طرابلس - العرب اليوم
المهاجرون ومهربو البشر ينظرون إلى ليبيا منذ فترة طويلة على أنها الوسيلة الأمثل للوصول إلى أوروبا من شمال أفريقيا. تمثل الحدود البحرية والبرية الليبية الممتدة على مساحة واسعة وقربها من الشواطئ الأوروبية خيارا مثاليا للمهربين. وخلال الصراع الذي انتهى بالإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الذي حكم البلاد طويلا عام 2011، كان المهاجرون يتجهون إلى أماكن أخرى، لكنهم الآن عادوا إليها مرة أخرى. ورغم أن معظم أجزاء ليبيا تشهد هدوءا، فإن الدولة تعجز عن بسط سيطرتها، وهو ما يعني أن قوات الأمن غير قادة في أغلب الأحيان على ملاحقة عصابات التهريب. لكن مهاجرين تونسيين اختصرا هذا الوضع بالقول إن الهجرة "أسهل من ليبيا"، رغم أن بلدهما الأصلي هي أيضا مركز رئيسي لأولئك الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا. هذان التونسيان وهما في العشرينات من عمرهما لديهما أصدقاء وأقارب من عائلتيهما خاضوا هذه الرحلة عبر البحر من ليبيا واستقرا في أوروبا وتزوجا من مواطنين أجانب، وشجعوهما على أن يحذوا حذوهم. ويقول أحدهما بشكل قاطع "إذا مت في الطريق، فهذا قدري، الأفضل لي أن أموت بدلا من العيش في فقر". "لن نتزوج مطلقا" يشعر الاثنان بخيبة أمل جراء الواقع الذي عاشاه في بلدهما وقررا خوض هذه الرحلة بأي تكلفة. وقال أحدهما إن نصف الرجال في المنطقة التي يعيش فيها بتونس فعلوا كل شيء، باعوا ذهب أمهاتهم، وكذلك الماعز والبقر في مزرعتهم، من أجل الحصول على المال المطلوب لشراء قارب، في الغالب من ليبيا. حاول هذا الشاب الوصول إلى أوروبا من تونس أربع مرات لكن محاولاته باءت بالفشل، وقال إنه سيحاول التوجه من ليبيا حينما يكون لديه أموال كافية. وفي حديثهما لنا، قال الشابان التونسيان إن تكلفة الرحلة تصل إلى 2500 دولار أمريكي، لكنهما لم يقدما المزيد من التفاصيل بشأن شبكة التهريب التي تسهل هذه الرحلة. الشاب الأصغر من بين الاثنين يبلغ من العمر 23 عاما، وهو يعقد العزم أيضا على التوجه إلى أوروبا لدرجة أنه كتب على أصبعه عبارة بالفرنسية لا يمكن محوها للتذكير وترجمتها "يجب أن أغادر". وقال "سمعت بهذا قبل الثورة الليبية أي أن الهجرة من ليبيا سهلة وأفضل من تونس. إذا أردت أن تهاجر من تونس، يكون لديك فرصة 50 في المئة للنجاح، لكن من ليبيا فإنها تقريبا 90 في المئة أو 80 في المئة". الهجرة عبر ليبيا الكثير من الأفارقة غادروا ليبيا بعد الاطاحة بحكم القذافي وأضاف "نصف (سكان) الشارع الذي أعيش فيه هنا في ليبيا هاجروا وتزوجوا الآن من فرنسيات ويعيشون في فرنسا واستثمروا في تونس ويعيشون حياة جيدة". وتابع "إذا عشت ألف عام أخرى في تونس، فلن تحقق أي شيء، لن يمكنك حتى الزواج وستعيش في فقر". وأشار إلى أنه لم يفكر في أي شيء سوى وسيلة للذهاب إلى أوروبا منذ أن كان عمره 16 عاما.