رام الله - وليد أبوسرحان
أكد عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطيني، والسفير الفلسطيني الأسبق في مصر، نبيل عمرو، أنّ الوضع الفلسطيني يعاني من "تكبيل" القيادة الفلسطينية في رام الله باتفاقيات والتزامات؛ بحيث باتت قدرتها محدود، وذلك إلى جانب عدم فعّالية الموقف العربي الرسمي سواء في وقت الحرب أو السلم، متهمًا بعض الأطراف الفلسطينية باتخاذ الضغوط الخارجية كمُبرر لعدم الوصول لمصالحة فلسطينية وإنهاء الانقسام الداخلي المتواصل منذ منتصف العام 2007.
وأوضح عمرو، أحد القادة البارزين في حركة فتح، خلال حديث خاص لـ"فلسطين اليوم"، أنه "بعد هذه السنوات الطويلة التي مرّت على الانقسام وبعد فشل سلسلة المحاولات الفلسطينية والعربية لإنهائه، تبيّن لنا بأنّ هنالك أسباب كثيرة سياسية وسلطوية واقتصادية تقف وراء هذا الانقسام، ولقد ازدادت الأمور حدّة حين تدخلت قوى عربية ودولية وإسرائيلية بصورة فظّة تضع عقوبات في حال إتمام أيّة خطوة نحو الوحدة، وفي رأيي أنه كان ممكنًا تجاهل الضغوط الخارجية والذهاب الى وحدة حقيقية، ولكن وربما يكون البعض قد اتخذ من هذه الضغوط ذريعة لعدم الوفاء باستحقاقات الوحدة، وفي عالمنا الذي يصغر كل يوم فإنّ للأجندات الخارجية تأثيرًا يكاد أنّ يكون حاسمًا في وضعنا الداخلي الفلسطيني، خاصةً حين يربطنا أصحاب هذه الأجندات بالدعم الاقتصادي.
وعما إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار على غزة واشتراطه عودة حرس الرئاسة الفلسطينية للمعابر يُعدّ فرصة حقيقة لعودة حقيقية للسلطة إلى غزة، أكد السفير نبيل عمرو أنه "يمكن أن يكون ذلك خطوة أوليّة لعودة سلطة موحدة إلى غزة، ولو اكتفينا بالوحدة على طريقة الوفد أو في إطار المعابر فقط فأنّ الانقسام سيترسخ بصورة أعمق، وربما يكون في الأمر ضربة قاصمة للفلسطينيين جميعًا الذين لا تحتمل بلادهم الضيقة وقضيتهم المعقدة هذا النوع من تقاسم السلطة تحت شعار الوحدة والشرعية".
وأضاف عمرو: "بكل أسف فإنّ الوحدة المأمولة بعد الحرب على غزة سوف يفرضها العالم بفعل ضغط الحاجة، فكل الأطراف الإقليمية والدولية تشترط من أجل إسهامها في إعادة إعمار غزة أنّ يتوحد الفلسطينيون تحت سلطة شرعية وبإمكان حكومة غزة أنّ تستفيد من الاندماج المُطلق في حكومة الوحدة الوطنية أكثر بكثير من استفادتها كحكومة ظلّ تعتمد على النفوذ أكثر من اعتمادها على الشرعية، إذاً ومن أجل أهل غزة ومصالحهم اليومية وحياتهم كآدميين إضافة إلى الصمود في وجه الأجندة الإسرائيلية الخطرة ضد الكل الفلسطيني، فلا مناص من وحدة حقيقية بالجملة والتفصيل، بين غزة والضفة وعلى كل الصعد".
وعن قرائته للموقف الرسمي المصري تجاه قطاع غزة بشكل خاص والقيادة الفلسطينية والقضية بشكل عام، أكد أنّ الموقف المصري يُقرأ من خلال شبكة المؤثرات الذاتية والموضوعية التي تفرض نفسها على صانع القرار في مصر، وفي كل العهود التي تلت توقيع اتفاقات كامب دافيد، أكدت القيادات المصرية المتعاقبة على التزامها بهذه الاتفاقات كمصلحة وطنية مصرية، وهذا لا يجعل القرار المصري متطابقًا مع آمالنا فيه، إضافة إلى أنّ غزة صارت جزءً من حالة سيناء الخطرة والمعقدة، على الأقل من ناحية الجغرافيا وكذلك من ناحية حرب الاستئصال الجذري التي يقوم بها النظام المصري الجديد ضد حركة الإخوان المسلمين، ونظرًا لارتباط حماس بهذه الحركة المحظورة في مصر فإنّ الوضع في غزة لابد وأنّ يتأثر بقدر ما بهذا الواقع، إلا أنني أستطيع القول أنّ مصر تحاول التفرقة بين مواطني غزة وحماس، وهذه مسألة إنّ كانت صحيحة نظريًا إلا أنها ليست سهلة بل وليست إرادية.
