الأطباء الجدد في أميركا معرضين للإنهاك الدائم

أثارت التعديلات الأخيرة الخاصة ببرنامج تدريب الأطباء الجدد في الولايات المتحدة الأميركية الكثير من التساؤلات بشأن جودة وسلامة رعاية المرضى، في الوقت الذي يبدأ فيه نحو 26 ألف طبيب جديد البرنامج، وهو ما يعني للكثيرين الفترة الأصعب في حياتهم المهنية؛ وسط حالة من الإنهاك الدائم والابتعاد عن الأسرة والأصدقاء والملذات الأخرى.

ولكن اللوائح والقوانين باتت أقل صرامة؛ بحيث بات لا يسمح للأطباء المتدربين بالعمل لورديات تمتد أكثر من 16 ساعة، إضافة إلى السماح لهم بأخذ قيلولة حال أن كان التدريب في المساء.

وللوهلة الأولى فإن هذه الإصلاحات لها معنى، حيث وجدت الدراسات أن الأطباء الذين لا ينامون خلال الليل ينالون درجات أقل في الاختبارات الخاصة بالمنطق البسيط وزمن الاستجابة والتركيز والاسترجاع، وفي الواقع فإن ليلة متواصلة دون نوم تعادل تقريبًا وجود مستوى الكحول في الدم بنسبة 0.10%.

وإذا كانت هناك إيجابيات لهذه اللوائح فإن لها سلبيات أيضًا بسبب تحديد ساعات العمل والذي يخلق أخطاءً نتيجة وجود فجوة في الاتصال فيما بين الأطباء، فإذا كان في مجال الطيران تحدث معظم الحوادث عند الإقلاع أو الهبوط، فإنه في مجال الطب أيضًا تحدث غالبية الأخطاء أثناء تبادل نوبات العمل.

وكشفت دراسة حديثة عن أن المتدربين من الأطباء الذين يعملون لساعات طويلة يرتكبون أخطاءً كثيرة مقارنة بهؤلاء ممن يعملون لساعات أقل، بينما يرى آخرون أن ساعات العمل المحددة تتسبب في تأخير الاختبارات.

وأوضحت دراسة حديثة في مجلة الجمعية الطبية الأميركية أنه لا يوجد دليل على أن التعديلات الأخيرة للوائح بإنقاص ساعات العمل من شأنها التأثير على جودة وسلامة رعاية المرضى؛ حيث تأثرت بشكل كبير من خلال عدد المرضى المسؤول عنهم الأطباء تحت التدريب ويرجع ذلك لأن العبء الملقى عليهم زاد في الأعوام الأخيرة، وقد تكون القيود الصارمة على ساعات العمل قد يؤدي إلى تفاقم مشاكل السلامة بسبب ضغط العمل في نوبات أقصر من حيث المدة.

ويذكر المؤرخ الطبي كينيث لودميرر Kenneth M. Ludmerer أن الشيء الوحيد الذي تغير في الآونة الأخيرة هو "طبيعة التشغيل"، فالأجيال السابقة كانت مثقلة بالأعمال اليدوية مثل سحب عينات الدم وإدراج خطوط الوريد ونقل المرضى وغيرها من الأعمال، ولكن في آخر عقدين تم استبدال هذه الأعمال بنوع آخر إلى جانب التوسع في الأعمال الإدارية.

ويجب على المتدربين تجربة مجموعة واسعة من الحالات الطبية قبل أن يصبحوا أطباء مستقلين أكفاء، كما ينبغي وضع حد لاستغلالهم، فضلاً عن ضرورة تعيين المستشفيات مزيد من مساعدي الأطباء لتخفيف العمل الروتيني من على كاهل الأطباء الشباب، إضافة إلى ضرورة إعطاء المتدربين المزيد من الفرص البحثية لتعزيز منحة دراسية حتى لا يقتصر التدريب بعد التخرج على مجرد تعليمات مهنية.