السعي وراء العمل من المستحيل الحصول على أرقام ذات مصداقية حول عدد المهاجرين الذين يسافرون عبر ليبيا. لكن يعتقد بأن الأعداد تراجعت بعد الحرب وهذا لأنه خلال هذه الفترة اتهم العديد من الأفارقة في منطقة الصحراء الكبرى بأنهم مرتزقة حاربوا بجانب قوات القذافي. وفر الأشخاص الذين عاشوا وعملوا هنا لسنوات عديدة، حتى بطريقة غير شرعية، إلى بلدانهم الأصلية خشية اعتقالهم. لم يشعر هؤلاء بالأمان بعد انتهاء الحرب، ونادرا ما أصبحوا يظهرون في الشوارع. لكن الأفارقة من منطقة الصحراء الكبرى بدأوا الآن يظهرون في الطرق الملتوية في طرابلس أو أسفل الجسور في المناطق الشهيرة بحثا عن عمل كسباكين أو نجارين. وأقر رئيس الوزراء الليبي علي زيدان يوم الأحد بأنه يصعب على السلطات أحيانا السيطرة على نشاط الهجرة غير الشرعية، بالرغم من مدى إحكام السيطرة على النقاط الحدودية. جاءت تصريحات زيدان في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء المالطي جوزيف موسكات، الذي توجه إلى طرابلس لمناقشة هذه القضية. أوضح زيدان أن حكومته طالبت الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات بينها توفير "التدريب والمعدات والمساعدة في أن يسمحوا لنا بالوصول إلى نظام الأقمار الصناعية الأوروبية لمساعدتنا في تعزيز مراقبتنا لشواطئنا، وحدودنا البرية الجنوبية وداخل البلاد أيضا. وإذا حصلنا على ذلك، فإنها قد تكون مساعدة ثمينة للمراقبة". وخلال الأشهر الأخيرة، بدأ الاتحاد الأوروبي تقديم المساعدة للسلطات الليبية من خلال "استراتيجية متكاملة لإدارة الحدود". لكن من غير الواضح إلى أي مدى نفذت هذه الإجراءات أو ما إذا كانت حققت نتائج بالفعل. دائرة كاملة انعكس عجز ليبيا عن بسط أمنها الداخلي في حادثة اختطاف رئيس الوزراء نفسه لفترة وجيزة الأسبوع الماضي من قبل ميليشيا ترتبط بوزارة الداخلية لكن يصعب السيطرة على تحركاتها. وشكا المتحدث باسم وحدات دوريات الحدود البرية الليبية أحمد بشاير من عدم القدرة على التعامل مع حجم هذه المشكلة. وقال لبي بي سي إن وحداته اعتقلت العديد من الأفارقة من منطقة الصحراء الكبرى ورحلوا مهاجرين غير شرعيين عبروا من خلال الصحراء "يوميا أو أسبوعيا"، أو نقلهم إلى مراكز احتجاز. ووجهت لهذه المراكز، التي يشرف على العديد منها ميليشيات مرتبطة بالحكومة، انتقادات من قبل منظمات حقوقية بسبب المزاعم بتورطها في تجاوزات وعمليات تعذيب. وكانت المنظمات تعلن عن هذه شكاوى مماثلة خلال حكم القذافي. وخلال عهد القذافي، كانت هناك اتفاقية بين ليبيا وإيطاليا يتم بموجبها إعادة المهاجرين إلى ليبيا، حيث كانوا في أغلب الأحيان يحتجزون في السجن أو يرحلون على الفور على متن طائرات إلى بلدانهم الأصلية بدون فحصهم وتوزيعهم بين طالبي لجوء حقيقيين أو مهاجرين لأسباب اقتصادية. وتعرضت هذه الاتفاقية لانتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان. ولا يوجد في ليبيا تشريع يحدد طبيعة التعامل مع طالبي اللجوء. وينظر إلى قضية الهجرة منذ فترة طويلة باعتبارها مشكلة "لمراقبة الحدود". والسؤال الذي لا يطرح كثيرا هو ما الذي يمكن فعله في الدول التي يوجد بها مهاجرون محتملون لإقناعهم بالبقاء أو ربما فرصة للسفر من خلال قنوات شرعية قد لا تنطوي على مخاطر مميتة.