رئيس جبهة "العدالة والتنمية" الجزائرية عبد الله جاب الله

انتقد رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، تشكيلة اللجنة التي كلفها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بصياغة مسودة الدستور الجديد، لكونها تنتمي إلى تيار لا يمثل الشرائح الواسعة من الجزائريين، على حد تعبيره، مشيرًا إلى أن هذه اللجنة يسيطر عليها التيار التغريبي، فيما غاب عنها الخبراء المحسوبون على التيارين الوطني والإسلامي.

ولم يتجاوب جاب الله مع ما يروج عن تنظيم انتخابات تشريعية مسبقة قبل نهاية العام الحالي، وقال إن الأهم بالنسبة إليه هو النجاح في صياغة دستور دائم غير مفصل على هوى الحاكم. معرجًا على مناقب "الحراك الشعبي" بقوله إن أبرز ما حققه حتى الآن هو تفعيل أدوات العقاب ضد بعض المتهمين بالفساد المالي والسياسي، غير أنه تحدث بالمقابل عن الفشل في تحقيق الكثير من المطالب التي رفعها "الحراكيون"، ويأتي على رأس كل تلك المطالب، إقامة نظام ديمقراطي، كما يحلم به الشعب الجزائري منذ عقود.

عاد مؤسس حركة النهضة، عبد الله جاب الله، إلى المتاعب التي عاشها مع السلطة منذ تأسيس أول حزب له، مؤكدا بأن عدم انصياعه لرغبات السلطة من أجل السير في خياراتها، جلب له الكثير من المشاكل، وهو الأمر الذي كان يتوقعه منذ البداية كما قال.

وقال جاب الله  في تصريحات صحافية: "حاولوا ترويضي في البداية، وعرضوا علي ربما ما لم يعرضوه على غيري، ولما يئسوا من ذلك عمدوا إلى تحطيمي"، مضيفًل "آخر محاولة من هذا القبيل كانت في عهد الرئيس الأسبق اليامين زروال في عام 1996، وقادها المستشار السابق برئاسة الجمهورية، الجنرال المتقاعد محمد بتشين".

وتابع جاب الله: "عندما فشلوا في ترويضي قرروا تحطيمي، وللأسف وجدوا النفوس القابلة للترويض فحصل ما حصل.. ووقف وراء تحطيمي كل من الجنرال المتقاعد محمد بتشين والجنرال المسجون محمد مدين المدعو توفيق وبشكل أكبر الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي وظف كل أدواته بما فيها وزير الداخلية الأسبق نور الدين يزيد زرهوني، الذي أكد لي بعظمة لسانه ذلك".

واستطرد "طلبت لقاء مع زرهوني ووافق، فذهبت إليه ومعي القانون الأساسي والنظام الداخلي للحزب، وقانون الأحزاب، وقرارات مجلس الشورى ومحاضر المحضر القضائي، وسألت زرهوني: ما هي القواعد التي تحكم العلاقة بينكم وبين الأحزاب فسكت. قلت له أليس القانون الأساسي والنظام الداخلي وقانون الأحزاب، قال لي: نعم. قلت له هذه أمامك".

ثم سألته: "ما هو الأساس القانوني الذي بمقتضاه منحتم الترخيص بعقد المؤتمر لهذه المجموعة المفصولة؟ وها هو الحكم القضائي؟ في الحقيقة اعترف، وقال لي: نحن في البداية أردنا منع حركة الإصلاح من المشاركة في الانتخابات، وبعد ذلك قلنا إنها حزب كبير ولا بد من أن تشارك. لكن تساءلنا كيف تشارك؟ (الكلام لزرهوني) فقلنا جاب الله يمكنه المشاركة في الانتخابات بقوائم حرة، والمجموعة الأخرى غير قادرة فارتأينا إعطاءهم الترخيص لعقد المؤتمر كي يتمكنوا من المشاركة في الانتخابات". يقول جاب الله: "قالها بهذه البساطة، ولما ناقشته وقلت له بأن هذا الكلام لا قيمة له، اعترف، ولكن هذا موقفنا والرصاصة خرجت ولن تعود. عندها قلت له سنلجأ إلى الله لينتقم لنا منكم".