أخيرًا، فيما يتصل بمصر، فأنها تظل في كل الظروف، المفتاح الوحيد لبوابة غزة، وهذا ما يتعين على حماس وعيه بصورة أعمق، ويقابله يقين مصري بأنّ غزة ليست مجرد جار بل هي أحد دعامات الأمن القومي المصري، من هذه الزوايا جميعًا ينبغي أنّ ينظر إلى مصر وأنّ تقوم مواقفها من خلال ذلك.
وبالنسبة لقراءته للموقف العربي الراهن من القضية الفلسطينية في ظل الحديث المتواصل عن خطر "داعش"، وصف السفير عمرو الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية قبل "داعش" بأنه "لم يكن فعالًا لا في حالة السلم ولا في حالة الحرب، وفي زمن " الربيع العربي " نشأ وضع صارت فيه القضية الفلسطينية بالنسبة لكثير من الدول العربية مجرد قضية رمزية، ولقد توصل العرب إلى معادلة مُريحة مفادها... نحن ندعم ونتبنى الخيارات التي يُقدم عليها الرئيس محمود عباس، وكلما ذهب عباس الى محفل عربي، طلبًا للمساعدة فإنهم يضعون الكُرة في مرماه ويقولون له "فصل ونحن نلبس" وهذا يعني اذهب حيثما تشاء ومعك دعواتنا بالتوفيق، لقد نشأت لكل بلد عربي جملة من القضايا الملحة والكل ينهمك الآن في هذه القضايا وطبيعي ان يتراجع وضع القضية الفلسطينية اكثر مما كان متراجعا من قبل".
وعما خرجت حماس وفصائل المقاومة من صمودها في وجه العدوان الإسرائيلي لمدة خمسين يومًا وما خرجت القيادة الفلسطينية ممثلة في الرئيس محمود عباس، أكد أنه: "حتى النتائج نحاول اقتسامها، فالمجد حصة حماس والعودة إلى غزة كشرعية حكم لفتح وهنالك معادلة فرضت نفسها على المزاج والتقويم والفرز، والمعادلة تقول حين يرتفع صوت القصف والانفجارات فالواجهة لحماس، وحين يُحتاج لأيّة تسوية لأي أمر فالواجهة لرام الله، وبدل أنّ نجمع الرصدين في رصيد واحد كي نكسب جميعًا وتكسب قضيتنا فأننا نمارس سجالات لا لزوم لها حول أمور لم تعد مطروحة، مثل من هو أكثر بطولة حماس أو فتح، ومن الذي أوقع الأذى الأكبر لإسرائيل، حماس أم فتح؟ ومن الذي سيقود الرحلة الى تحرير القدس، حماس أو فتح؟ إذا استمر هذا السجال وبهذه الصورة فلا خطوة ولو متواضعة إلى الأمام، أما إذا توحد الطرفان على وعي فإنهما ينتميان إلى حركة وطنية واحدة، فساعتئذ نتحدث وبمصداقية عن الطريق الى تحرير الوطن".
وأكد أن أداء القيادة الفلسطينية سواء خلال العدوان على غزة أو تحركاتها السياسية لاستثمار زخم ما حدث في القطاع دائمًا هو على قدر الإمكانيات وليس على قدر التمنيات، والقيادة في رام الله تحركت وفق إمكانياتها المتواضعة وكان نصيبها من العملية الضخمة، دور "المُحلل" في القاهرة وفي أفضل الأحوال دور الوسيط بين حماس وبين من لم يقيمون علاقات صريحة معها، إلا أنّ الموقف الشعبي في الضفة، فرض نفسه على القيادة فتبنته بعد تردد، وظهرت أصوات كثيرة تبشر بانتفاضة شعبية تخفف الضغط عن غزة، وتظهر نوعًا من التوحد الفلسطيني في المشاعر والالتزام ومناهضة الاحتلال، ونشأت في القدس انتفاضة صغيرة ولكنها فعّالة بحكم حساسية الموقع، وهذه هي الصورة المتكررة التي نشاهدها دومًا وبطلها هو الشعب الفلسطيني ومبادراته واستعداداته المتجددة للتضحية، القيادة في الضفة مكبلة باتفاقات والتزامات وتعهدات وبالتالي فان قدرتها محدودة للغاية حين تنشأ المعارك الطاحنة.
