الرئيس الأميركي دونالد ترامب

شغلت التكهنات بشأن القانون الضريبي الجديد الأوساط الاقتصادية في العاصمة الأميركية، وانصب اهتمام الخبراء على أمرين، من يستفيد من القانون؟ وما هو تأثير القانون على أداء الاقتصاد الأميركي عموماً خلال العقد المقبل؟

ومن نافل القول أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر تغريداته وتصريحاته ومناصريه، شن حملة حاولوا فيها تصوير القانون وكأنه يهدف إلى تخفيف العبء الضريبي على متوسطي الدخل وأصحاب الدخل المحدود، كما وعد ترامب وفريقه الأميركيين بأن اقتصادهم سيحقق نمواً غير مسبوق، معتبرين أن أولى بوادر هذا النمو سبقت القانون، مع تحقيق الناتج المحلي للولايات المتحدة نمواً تجاوز ٣ في المائة خلال الربعين الثاني والثالث الماضيين.

ويشير ترامب إلى تراجع معدل البطالة إلى نحو 4 في المائة، وهو من المعدلات المنخفضة، كما يكرر أن أسواق المال حققت أكثر من 85 رقماً قياسياً منذ تسلمه السلطة مطلع عام 2016. لكن المشككين بأقوال ترامب، من المؤيدين الجمهوريين كما من المعارضين الديموقراطيين كثر، إذ يرى هؤلاء أن الخفض الضرائبي يفيد كبرى الشركات والمتمولين، على حساب أصحاب الأعمال الصغير والطبقة المتوسطة. وكانت النسخة الأولى من قانون خفض الضرائب أظهرت أنه يفيد الأثرياء، أي كل من يجني أكثر من ربع مليون دولار سنوياً، بنسبة 63 في المائة، فيما تستفيد بقية الأميركيين بنسبة 37 في المائة.

وتسببت هذه النسب بردة فعل شعبية، فعمد المشرعون في الكونغرس إلى إعادة صياغة القانون، ليظهر في المسودة الثانية، وهي التي تم إقرارها، أن الأثرياء سيستفيدون بنسبة 81 في المائة من القانون، بينما ستستفيد بقية الأميركيين بنسبة 14 في المائة فقط.

وهذه النسب تشي بأن قانون ترامب الضريبي سيزيد من حدة سوء توزيع الثروات في الولايات المتحدة الأميركية، التي تحل في المرتبة الأخيرة أصلاً بين دول "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" لناحية مساهمة الحكومة في توزيع الثروة، بنسبة 22 في المائة فقط، مقارنة بالمعدل العام للدول الأعضاء البالغ 37 في المائة.

وبموجب قانون ترامب، ستنخفض الضرائب على الشركات من 35 إلى 21 في المائة. ويعتبر الفريق الرئاسي أن من شأن هذا الخفض أن يعيد إلى البلاد 2.3 تريليون دولار من أموال الشركات الأميركية في مصارف حول العالم، تفادياً للضريبة الأميركية المرتفعة. ويشير الفريق الرئاسي إلى أيرلندا، التي ازدهرت مصارفها بسبب الضرائب المنخفضة على الشركات، ويعتقد الفريق أن قانون ترامب سيعيد أموال الشركات الأميركية المكدسة في الخارج إلى الولايات المتحدة الأميركية.

ولكن معارضي القانون يعتقدون أن "إيداع الأموال" في المصارف الأميركية لا يكفي لتحقيق زيادة في النمو الاقتصادي، والدليل هو أن هذه الأموال لا تساهم في النمو الاقتصادي الإيرلندي، بل تساهم فقط في ازدهار حفنة من كبرى المصارف الأيرلندية. ولتأكيد أن الشركات "ستفتح كيسها" لموظفيها في ظل إقرار القانون، قام البيت الأبيض وكبار الجمهوريين باتصالات مع كبرى الشركات الأميركية، مثل "إي تي أن تي" للهاتف و "كومكاست" لخدمات التلفزيون والإنترنت وغيرها، التي أعلنت منح مكافآت لموظفيها بمناسبة الأعياد بمعدل ألف دولار للموظف الواحد. ولكن هذه الخطوات هي من باب العلاقات العامة، ولا تكفي لتحسين وضع الطبقة الوسطى الأميركية، بحسب معظم الاقتصاديين والخبراء الأميركيين.

في الشق الثاني، لا يزال النقاش مشتعلاً حول تأثير خفض الضرائب على أداء الاقتصاد الأميركي. ويقول ترامب وفريقه إن القانون سيدفع الناتج المحلي إلى نمو بمعدل يفوق 3 في المائة خلال السنوات السبع المقبلة، لكن الغالبية الساحقة من الاقتصاديين الأميركيين تُجمع على أن الاقتصاد الأميركي سيرتفع عن معدل نموه المتوقع وهو 2 في المائة، بنسبة تراوح بين 0.6 و1.6 في المائة بحلول عام 2040، وكلفة هذه الزيادة الضئيلة في النمو على الخزانة ستراوح بين 2.2 و3.5 تريليون دولار، بحسب دراسة أعدتها كلية "وارتون" في "جامعة بنسلفانيا".

ورفع الدين قليلاً عبر الاستدانة، لا تبدو فكرة صائبة لغالبية الاقتصاديين، وحتى للمواطنين الأميركيين العاديين، إذ تظهر الدراسات أن بين اقتصادات العالم الكبرى، تواجه الولايات المتحدة أعلى نسبة مديونية بين عامي 2016 و2022، بحسب صندوق النقد الدولي، الذي يرجح أن يصل الدين العام إلى ما نسبته 117 في المائة من الناتج المحلي عام 2022، يترافق ذلك مع ارتفاع في خدمة الدين 1.2 في المائة إلى 2.3 في المائة من الناتج المحلي، وهي من النسب الأعلى في العالم.

أما الدولة الثانية التي ستشهد ارتفاعاً كبيراً في دينها العام خلال الفترة ذاتها فهي الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إذ توقع الصندوق أن يبلغ دينها 56 في المائة من الناتج المحلي عام 2022. ومع تخوف من تفاقم مشكلة عدم توزيع الثروات على نحو جيد في البلاد، ومع تشكيك في نسب النمو الذي سيحققه قانون ترامب الضريبي، ومع تخوف من ارتفاع المديونية الأميركية لتصبح الأعلى في العالم، استقبلت غالبية الخبراء الأميركيين، من الحزبَين، قانون ترامب بكثير من الحذر. وحدهم السياسيون المؤيدون لترامب حاولوا تقديم صورة وردية للقانون ومفاعيله، ولكنها محاولات سياسية، ويُرجح أن تبقى في حيزها السياسي مع تأثير طفيف في الشق الاقتصادي.