التشريعيات المسبقة شكلية مقارنة بالدستور

لم يتجاوب رئيس جبهة العدالة والتنمية كثيرا مع ما قيل ويقال عن حل المجالس الوطنية والمحلية والدعوة إلى انتخابات تشريعية محلية مسبقة، وهو التوجه الذي تحدثت عنه الكثير من المصادر، على أنه يمكن تنظيمها قبل انقضاء السنة الجارية.

ورد جاب الله على سؤال إن كان قد ناقش هذا المقترح في اللقاء الذي جمعه برئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، فنفى أن يكون قد ناقش معه هذه الفكرة التي وصفها بـ”الشكلية”، وشدد جاب الله على أن ما تم التركيز عليه في اللقاء هو كيفية الوصول إلى دستور دائم، يضمن للجزائريين حقوقهم السياسية.

مواصفات الدستور المقبل

وصف رئيس جبهة العدالة والتنمية، اللجنة المكلفة بتحضير مسودة التعديل الدستوري المرتقب جوان المقبل، بـ"غير المتوازنة"، لكونها من تيار واحد، رافضا اعتبارها "تقنية"، لأن الدستور وثيقة سياسية مرجعية بالدرجة الأولى، معتبرا إياها “كلاما فارغا” في الوقت الذي يعتبر الدستور خيار سياسي لنظام الحكم، مستبعدا في الوقت نفسه أن يحمل التعديل، تغييرا جذريا في النظام السياسي، الذي يُطالب به حراك 22 فبراير/ شباط الذي يدخل ذكراه السنوية الأولى.

وقال جاب الله، معلقا على اللجنة التي كلفها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، لتعديل الدستور: "إن المحاور التي تم ضبطها لصياغة مسودة الدستور غير كافية، وبابها الأول معيب وفيه عديد النقائص”، معرجا نحو باب الحريات التي قال عنها ان “بعضها يتدارك وبعضها الآخر يضبط، وهو جوهر الديمقراطية” يقول رئيس جبهة العدالة والتنمية، مضيفا ان “من عيوب المحاور ذاتها تغييب الضمانات المؤدية للحريات علاوة على ان نظام الحكم المتبني غائب".

وبخصوص أعضاء لجنة التحضير لمحاور التعديل الدستوري، تحدث جاب الله، عن غياب التيارين الإسلامي والوطني العروبي، في الوقت الذي تم فيه اختيار أسماء علمانيين وفرنكوفونيين غير بارزة في الساحة السياسية، وهذا ما قد يؤثر، حسبه، على عملية الصياغة النهائية لمسودة الدستور، بتغييب أطراف سياسية ووطنية فاعلة “قصدا أو تجاهلا”، من طرف الوصاية.

وأكد جاب الله في ذات السياق على ضرورة مشاركة لجنة من الخبراء بين السياسيين والأكاديميين الممارسين، العارفين للثغرات القانونية في الدساتير الماضية قصد التعديل بمفهومه الكامل دون أي نقصان.

وبحكم اعتبار جاب الله من الشخصيات السياسية التي شاركت في كتابة الدستور، أنتقد هذا الأخير مجمل الدساتير المعدلة في البلاد، خصوصا في حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي أخضعه لمراجعتين عامي 2008 و2016، مؤكدا أن التعديلات وقتها أهانت كل الصلاحيات واختزلت السلطات المعروفة بما فيها القضائية والتشريعية، بالإضافة إلى الإعلام، وأنها لم تحدد طبيعة الحكم القائم، معربا بالقول أن التجربة مع قيادات النظام السابق جعلته يتريث في الحكم إلا بعد رؤية ما يُقدم من طرف لجنة التحضير لمحاور التعديل الدستوري المرتقب.

