لندن ـ برس
في "للقلوب أيضًا ذاكرة" وهو عنوان مجموعة الشاعرة اللبنانية الشابة رشا مكي قصائد تتميز بانها فيض من الحزن والحب وقد كتبت بشعرية مؤثرة موحية. كلمات الشاعرة تتسم غالبًا بهدوء يسيل ايحاء وموسيقى خفيفة النبض حزينة في معظم الأماكن مع قدرة على الثورة والتمرد أحيانًا دون مبارحة الايحاء. على الصفحة الاخيرة من غلاف المجموعة نموذج من قصائد رشا مكي. تقول الشاعرة "سأترك بعض عطري هنا كي لا تشعر/ بالوحدة ان اتيت في غيابي/ هنا في فضاء حواسك سأزرع ألف وردة/ لن ادع مساحة لخطوات امرأة اخرى. "فيا عاشقي ويا ملهمي/ ويا سيد الكلمات/ تنفس عبق انفاسي وامتزج بهالات/ السحر التي اضيئها لك/ زمن التصحر العاطفي انتهى/ وها غيمي يتحضر ليروي ارضك بالفرح/ فكن حبري وعطري وسري/ وكن شهقة الدهشة في كل زفراتي." وردت المجموعة في 104 صفحات متوسطة القطع وصدرت عن دار الحكمة في العاصمة البريطانية لندن. مقدمة المجموعة كتبها الكاتب اللبناني محمد سرور الذي استهل كلامه بالقول "عندما اردت الكتابة عن رشا مكي احترت من اي الجهات أبدأ. هي الصبية التي تحمل طيب الريف وجمال طبيعته ورقته.. تنتقل بين افياء شجره وصخوره الشامخة كقامات مجد متوارث. "يكفيها ذلك لكي تقطف الخاطرة من عنق الغيمة.. كيف وان ترافق ذلك مع تخصصها بالأدب الفرنسي الذي منح حواسها وخيالها بعدا لا يصله الا المحظوظون من أهل القلم كأنها لقّحت ذاكرتها بنبيذ الدوالي المخضبة بنشوة الحرف العريق حين صار للمشهد روح تثب من صميم كيانها الاصيل... نصوص رشا مكي صغيرة وكثيفة المعنى تكاد الجملة في عالمها تصير نصا مكتمل القصد." من القصائد الاولى واحدة صغيرة حملت عنوان (مجرد سؤال) وفيها قالت الشاعرة بدفء لا يطاله الصقيع "كيف لصقيعك ان يروض هذا المساء/ ولا شيء فيك يشبه رقة القلوب الدافئة؟/ ملهمي/ رائع انت .. تستفز بي جنون الشعر /وتمنح مسام القلب شهية الكتابة." في قصيدة (ثمن الخيانة) حزن وأسى وشعور اقرب الى شعور خانق بالطعنة. تقول رشا مكي /عدني الا تفتقدني كثيرا/ كانت ستقولها قبل ان تمضي/ وقلبها مدمى لاجله/ ولكن صوت ضحكته الواثقة/ وهو بصحبة امرأة اخرى/ استقر كرصاصة مفاجئة في حنجرتها/ قاطعًا اوتار صوتها وصمتها." في (عطش عاطفي) تقول "لم اتبع الوهم كثيرا/ وكنت ادرك انك محض سراب عاطفي/ ولكن جنونا بي كان يدفعني للبقاء/ فوجدتني اعبر صحراء حبك/ لاظل وحيدة عطشى على اعتاب الذكريات." وفي قصيدة (فخامة الحزن) تقول رشا مكي "هو الحزن .. سيد الرقي/ اختار قلبك كي يوزع عليه امنيات عاشقات عابرات/ دون ان يدري ../ ان روحك ادمنت هذا التحدي وهذا الحنين المؤجل/ فيا سيدي .. كل الكلمات التي لم اكتبها: انت ../ فكن سعيدًا كي اكتب ذاكرتي بك." في قصيدة (في وصف الذاكرة) شيء من البعد عن عالم الحزن والحب ونوع من النقمة حيث تقول بشعرية اقل من القصائد الاخرى وبنوع من التقريرية المقبولة "مستبدة../ مجرمة../ انتهازية../ حمقاء../ قنبلة حنين../ هي الذاكرة." في قصيدة (مطر العيون العاشقة) عودة من الشاعرة الى موضوعاتها الاثيرة اذ تقول "يغيب المعنى عن ذاكرة النص/ لان ذاكرة واحدة لا تتسع لها/ بل تحتاج مساحة وطن تسكن فيه/ كي ينهار البكاء على عتبة الليل الاسود/ ويقرأ الجنون مواسم المطر العاشق لشتاء عينيها." وفي قصيدة (عابر الحزن) تقول الشاعرة "هذا اليوم. مر كعابر حزن/ يستجدي من ذاكرتي ملامحك/ ومن شرفات روحي لمسة وردك/ يعرف كما اعرف انك لن تأتي/ يختصر عرق الخيبة من جبهة كلماتي/ على ثمالة تصيبه فينسى وحدته/ غائب عن الحب/ صائم عن اللهفة/ يرتب جدول مواعيد جنونه المنتظر." في (رصاصة طائشة) تقول "خذ كل هذا الدمار/ ذاكرتي ليس بها متسع للحزن/ خيالي ارهقته اشلاء الحلم التي صارت شظايا." وربما كتبت افكارا في صور شعرية مختصرة كما في قصيدة السطرين التي حملت عنوان (الخاطر المكسور) حيث قالت الشاعرة "لكسر الزجاج صوت فاضح جدا/ وحده كسر الخواطر .. يؤلم بصمت." وفي قصيدة قصيرة اخرى هي (عودة الامل) تقول "لا تصادروا منا الحلم/ غرباء نحن على حافة العمر/ نخاف ان نسقط في الفراغ/ ان اصبحنا يوما عراة من الامل." وفي قصيدة سطرين اخرى عنوانها (خبز ومقبرة) تطلق فكرة او حكمة فتقول "الثقة خبز العاشقين /والشك مقبرة الحب." في (الغياب القاتل) ذات السطرين صورة فذة موحية تقول فيها الشاعرة "كانت سترتدي غيابك كفنا/ لكنها اختارت الموت عارية من ذنوبها." وفي عودة من الحزن الى الحب وفي قصيدة عنوانها (لا وقت للحب) تقول "عذرا ايها الحب/ انا دائما اصل متأخرة/ او ربما لا آتي ابدا/ فلا تقفل ابوابك باكرا/ ولا تنزع الورود/ التي عربشت على الشرفات/ فربما خطر ببالي/ ان احتفل يوما ما/ لكن ليس الآن.