عمان - العرب اليوم
في رواية" السقوط في الشمس" يبدو جليا لنا أن العنوان يعبر عن حاجة شعورية ونفسية للتطهر والعلو، وهو تعبير ذهني للخلاص لذات لا تريد أن تسقط على أرض الواقع لتعلو وتسقط في أتون الشمس، وهو يشي بنزعة الوجود المستقلة من منظور فلسفي ميتافيزيقي.
الشمس هي المرآة التي تعكس الضوء والدفء على كينونة كل كوكب في مجموعتنا الشمسية التي نعيش فيها، وهكذا أصبح الإنسان بوصفه كينونة يبني علاقته بما يدرك من كينونات كونية من حوله "أنسنة الكون" من خلال وعيه الذاتي الذي يكشف أناه الحقيقية، وهذا لا ينطبق على تكويناته الفكرية قط، بل ينطبق كذلك على النواحي الحسية والشعورية الحالمة على الرغم من أن الكواكب غير مبالية بنا بوصفنا بشرا، لكن وحده الإنسان يربط شعوره النفسي بها من أجل مغادرة واقع معاش ضيق حالما بالمباهج والإحساس النقي النزيه، فيحتفل بدوران الكواكب حول الشمس بالنظر الذي يرفعه من فوق أرض يقف عليها مليئة بالتناقضات المحيرة والمتشابكة، من هنا كان عنوان رواية "السقوط في الشمس" عنوانا سرديا يجعلنا نحلق بعيدا في مخيلاتنا للكشف عن دلالاته الجمالية ونصيته الغامضة" الميتافزيقية" من خلال استبصار العنوان بوصفه عتبة سيميائية على رأس النص.
الاستهلال
الاستهلال ينطوي على أهمية بالغة وكبيرة في إرشاد القارئ إلى مدخل الرواية أو ما سيحدث لاحقا وتتبعها، أو على العكس تؤخره للولوج إلى عالم الرواية التي يريد اقتناءها أو أي عمل فني، ويُعد عنصرا من عناصر البناء للرواية من خلال دلالاته السيميائية وقابليتها للتأويل عند المتلقي وتشكيل الانطباع الفوري عنده.
استهلال أول
"لأن قلبي أهداني إليكَ، لأن روحكَ تسكن جسدي، لأن طيفكَ يلازمني أبدا، لأن كل ما صنعت يداي يحاكي رسم عينيكَ، أقولَ لكَ، وأستثني كل البشر: إليكَ" (2). هذا استهلال إهدائي ينطوي على صنعة وإتقان للإيحاء بأن الرواية رواية عشق وبوح والتياع لامرأة وقعت في أتونه بكامل إرادتها وهداية قلبها وروحها.
استهلال ثانٍ
"روحي؟!
أنتَ روحي.. ماذا تقول؟!
مجنون : أتسرق الأرواح؟! اتهمني ما تشاء؟! ماذا؟! ماذا تقول؟
من أين سرقت روحي؟ لا أعرف، أتعرف أنتَ؟
لا بد أنك تعرف، أنفاسك تقول إنك تعرف؟
جسمك مضطرب ويتفصد عرقا؟ لماذا؟
تعال اجلس إلى جانبي، ودعني أتحسس ذلك الضلع العجيب الذي خُلقت منه" (3)
في الاستهلال الثاني الذي ننفذ منه إلى النص " المتن " يتجلى المونولوج لشخصية بطلة الرواية التي لم تسميها الروائية قصدا ، ربما أرادت سناء شعلان أن تمنح بطلي روايتها ما يشبه اللوجو (logo) الروائي بحيث يمثلان كيانات موسومة بالعشق وموصومة بالشتات. كيانات آدمية يتكرر وجودها طالما ظلت الحياة تتكرر في صيغتها(4) منذ آدم وحواء التي خُلقت من ضلع آدمها ؛فهما أول إنسانيين خلقهما الله على الأرض ليسقطا في أتون المعصية، وهذه أسطرة موجودة على امتداد الرواية من لدن كاتبة الرواية أستاذة النقد الحديث والحاصلة على الماجستير والدكتوراة بدرجة امتياز والرسالتان منشورتان، وهما من أهم مصادر طلبة الدراسات العليا في الأدب والسرديات: الأسطورة في أدب نجيب محفوظ"، و "السرد الغرائبي والعجائبي في الرواية والقصة القصيرة في الأردن"، ومن نافلة القول أن هناك العديد من رسائل الدكتوراه والماجستير التي كُتبت عن الأسطورة في أدب الشعلان"، وعلى سبيل المثال لا الحصر أطروحة " النزوع الأسطوري في قصص سناء الشعلان" ، وهي أطروحة ماجستير للأستاذة وناسة كحلي - جامعة سكيكدة/الجزائر، إضافة إلى العديد من المقالات النقدية والدراسات والعروض والأوراق البحثية وأوراق العمل في المؤتمرات والملتقيات والندوات العلمية الأكاديمية والأدبية والثقافية.