وبخصوص ما يجب أن يكون في الدستور المرتقب شهر جوان المقبل، قال رئيس جبهة العدالة والتنمية، يجب أن يكون دستورا شرعيا، وشعبيا وليس دستور الحاكم، بالاعتراف بمصدر السلطة، ووضع آليات إعمال هذه السلطة، عن طريق نظام تمثيلي حقيقي يقوم على انتخابات نزيهة وشفافة، وأن تكون هندسته مبنية على الفصل بين السلطات، ذلك أنه في حالة تمركز الحكم في يد سلطة واحدة، كما هو الحال الراهن، حيث تهيمن سلطة رئيس الجمهورية على باقي السلطات، في هذه الحالة يُكيّف نظام الحكم بأنّه نظام غير ديمقراطي، بل حكم فردي يوصف بـ”رئاسوي مغلق”، مشددا امتثاله للمواطنة التي تقر بالحقوق والحريات العامة.

أما فيما يخص منطلقات ومضامين الإصلاح الدستوري، يرى جاب الله بضرورة القطيعة مع دساتير بوتفليقة السابقة، التي خيطت – حسبه – على المقاس، حيث أنه لم يتم استشارة الشعب فيها، أيّ أنها تعديلات تفتقد إلى الشرعية الدستورية، مقترحا التنصيص على تجريم خرق الدستور، بوضع مواد قانونية جديدة وتكريس مبدأ الانتخاب بدل التعيين في جميع المؤسسات الدستورية، رقابية كانت أم استشارية.

سجن رموز النظام السابق

أكد رئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله أن مكافحة الفساد المالي والسياسي في الجزائر تستدعي تعديلا جذريا وشاملا في المنظومة التشريعية والتي قال عنها إنها: “غير صالحة لرعاية عادلة ومتوازنة”.

ووصف جاب الله المنظومة القانونية في الجزائر بـ”غير الصالحة” لأن الدستور الذي يعتبر قاعدة لها هو نفسه “مريض ومعلول”، وتساءل في ذات السياق: “كيف يمكن للقاضي أن يؤدي دوره وهو نفسه يفتقر إلى العدالة وحتى معايير انتقائه واختياره غير واضحة ولا أساس لها في كثير من الأحيان”، وذهب المتحدث على حد القول إلى إن هناك :”فسادا في القضاء في ظل غياب الرقابة والتحري المطلوبين على جميع الأصعدة”، وذكرَ في هذا السياق بدور مجلس المحاسبة الذي تم تقزيمه وتحجيمه من خلال حصره في الرقابة البعدية مع الإبقاء عليه تحت سلطة رئيس الجمهورية، وأردف قائلا: “التحقيق في قضايا الفساد على مستوى مجلس المحاسبة والتبليغ عنها يكون في ملف أو حتى ورقة تمنح لرئيس الجمهورية، وهو الذي يقرر إن كان سيحرك الدعوى العمومية أم يضع الملف في “الرف” وانتهى الآمر.

وأعاب رئيس جبهة العدالة والتنمية على النظام القانوني القديم “تغييب الرقابة على الأداء” بالإضافة إلى انعدام الإرادة للإصلاح والتخلص من هذه الممارسات، وربط الشيخ جاب الله الفساد الحاصل في المجتمع سواء الاقتصادي والسياسي بمنظومة الحكم التي لم تتغير -حسبه- ليعتبر أن الاعتماد على حكومة فيها 39 وزيرا ومعهم وزير الرئاسة هو في حد ذاته “تلاعب بالثروة العامة” في وقت يعاني البلد من أزمة مالية حادة.

