قالمة - واج
يتزامن شهر رمضان بولاية قالمة هذه السنة مع الانطلاق الرسمي لحملة الحصاد والدرس مما أجبر المزارعين على الاجتهاد للتكيف مع مشقة الصوم تحت حرارة الشمس الحارقة ولهيب آلات الحصاد.ويرى الفلاحون أن حالتهم هذه وجد لها الكثيرون منهم حلا يتمثل في التسلح بالإرادة والعزيمة و الإيمان القوي و التوجه إلى الحقول لحصاد الزرع و عدم ترك مزروعاتهم تضيع مع مراعاة عدم الإخلال بفريضة الصوم مع التوقف لدقائق قليلة لأداء صلاة الظهر و في هذا الوقت تكون الشمس الحارقة في أوجها.
الجمع بين الصوم و حصاد الزرع صعب لكن التحدي ليس مستحيلا
ورغم ذلك، فإن أغلب أصحاب الأراضي الفلاحية الذين تحدثوا ل/وأج يرون أن تزامن حملة الحصاد مع شهر رمضان لا يحدث إلا مرات قليلة في حياة كل فلاح و لذا لا يجوز التعامل معها بخوف خاصة وأن أحكام الدين الإسلامي الحنيف تسمح بكسر الصيام عند الخوف من التهلكة.ويشكل حب المهنة والعلاقة الحميمية مع سنابل القمح مصدر القوة الذي يجعل الفلاحين يسهرون على مزروعاتهم منذ أن كانت حباتها تظهر ويخافون من الحرائق التي تترصدها في كل لحظة. وهي عوامل محفزة إضافية للفلاحين من أجل التغلب على أي تفكير سلبي أو التهاون في مباشرة حملة الحصاد.ويقول بشير صاحب ال74 عاما وهو فلاح بمنطقة جبالة خميسي 15 كلم شرق قالمة "يكذب من يقول أن العمل في الحقول خلال شهر رمضان أمرا سهلا" مؤكدا أنه شرع بالفعل في عملية الحصاد مضيفا "تعود ملكية الهكتارات التي أقوم بحصادها لعائلتي و أنا الذي قمت بزرعها و بذرها فكما ترون أنا لا أملك خيارا آخر".و ردا عن سؤال إن كان لديه أولادا يساعدونه في عمله عند الضرورة توقف الرجل لمسن هنيهة عن العمل و وضع يده على جبهته ومسح العرق قائلا "هل ترون هذين الشخصين إنهما عاشور و محمد الصغير إنهما ولداي فيما يقود أعمر و هو ولدي الأكبر آلة الحصاد و الدرس لحسن الحظ أنهم متواجدون هنا".وعلى بعد كيلومترين أو ثلاث شمالا تعمل مجموعة أخرى من الفلاحين. فالساعة بلغت العاشرة صباحا و درجة الحرارة لا تقل عن 40 درجة مائوية حيث يضع بلقاسم وهو رجل صلب في الأربعين من العمر يبدو أنه قائد المجموعة على رأسه مظل (نوع من القبعات المكسيكية المصنوعة من القش). ويبدو جليا أنه و رجاله متحفزون و متشبثون بالأرض التي يقتاتون منها و غير مستعدين لرؤية حقولهم تلتهمها النيران بسبب حريق في المحاصيل لذا فهم يسارعون في وتيرة العمل و يعملون على إنهاء يومهم على أحسن ما يرام.و يؤكد يوسف صاحب ال67 عاما المنحدر من المنطقة الفلاحية جبالة خميسة و الذي كان يجلس تحت ظل شجرة و يتابع بعينيه الحركة البطيئة لآلة الحصاد و الدرس أن التقدم الكبير في المكننة وآلات الحصاد المتطورة والتي توجد من بينها حاليا آلات مكيفة وأخرى لا تحتاج إلى أيادي عاملة يجعل من الأمر قريبا من المتعة أكثر منه إلى المشقة.فيما يقول الفلاح الشاب عادل (20 سنة) المنحدر من بلدية تاملوكة وبعد تجربة قام بها خلال الأيام الأولى لشهر الصيام بقضاء سويعات من العمل في "ربط أكياس القمح " أنه كان يحس بجسمه يلتهب مشيرا أن الصيام و العمل في آن واحد يعد أمرا منهكا للغاية.وحتى و إن كان الحصاد يعد من بين أصعب المهام خلال هذه الفترة إلا أن فلاحي قالمة التزموا بالقيام بسباق ضد الساعة يساعدهم في ذلك توفر عدد كبير من آلات الحصاد و ذلك حتى يتسنى لهم ممارسة فريضة الصوم في أجواء مناسبة بعيدا عن إرهاق العمل في تجميع محصول الحبوب ثم الظفر بفترة نوم هانئ تسبق الفطور و لعب جولة من الدومينو تجعلهم ينسون جميع متاعب هذا اليوم المرهق.