إذن نحن في إزاء روائية وقاصة وأستاذة في الأدب، وهي متخصصة بالنقد، والأسطورة من أولى اهتمامات تخصصها، في ضوء ذلك لا غرو أن نجد هذا انعكاسا لهذا التخصص وهذا الاهتمام في منجزها الإبداعي، كما نجد أن الأسطورة حاضرة فيه بكل تجلياتها في رواية "السقوط في الشمس" وفق اشتغالات الميتا سرد التي تعطي للرواية آفاقا جديدة في الإيهام السردي وتنامي فعل الحكي للأحداث داخل البنية السردية من خلال البنيات المتداخلة والمتوازية في النص الذي يستفيد من تناص الأسطورة وتوظيفها على امتداد الرواية.
"هيليوس" ذلك الإله الشاب الجميل ذو العيون الزرقاء والشعر الأشقر المجعد والجسد الرجولي الرائع يمثل نهرا خالدا للرجولة(5). تقول الأسطورة الإغريقية إن "“فيليمون " رجل عجوز قضى حياته مع زوجته المحبة "برسيس" التي أحبتها الآلهة لطيبة قلبها وكرمها، وقد طلبت وزوجها أن يعيشا سوية وأن يموتا معا كذلك، وأن يجتمعا سوية بعد الموت، فحولتهما الآلهة إلى شجرتي سنديان متقاربتين متحابتين تنفيذا لرغبتهما"(6)
"تركض عيناكَ في قسمات وجهي، وتقول عيناك الساحرتان شعرك الهائج بشرتك الوردية انفك . . فمك تشبهين"أفروديتا"، هذا الجمال يحاكي آلهة الجمال، أما أنا فسأكون إيزيس "(7).
يا شمس حياتي أين أنت يا "هيلوس" في أي بقاع الدنيا تختفي؟ حبيبتكَ "أرتيمس" قد أضناها الانتظار " (8). " عندما حدثتكَ طويلا عن "أورفيوس" ذلك الموسيقي الأسطوري الذي عشق موسيقاه بقدر عشقه لزوجته" بوريديس"، وعندما سرقها الموت، لم ييأس، بل لحق بها إلى مملكة الموت، واستطاع بموسيقاه الحزينة أن يقنع "هاديس" إله الموت والحياة السفلى أن يعيدها إليه" (9)
من هنا نستشف استخدام الميثولوجيا لأساطير الحب والجمال الإغريقية والرومانية، إذ جاء ذلك تلبية لحاجة للتعبير عن العواطف والمشاعر والأحاسيس بوسائل خيالية عذراء لم يمتهنها الاستعمال اليومي، إن استدعاء الأسطورة يستدعي معها فضاءها التخييلي السردي والوجداني ودلالاتها الرمزية وتوظيفهما جماليا وإيحائيا لإنتاج صور شعري باذخة خدمة للخيال والإدهاش.