وقال جاب الله إن من ثمار ثورة 22 فيفري هي مكافحة الفساد غير أنه اعتبرها ثمارا ثانوية وليست الأصل ليصرح “الأصل في الثورة هو الوصول لمطالب سياسية”، وأردف “قيمة مكافحة الفساد كانت ستكون أكبر لو تمت مرافقتها بتحقيق المطالب السياسية”، واعتبر في ذات السياق، أن استرجاع الأموال المنهوبة في قضايا الفساد الكبرى التي فتحتها العدالة مؤخرا ضروري جدا، ليقول “لا قيمة للاعتقالات والزج بالفاسدين في السجون، إلا أن تكون رادعة”. وشدد على أهمية استرجاع الأموال بقوله “الشعب في حاجة لأن يسترجع ثروته وهذا ما نطالب به حاليا”.

عدم وجود قيادة بارزة للحراك

اعترف رئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله بقوة النظام الجزائري وذكائه في تحويل ثورة 22 فيفري لصالحه والالتفاف على مطالب الشعب خاصة أن هذا الأخير ليس له ناطق رسمي يفاوض باسمه.

وشرح جاب الله الكيفية التي تحايل بها النظام على الثورة من خلال استغلاله لنقاط ضعفها والمتمثلة أساسا في “فوضوية الثورة”، حيث لا يوجد لسان ناطق يفاوض باسمها، بالإضافة إلى اللعب على “وتر النوفمبرية الباديسية”-حسبه- من خلال تحريك فئات واسعة لتحقيق ذلك وتبني المؤسسة العسكرية لها ما دفع بالملايين بالانسحاب من الساحة.

 وأثار جاب الله قضية الخطاب الإقصائي الذي ارتفع في المسيرات وتم تبنيه من قبل فئات معينة لترهيب الناس وتنفيرهم من جميع الرموز، وبسبب هذه التهجمات -يقول- “تم تكسير الحراك والالتفاف على مطالبه الرئيسية وحصرها في مكافحة الفساد ومحاسبة المفسدين”.

أسباب انفجار الشارع في 22 شباط الماضي

أكد رئيس جبهة العدالة والتنمية أن الشعب ثار على نظام الحكم لما يئس من تحقيق العدالة، مقدما 5 مضامين، قال عنها إنها كانت سببا أساسيا لثورة 22 فبراير 2019، من بينها فقدان الثقة في السلطة، والمطالبة باسترجاع حقه في السلطة التي يمثلها الشعب والثروة، علاوة على ممارسة السيادة كاملة غير منقوصة من خلال رسمه لمستقبله بنفسه مع رفضه لجميع الوصايات، وهي مسائل يضيف المتحدث تتأسس عليها النظم الديمقراطية حال وقوع الأزمات والبحث عن الحلول.

وقال جاب الله إن الشعب عاش في الـ20 سنة السابقة – في إشارة منه إلى فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، استبدادا شموليا بعنوان ديمقراطي، مبرزا بالقول “الحراك الشعبي لم يغير شيئا على مستوى النظام الذي قدم العرف على الشريعة”، معتبرا في الوقت نفسه “أنه نكران واضح لبيان 1 نوفمبر 1954”.

وأهاب جاب الله بشباب ثورة فبراير، كونهم “نماذج تبني ولا تهدّم” وتابع: “الاختلاف في الرأي يفضي إلى إثراء الفكر، في إشارة منه إلى أن شباب الحراك، يؤمن بأن احترام حرية الرأي، هو الأصل في التعامل مع الآخر”، لذا “كانت حرية الرأي بضوابطها من أعظم الأدوات في تقويم الأنظمة والحكومات”، مشيرا في ذات السياق أن الأصل في الإصلاح هو تحقيق مطالب الشعب الذي يعتبر سيدا.

قد يهمك ايضا:

الرئيس تبون يؤكد هدفنا التكفل بمتطلبات المواطنين والحد من معاناتهم

رئيس الجمهورية يؤكد محكمة دستورية للفصل في النزاعات بين السلطات