وتيرة الحصاد على وقع الظروف المناخية
ويبدأ العمل في الحقول بقالمة مبكرا حتى و إن تزامن ذلك مع شهر رمضان حيث يصل مسيرو المستثمرات الفلاحية و الحاصدون و العمال باليوم إلى الحقول بمجرد شروق الشمس لكن لا يشرع في العمل بآلات الحصاد و الدرس إلا عندما ترتفع درجة الحرارة و ذلك بغية ضمان العمل الجيد لمختلف أجزاء الآلة وعدم ضياع المحصول.ولا يملك الفلاح أي خيار لضبط برنامج ساعات العمل اليومي بغرض الحفاظ على شعيرة الصيام لأن الطرف الوحيد المتحكم في ساعة الدخول إلى الحقول و الخروج منها هو مؤشر الحرارة يقول السيد إبراهيم ذي ال 55 سنة من منطقة عين صندل وصاحب آلة حصاد والذي يمتلك خبرة تفوق 35 سنة من ممارسة عمله كسائق آلة الحصاد.كما يشرح السيد إبراهيم المقصود من قوله أنه في الأيام الساخنة التي تكون فيها نسبة الرطوبة منخفضة يمكن للمزارعين أن يباشروا عملهم في الساعات الأولى من النهار حوالي ال7 صباحا عكس بقية الأيام التي تكون غير واضحة المعالم وتخيم فيها السحب أو ترتفع فيه درجة الرطوبة والتي قد لا يشتغل فيها محرك آلة الحصاد إلى غاية منتصف النهار.و يعترف ذات المتحدث أن الصيام يجعله يقلص من عدد ساعات عمله فهو لا يقضي سوى 5 ساعات في رمضان في الحقل مقابل ما يزيد عن 14 ساعة في حملات الحصاد العادية.و من جهته، يقول السيد عبد المجيد و هو سائق آلة حصاد أن مهنة الحصاد في شهر رمضان صعبة للغاية ولا يوجد أي أحد بمقدوره أن يضمن عدم اضطراره إلى الافطار خاصة وأن درجة الحرارة على متن الآلة تكون أشبه "باللهب " الذي لا تنفع معه أية حيلة مشيرا أن الحل الوحيد الذي أثبت نجاعة نسبية هو تناوب سائقين (2) على آلة واحدة مع التمني أن لا تتعرض آلة الحصاد و الدرس إلى العطب الأمر الذي قد يزيد من تفاقم الوضع.
رجال بإرادة مثيرة للإعجاب
ويجمع المزارعون على أن العامل المكلف بربط الأكياس هو المتضرر الأكبر من ضمن المجموعة المشاركة في حملة الحصاد والذي يكون عادة في مواجهة مفتوحة مع عدة "أعداء " منها على الأخص "الغبار" المنبعث من آلة الحصاد والذي يصطدم مباشرة بوجه العامل.ويقول سليم وهو فلاح شاب يعمل في ربط الأكياس أن "الغبار" مشكل حقيقي وقادر لوحده على إفساد الصوم لأنه يسد أماكن التنفس وخاصة على مستوى الأنف والحلق. ويعترف ذات المتحدث بنوع من الدعابة بأنه بعد نهاية كل يوم من الحصاد ينظر في المرآة فلا يعرف نفسه بعدما يكسو السواد كل الأجزاء في جسمه مضيفا أنه يقسم كل ليلة بأن لا يعود إلى العمل في اليوم الموالي لكنه بمجرد زوال التعب يتراجع عن قراره.و يضيف الفلاح الشاب أنه يمارس مهنة فوق طاقته رغم أنه يتقاضى نحو 350 دج عن الساعة الواحدة مشيرا أنه يجب أن يكون مجهزا بعدة وسائل عمل على غرار النظارات و"كمامة" وبذلة خاصة وذلك كون مخاطر تلك الحرارة المنبعثة تصل إلى حد الإصابة بأمراض جلدية مختلفة.ويرى ذات المتحدث أن عمل العمال الموسمين المكلفين بجمع حزم التبن أسهل حيث أن الظروف المناخية تمكنهم من تأدية مهامهم (التي قد تستغرق عدة أيام) خلال الفترة المسائية.وخلال الساعات القليلة التي تسبق كسر الصيام تتم تعبئة المحصول اليومي في الشاحنات وتنقل نحو المخازن التابعة لتعاونية الحبوب و البقول الجافة. و تتواصل العملية في بعض الأحيان تحت أشعة الأضواء الكاشفة للآلات و ذلك إلى غاية ساعة متأخرة من الليل.وخلال سابع أيام الشهر الفضيل بجبالة خميسي و تحت أشعة الشمس الحارقة يواصل المزارعون عملهم بحقول القمح حيث ما تلبث تلك المشقة و مهما كانت درجتها أن تتحول إلى مجرد ذكرى جميلة خصوصا إذا كان المحصول وفيرا.