إن استخدام سحر الأسطورة جاء تأكيدا لفكرة مفادها أن العشق والحب والأيروس أفعال طاهرة ومقدسة طالما هي أفعال الآلهة. كما أن الحوارات المونولوجية والمساجلات هي نفسها تجليات وأحاسيس ومشاعر بطلة الرواية، وهي تشبه أساطير بلاد الرافدين بن الإلهين العاشقين "أنانا" و"دموزي".
رواية السقوط في الشمس وتيار الوعي بالسرد:
لقد أسست الروائية سناء الشعلان معمارها السردي على الاسترجاع والحلم والمونولوج وفق تيار الوعي السردي من خلال بوح بطلة الرواية العاشقة عبر الميتا سرد وصوره الناشئة من البُنى والأنساق الفنية داخل الرواية التي ترويها البطلة العاشقة لتؤكد لنا أن الجمال ليس كائنا في الشيء المادي، وإنما يتعلق بحالات شعورية أو بخبرات ذاتية لتجربتها وللشخوص الموجودين والحاضرين حولها في النص، وإذا كان العمل الفني والسردي يشبه الحلم، فتصبح اللغة إشارية رمزية، ويسمو العمل السردي في قدرته على التعبير عن اختلاجات النفس الفردية للبطل وانعكاسها على القارئ "التداعي الحر"؛ لأنه يملك ذات الذاكرة والعواطف والخيالات التي يبحث دلالاتها الباطنية التي تبدو متناقضة مع ظاهرها، ومن هنا يأتي الإدهاش للصور السردية وإعادة تخيلها وفق الواقع السردي الناشئ بوصفه معادلا موضوعي للواقع، ويصبح بحثنا عن معاني حقيقية جديدة عن العشق والحب تقل قيمة في التأثير السيكولوجي والجمالي.
إن تقنية التبئير الداخلي شكلت رؤية لشخوص الرواية من وجهة نظر الراوي البطلة نفسها، ويبلغ التبئير ذروته وحدوده القصوى في المونولوج الذي يستحضر شخوص الرواية، ويقدم حالاتهم النفسية بشكل انسيابي للذهن، ويفتح أبواب الكينونات الإنسانية المغلقة.
ويُعرف هذا النمط السردي بـ" تيار الوعي " للدلالة على منهج تقديم الجوانب الذهنية للشخصية في القصص، فهو لا يتم بالدرجة الأولى برسم الشخصية من الخارج، ولكن يتغلغل فيها بهدف سبر مكنوناتها الباطنية ليقدم صورا لواقعها الداخلي والنفسي للشخصية، وبذلك فإن الزمن لم يعد له مكان.
لقد خص الناقد روبرت همفري ((robert Humphery في كتابه الموسوم بـ"تيار الوعي في الرواية الحديثة" هذا المصطلح والمنهج السردي بدراسة مفصلة، ضمنها أهم الروايات التي انتهجت هذا الأسلوب، وأبرز الرواد الذين أبدعوا فيه، أمثال جيمس جويس، فرجننا وولف، وليم فوكنر، وغيرهم، إذ يرى "همفوي" أن مجال الحياة الذي يهتم به أدب تيار الوعي هو التجربة العقلية والروحية" (10)
ومن هنا يتضح أن تيار الوعي هو نقل السرد من نمط إلى نمط مغاير فرضته ضرورات حضارية وفكرية ونزعة تجريبية ملازمة للرواية. واستقر تيار الوعي عند الروائيين العرب بعد التغييرات الكبيرة في الواقع السياسي والاجتماعي بوصفه حاجة للتعبير عن شخصية "البطل الروائي" من الداخل وفق تجربة ووعي الروائي، وظهر ذلك جليا عند الروائيين العرب بوصفه نمطا جديدا أمثال نجيب محفوظ، وعبد الرحمن منيف، والطاهر وطار، وعبدالحكيم قاسم، وغسان كنفاني، وإسماعيل فهد إسماعيل، وآخرين كثر.
