ألف متابع على تيك توك، حيث ينشر مقاطع فيديو لقواته أثناء القتال ومشاهد من داخل إسرائيل.
وحظي أحد مقاطع الفيديو بأكثر من 300 ألف مشاهدة على تيك توك، وهو يوجه سؤالا للمشاهد "ماذا ستفعل إذا كانت هذه مدينتك؟"يقول الدكتور غابرييل ويمان، من جامعةحيفا في إسرائيل، إن هناك معركة على "قلوب وعقول" مستخدمي الإنترنت - وحتى الآن "ليست حربًا متساوية".
قد يهمك ايضاً