برلين - العرب اليوم
ي الوقت الذي كان فيه الدوري الألماني لكرة القدم يشهد كرنفالاً تهديفياً وأجواء من الفرح والاحتفالات في العديد من الملاعب، كانت مدينة هامبورغ تبكي فريقها التاريخي والعريق في البطولة بعد خسارته الكارثية أمام بايرن ميونيخ (0-8)، إذ دقّت ناقوس الخطر لأحد أشهر فرق «البوندسليغا».
مرة جديد يُظهر الدوري الألماني لكرة القدم قوته، مرة جديدة يثبت الدوري الألماني مدى التطور الذي وصل إليه، مرة جديدة يؤكد الدوري الألماني أنه، من حيث الحماسة والتشويق والتهديف، فضلاً عن الحضور الجماهيري، بات في مرتبة تضعه مباشرة خلف الدوري الإنكليزي، مع انحسار المنافسة في إسبانيا بين الثلاثي ريال مدريد وجاره أتلتيكو وبرشلونة.
في تلك الأمسية، لمس المتابعون هذه الحقائق من خلال مباريات مشوّقة وصلت فيها الحماسة إلى ذروتها، وقدّم فيها الألمان ما يسرّ الأنظار من كرة جميلة يتوق كل متابع لرؤيتها، بغضّ النظر عمّا إن كان من العاشقين للبطولة الألمانية أم لا، هل يمكن تصديق أن مرحلة في البطولات الأوروبية يُسجَّل في 8 مباريات فيها (مباراة يوم الجمعة و7 يوم السبت) 33 هدفاً بمعدل 4.1 أهداف في كل مباراة؟ في ألمانيا حدث ذلك، وأكثر. هذه الأكثر تخبرنا عنها مثلاً مباراة باير ليفركوزن وضيفه فولسبورغ، عندما تقدم الثاني خارج ملعبه (3-0) قبل أن يعادل الأول في ظرف 10 دقائق (3-3)، ومن ثم يعود الضيف ليتقدم (4-3) فيعادله بعدها المضيف، ليعود فولسبورغ ويفوز في الثواني الأخيرة (5-4).
هذه الأكثر تخبرنا عنها مباراة بوروسيا دورتموند وضيفه ماينتس التي كانت سجالاً بين الفريقين، حتى فاز الأول (4-2)، إذ شهدت هدفاً رائعاً لماينتس عبر الكولومبي إلكين سوتو في الدقيقة الأولى من تسديدة نصف مقصية من خارج منطقة الجزاء، ارتفعت فوق كل دفاع دورتموند وعلت معها أنظار كل الموجودين في ملعب «سيغنال إيدونا بارك» لتسقط بعدها في الشباك. أما الأجمل، فكانت تمريرة الهدف الثالث الذي سجله الغابوني بيار إيميريك أوباميانغ، التمريرة التي صنعها المتألق ماركو رويس بكرة لا يمكن وصف مدى روعتها.
إذاً، ألمانيا عاشت كرنفالاً جميلاً وفرحاً على امتداد ملاعبها في عطلة الأسبوع، لكن وحدها كانت مدينة هامبورغ تبكي، تبكي حسرة على مجدها الغابر وأيامها الخوالي وعلى فريق خرج من المدينة في حقبة من الزمن ليحكم ألمانيا ويهز عروش فرق أوروبا الكبرى، كيف لم تبك هامبورغ يوم السبت عندما عاد إليها فريقها بهزيمة بثمانية أهداف أمام الغريم في السبعينات والثمانينات بايرن ميونيخ في ملعب «أليانز أرينا»؟
بطبيعة الحال، كانت نتيجة هذه المباراة مفاجئة وصادمة، كثيرون توقفوا عند الفوز البافاري الكاسح والقوة التي استعادها الفريق بعد فترة من التذبذب، لكن نسي هؤلاء الأهم، وهو أن هامبورغ العريق من تعرض لهذه الخسارة، فأن تقول هامبورغ يعني ذلك جزءاً من تاريخ كرة ألمانيا وحيّزاً مهماً من ذاكرتها الجميلة في السبعينات والثمانينات، الفريق الذي أحرز لقب «البوندسليغا» 6 مرات بينها 3 أعوام 1979 و1982 و1983، وحل وصيفاً 9 مرات، وأحرز لقب مسابقة الأندية الأوروبية البطلة (دوري أبطال أوروبا حالياً) عام 1983، وكأس الكؤوس الأوروبية عام 1977. الفريق الذي ارتدى قميصه عمالقة الكرة الألمانية من فرانتس بكنباور إلى فيليكس ماغات وأوفي زيلير وهورست هروبيش وفولفغانغ رولف وتوماس فون هايزن ومانفريد كالتز، مروراً بالإنكليزي كيفن كيغان والسويدي مارتن دالين، وليس انتهاءً بالغاني أنطوني يبواه والإيراني مهدي مهدافيكيا والبرازيلي زي روبرتو والبوسني حسن صالحمدزيتش والبلجيكي فينسان كومباني، وحالياً قائد الفريق الهولندي رافايل فان در فارت. أن يخسر هامبورغ بثمانية أهداف، ليس بالأمر العابر على الكرة الألمانية، ولا على من عاصروها في تلك الحقبة الذهبية.
بالتأكيد، إن هامبورغ يعاني من أزمة كبيرة مالية وإدارية وفنية تتجلى ببيع النجوم في السنوات الأخيرة وعدم القدرة على تعويضهم وبتغيير المدربين، إذ إن 18 مدرباً مرّوا على الفريق منذ عام 2001 حتى الآن، بينهم 3 في الموسم الماضي، كان من ضمنهم مدرب هولندا في مونديال جنوب أفريقيا، بيرت فان مارفيك، الذي لم يتردد في القول بعد إقالته: «لقد أخطأت كثيراً عند موافقتي على تدريب هامبورغ. الأجواء غير صالحة لكرة القدم هناك»، في إشارة إلى إدارة الفريق، بينمـــا يشرف على هامبورغ حالياً مدرب مغمــور هو جوزف زينباور.
ما هو واضح أن هامبورغ في أزمة عميقة، اتسعت بعد الكارثة أمام بايرن ميونيخ، وأن الفريق في خطر حقيقي هذه المرة، إذ يقع على شفير دائرة الهبوط الذي نجا منه بمباراة فاصلة في قبل أسبوعين، علماً بأنه الوحيد الذي لم يسقط إلى الدرجة الثانية منذ انطلاق «البوندسليغا». وما هو واضح أيضاً، أنه على رغم قلّة الحيلة، على لاعبي هامبورغ، وفي مقدمهم أصحاب الخبرة مثل فان در فارت وهايكو فسترمان ومارسيل يانسن أن يكونوا على قدر القميص الذي يرتدونه وينتشلوا فريقهم من واقعه الحالي، وإلا فإن المصيبة ستكون كبيرة، كبيرة جداً.