العشق والإيروتيكية والشبق المحرم:
إن المتابع للأديبة الشعلان ومنجزها الإبداعي يدرك أن أغلب أعمالها قائمة على ثيمات الحب والعشق والأيروتك بصفته هبة الآلهة عبر الأساطير التي وصلتنا، لكن مجتمعنا الذكوري قلب المعادلة رأسا على عقب، وجيره لمصلحته، واحتكر حتى تفسير المقدس لصالحه بسبب النزعة السلطوية التي تسود مجتمعاتنا الذكورية غير متصالحة مع ذاتها، لكن في الآونة الأخيرة بدأت المرأة ترفع صوتها على المسكوت عنه منذ قرون، محاولة تخفيف وطأة القمع من خلال الكتابة، فظهر جيل من الكاتبات الروائيات يكتبن في الأيروتيك والعشق على الرغم من المنع، والنظر إليه على أنه أدب سوقي يسعى لإثارة الغرائز علما بأننا نحبس تراث ضخم لا يمكن تصوره. لكن نتيجة نكوص مجتمعاتنا بقي حبيس الغرف المظلمة أو المنع أو محصور بين الرجال الذين ما فتئوا يتمسكون بولايتهم على المرأة بوصفها جزء أصيل من ملكياتهم لأي سلعة أخرى يقتنونها، ليمنعوا عنها حرية التعبير والكتابة أو إثبات ذاتها الإبداعية في السرد والشعر والفن.
تُعد الأديبة سناء الشعلان واحدة من أبرز الكاتبات والروائيات العربيات اللواتي قلبن المعادلة الاستبدادية للسلطة الذكورية ومقارعتها إبداعيا من حل من أجل التحرر من العبودية بسردياتها المتعددة قصا ورواية ومقالا دون أن تسقط نصوصها في الابتذال والسطحية بعيدا عن الانزلاق في البورنوغرافية المقززة والمتهتكة، فولدت روايتها " السقوط في الشمس" بلغة أيروسية فائقة من خلال السرد والتخييل والاحتفال بالأنا المثالية التي تجاهد "البطلة" باسترداد الإشباعات النرجسية الأولى، ولكن بمجرد أن تفقدها تتمنى التحليق بعيدا نحو الشمس " جسدي لا زال يشعر بالبرد، استلقى بتعب، طيفكَ يحضن طيفي بسعادة بذلك الجسد المسجى على ذلك المقعد. أحد عمال المحطة يقترب من ذلك الجسد، ويصرخ مذعورا، لا أنتظر لأراقب ما يحدث، بل أمسك طيفكَ، وأحلق معكَ نحو البعيد. . . نحو الشمس" (11)
ومثال بطلة في رواية السقوط في الشمس "عاشقة بلا حدود، عاشقة مثقفة قوية، توظف قوتها وثقافتها في صنع عشقها الخاص، عشق كُتب عليه ألا يكون محققا كما عند العذريين الرجال" (12)
خلاصة القول أن المرأة الكاتبة تحاول تحقيق ذاتها إبداعيا، وعلى الرغم من ذلك لم يكن الطريق معبدا ورديا وسهل المنال "الكتابة تكون أيضا واقعا غامضا: فمن تولد بصورة لا تقبل النقاش من مواجهة بين الكاتب ومجتمعه، ومن ناحية أخرى هذه الغائية الاجتماعية تعيد الكاتب بنوع من التوجيه المأساوي إلى المصادر الصناعية لخلقها. ولما كان التاريخ عاجزا عن أن يقدم للكاتب لغة جاهزة للاستهلاك، فإنه يقترح عليه ضرورة امتلاك لغة تنتج بكل حرية" (13)
