بغداد – نجلاء الطائي
نظمت دار الشؤون الثقافية العامة، في وزارة الثقافة العراقية، حفلة توقيع كتاب "ملحمة كلكامش"، لعالم الآثار العراقي، الدكتور نائل حنون، مع قراءة نقدية لأستاذ التاريخ القديم، الدكتور صلاح الصالحي، في حضور نخبة من الأدباء والأكاديميين وطلبة الدراسات العليا، حيث أدار الجلسة رئيس تحرير مجلة "المورد"، الدكتور علي حداد.
وتميزت الجلسة بعمق موضوعها، لأنها تناولت ظاهرة إنسانية تخص العراق، وهي "ملحمة كلكامش"، فمن قرأها وقرأ غيرها من "الإلياذة" و"الأوديسة"، وقارن بينهم، وجد الفرق الكبير في الوعي وذهنية الإنسان العراقي، الذي تميز عن غيره بصلته بمن حوله، فهو صاحب تجربة ووعي ويواجه الحكم فيغيره، ويتعايش مع فكرة الموت والحياة والخلود. وأشاد الدكتور علي حداد بهذه الدراسة، مبينًا أن لا تقل شأنًا وأهمية عن ترجمة "ملحمة كلكامش" إلى العربية، وهي أول ترجمة جديدة لهذه الملحمة من أصلها الأول "المسماري".
وشملت الجلسة توجيه العديد من الأسئلة والمناقشات مع الباحث، وكان من ضمن الحاضرين الباحث صلاح الصالحي، الذي قدم شكره وتقديره إلى الدار ومديرها، حميد فرج حمادي، وتوجه بالسؤال عن حقيقة "كلكامش"، وهل هو حقيقة أم مجرد أسطورة من الأساطير؟، كما أشار إلى المرأة في هذه الأساطير، التي اكتشفت الحياة والزرع والنماء، وعلمت "كلكامش" الزراعة من خلال تساقط البذور، وبذلك تكون ساعدت على الاستيطان وساهمت في نقل "أنكيدو" من الغابات والمعيشة الحيوانية إلى التمدن والاستقرار. وذكر إن كل من "أنكيدو" و"كلكامش" قدم تنازلاً، بعد أن كان لهما شخصية ويبحثان عن الجبروت والحياة.
وعلى هامش الجلسة، قدم رئيس جامعة عدن السابق، الدكتور عبد الكريم يحيى راصع، شكره وتقديره إلى الدار والاستضافة الجميلة من قبل مديرها العام، حميد فرج، والباحث نائل حنون، وشهد له بحسن الأسلوب والأمانة العلمية، وتطرق إلى الملحمات المتعددة، واعتبر هذه الدراسة أول تجربة لترجمة الملحمة من النص المسماري إلى العربية مباشرةً، وأعطى أمثلة على اهتمامه بالحوارات مع الآلهة، وأن النصوص الإلهية هي أول ما وجد في أرض العراق، وهذه الدراسة تجعل المتلقي يشعر بقصة موت "كلكامش" وخلوده.
وضمن منهاج الجلسة، تمت الإجابة على أسئلة الأدباء بطريقة سلسلة ومثيرة للانتباه، تناول فيها الأستاذ حنون تحليلاً لغويًا للنص الأكدي، الذي تميز بسحر خاص جعله من أشهر القطع الأدبية في العالم القديم، قبل ما يقرب من أربعة آلاف عام، حيث يقدم نموذجًا متميزًا في دراسة نص لا يعد من النصوص الطيعة لأي باحث، فمنذ أن أعيد اكتشاف الملحمة في العصر الحديث حتى تجلى ما تميز به هذا النص من حبكة وعمق، في موضعه وبنيته وأسلوبه، ففي ملحمة "كلكامش" وُظفت الأسطورة مع الواقع لخلق أفق رحب.
ومنذ اكتشاف أول قطعة من ملحمة "كلكامش"، قبل أكثر من 130 عامًا، وحتى يومنا هذا، يتوالى اكتشاف كسر الألواح في المواقع الأثرية في كل من العراق وسورية وفلسطين وتركيا، ومع هذه الاكتشافات تواصلت جهود علماء الآثار في أوروبا وأميركا وأرجاء أخرى من العالم، لدراسة النص المسماري للملحمة وترجمتها إلى اللغات الحية. وفي ختام الجلسة، قدم الباحث شكره وتقديره إلى الدار ومديرها العام، وامتنانه للدكتورة رهبة أسودي حسين، لطرحها أفكارًا تساهم في تطوير الثقافة والمعرفة في العراق، كما قام بتوقيع العديد من نسخ دراسته وإهدائها إلى مدير الدار والحضور.