وأضاف عمرو أنّه لا يمكن القول بأن خطة الرئيس عباس لإحلال السلام في المنطقة، والتي سلّمت لوزير الخارجية الأميركية، سوف تفضي إلى حل مضمون للقضية الفلسطينية، فأيّة مؤسسة دولية صغرت أم كبرت لابد وأنّ نواجه فيها صعوبات أميركية وإسرائيلية تصل إلى حد الفيتو في أهم مؤسسة دولية ألا وهي مجلس الأمن، إلا أنّ استمرار العمل السياسي، ومواصلة طرق أبواب العالم وحتى الانضمام لجميع المنظمات والهيئات الدولية لابد وأنّ يكون مفيدًا للقضية الفلسطينية، فالجمود والفراغ هما المقتل الحتمي لهذه القضية، إلا أنّ التحرك على الصعيد الدولي، إنّ لم يرافقه جبهة فلسطينية داخلية متينة وموحدة وناشطة في مقاومة الاحتلال، فأن أيّ جهد خارج هذا الإطار يظلّ لمجرد حفظ الحق وتفادي الفراغ والنسيان، وهذا أمر لم نتوقف عنه على مدى عقود طويلة مضت.
وأكمل عمرو حديثه: "الارتجال وردّ الفعل وغياب الخطط والمؤسسات الفاعلة هما آفة العمل الفلسطيني على مر العصور، في فترة ما كان وضعنا افضل على هذا الصعيد، أما الآن فأن الوضع لا يسر، ذلك لأنّ مؤسساتنا التي يفترض أنّ تنبع السياسية الداخلية والخارجية من داخلها هي بالإجمال غير فعّالة وحين يغيب عمل المؤسسات يتكرس الارتجال والتلقائية، ولعل سبب ذلك هو غياب دور الشعب في صنع السياسة من خلال غياب المؤسسات المركزية المنتخبة، لهذا وإذا ما سعينا إلى تغيير الوضع فلا مناص إلا بالعودة إلى إشراك الشعب في صنع السياسات ولا يكون ذلك إلا من خلال تثبيت الانتخابات الدورية في كل المجالات وتحميل من يفوزون في الانتخابات مسؤولية القيادة والقرار ومحاسبتهم على السلوك والنتائج، بغير ذلك ستظلّ التلقائية والارتجال وردود الافعال يحكمان وضعنا في الضفة وغزة على السواء.
وبسؤاله لماذا لم يُجرى انعقاد المؤتمر العام السابع لحركة "فتح"، أكد السفير نبيل عمرو: "يوجد في فتح فريق يكره المؤتمرات ويحب استمرار الوضع على حاله وفق نظرية ما نحن فيه أفضل مما سيأتي، وهذا نوع من الاستسلام لحالة التفكك والترهل وغياب التأثير وتقلص الجماهيرية، وهذا الفريق الذي تجد مندوبين عنه في كل المواقع يتخذ من أي أمر كبيرًا كان أم صغيرًا ذريعة لعدم عقد المؤتمر وشعارهم دائمًا"، مضيفًا: "احنا في إيش وإنتو في إيش" مع أنّ إمكانية عقد المؤتمر دائمًا متاحة ومتوفرة، وإذا كانت حرب غزة قد اتخذت كذريعة لعدم عقد المؤتمر السابع في وقته فإنّ هؤلاء الذين أعنيهم سيتخذون من إعادة الإعمار ذريعة أخرى وحين تعز الأحداث الجسيمة فلا استغرب أنّ يتذرعوا بحالة الطقس، على كل حال أنّ الأمر بيد الرئيس محمود عباس، الذي تعهد بعقد المؤتمر في حينه دون تأجيل وبالتالي فعليه أنّ يقرر فهو القائد العام لفتح وهو صاحب النفوذ الأكبر في التركيبة الحالية لإطارات ومؤسسات فتح".