جعلت الأديبة سناء الشعلان من الكتابة عن الحب وفي الحب حجز الزاوية في الحكاية وتكثيف الذات في نقطة واحدة الذات العاشقة، وكأنها تريد القول للقارئ إن الحب دائما قادر على تفسير ما يعجز عنه الواقع، وهذا يؤكد أن الأديب وجداني في المقام الأول عبر أصل اللغة المؤنثة دون أن تفقد أسباب توازن السرد الواقعي، فكانت بارعة في مناجاة النفوس لأبطالها وهواجسهم المشحونة بالبوح "وفق تيار الوعي في السرد" بخطاب "يتجدد بالحكي بالنسبة له كتجلٍ خطابي سواء أكان هذا الخطاب يوظف اللغة أم غيرها، ويشكل هذا التجلي الخطابي من توالي أحداث مترابطة تحكمها علاقات متداخلة بين الوسائط التي عبرها يتجلى كخطاب أمام متلقيه بفرض على ما ذهب إليه بارت إنه يمكن أن يقدم بواسطة اللغة أو الحركة أو الصورة منفردة أو مجتمعة بحسب نوعية الخطاب الحكائي، وبهذا المعنى عندما نتحدث عن الخطاب الحكائي يكون حديثا عاما، أي منطلقه المركزي الحكي أيا كان وسيط تجليه (14)
جسد اللغة.. لغة الجسد
يسعى الروائيون، وينشغلون بإجهاد للوصول إلى أعلى درجات الشاعرية باللغة ورسم الصور السردية التي ستنتهي بقراءة المتلقي لها عبر خاصية التخييل بلذة ومتعة، وهذا الهدف الذي يحقق الإدهاش والانفعال الجمالي عند القارئ، فإن السردي " المحكي هو لغة تركيبية بشدة، تقوم بصورة أساسية على قواعد التشابك والتضمين، وكل نقطة من الحكاية تشع في اتجاهات عديدة وفي وقت واحد"(15)
استطاعت الروائية الشعلان أن تجعل كل نقطة من حكاية عاشقة "بطلة الرواية" تشع في اتجاهات عديدة، ويحتاج هذا إلى حرية ليكون التشويق والإدهاش متحققا، فأصبحت الحكاية تشع باتجاهات متعددة من خلال الرمز والدلالات التي نتلقاها عبر مخيلتنا للصور السردية المتدفقة وتحقيق وظيفة السرد بتشكيل متوالية محكاتية للواقع النصي لنقل انفعالات ومصائر وشبق أبطال الرواية، كل هذا يصلنا من خلال اللغة وانزياحاتها لتعود إليها "للرواية". كل هذا يحدث من خلال اللغة التي تُعنى بوظيفتين العقلية "الذهنية" والوظيفية الانفعالية، ولا يتم تفكيكها إلا من خلال المتلقي "القارئ".
إن من الإشكاليات المزدوجة في الأدب النسوي العربي -وإن كنتُ لا أميل إلى هذا المصطلح الإشكالي- هو فرض لغة محددة على المرأة دون الرجل هو إقرار بالاستلاب والإخضاع بحجج المقدس والتابو الاجتماعي، فتفرض عليها لغة لا تعبر عن ذهنيتها وانفعالاتها، وهذا ما كسرته المرأة في الآونة الأخيرة باتخاذ من الكتابة سلاح في رد الاعتبار لها في التواصل بمحيطها كذات إنسانية فاعلة وكسر عزلتها، "ولا تخلو لغة من كلمات تفصح عن الحضور الجنسي فيها: سلوكا متنوعا، وأداء لفظيا وتعبيرا لغويا، وصياغة دلالية، أو منحى وصفيا مجازيا" (16)
إن حرية المرأة بالتعبير عن أفكارها إبداعيا وجماليا والتعبير عن كينونتها الإنسانية لا يعني الدعوة إلى التعري وإشاعة الرذيلة، ومن حق المرأة التعبير عن حاجات غريزية وجسدية دون قمع فكري وسيسيولوجي مظهري، والتعامل معها بوصفها عورة حتى في الصوت والكتابة الإبداعية والتعبير عن ذاتها في معظم المجتمعات العربية والإسلامية متناسين أنها أصل الوجود والإنسانية على كوكبنا، ومتناسين كذلك أن اللغة تنطوي على الشبق والسعار والشهوة المتكومة في المجاز، لكن روح القمع والإقصاء عطل لغتهم، فباتوا أحادي النظرة والفكر حتى في اللغة، مستسلمين للتخلف والبلاهة؛ فهم لم يكلفوا أنفسهم عناء قراءة التراث الديني والإنساني، فباتت تصوراتهم منقوصة في فهم كونه مطلب جسدي أصيل، وما اعتقادهم أن العشق رذيلة والحب تابو يأكد نكوصهم المريع "ليس في الإنسان سوى ما يجسده هو حقيقة وجوده، وما يعبر عنه، ويدخل في حكم القيمي وحتى المتعالي أو الماورائي امتداد لجسده، واللغة ذاتها تتلبس الجدس، بل ترقى إلى مستوى الكائن الحي، كائن مجسد، نوراني شبحي عفريتي ملائكي مسوخي غرائبي، وكل ذلك بفعل الجسد هذا الذي فيه وعبره عاش أسلافنا، ونعيش نحن فيه، وسيعيش سوانا بكل ما بثثنا فيه من متناقضات" (17)
الإحالات:
1- رواية السقوط في الشمس: سناء الشعلان، دار اليازوري للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2005.
* عباس داخل حسن، قاص وكاتب مقال وناقد عراقي، تولد العراق، ومقيم في فنلندا منذ عام 1993، يحمل دبلوم إدارة عام 1982 من المعهد التقني في الناصرية من العراق. مراسل جريدة بانوراما التي تصدر في استراليا. نشر في بداياته في مجلة فنون مجموعة من المقالات النقدية عن المسرح وبعض فناني الناصرية. نشر أولى قصصه في عام 1981 في مجلة الطليعة العراقية. انقطع عن الكتابة منذ العام 1993 إلى عام 2010، ثم بعد عودته العسيرة إلى الكتابة نشر العديد من القصص والمقالات الساخرة وأكثر من الدراسة عن القصة القصيرة جدا لصالح الصحف العراقية في العراق وفي المهجر مثل: جريدة العالم والزمان وطريق الشعب والطريق الثقافي ولارسا والدستور. إلى جانب النشر في المواقع الإلكترونية، مثل: إيلاف، عكس الاتجاه، تايمز، الحوار المتمدن، صوت العراق، وغيرها. من إصداراته: خطى الفراشة، ألق الحكاية، سقوط السماء في خان الشابندر، فضلا عن المخطوطة الجاهزة للنشر، وتحمل اسم: مزامير يومية/قصص قصيرة جدا.
2- نفسه: ص3.
3- نفسه: ص5.
4- رواية السقوط في الشمس: الكتابة عبرة الذاكرة المسكونة بالشتات، طارق البربري.
5- رواية السقوط في الشمس: سناء الشعلان، ص14
6- نفسه: ص56.
7- نفسه: ص60.
8- نفسه: ص94.
9- نفسه: ص131.
10- تيار الوعي الإرهاصات الأولى للرواية الجديدة: أ. سليمة خليل، مجلة المخبر، العدد السابع، 2011، الجزائر.
11- رواية السقوط في الشمس: سناء الشعلان، ص269.
12- رواية السقوط في الشمس لسناء الشعلان: المرأة تصنع تمثالها الخالد وتعبده: حكمت النوايسة.
13- في الأدب والكتابة والنقد: رولان بارت، ترجمة عبد الرحمن بوعلي، دار نينوى للدراسات والنشر، دمشق، 2014.
14- تحليل الخطاب الروائي: سعيد يقطين، منشورات المركز الثقافي للطباعة والنشر، بيروت، ط3، 1997.
15- من البنيوية إلى الشعرية: تأليف رولان بارت وجيرار جينيت، ترجمة د.غسان السيد، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، دمشق، 2001
16- الشبق المحرم أنطلوجيا: النصوص الممنوعة: إبراهيم محمود، رياض الريس للنشر، القاهرة، 2015.
17- المصدر نفسه.