دمشق-سانا
ذهب المخرج ثامر العربيد في إشرافه على مسرحية “جسور” كمشروع تخرج طلاب السنة الثالثة تمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية إلى توليفة عالية من الأداء الجماعي عبر اشتغاله مع مساعده المخرج عروة العربي على تقديم الغروتيسك كأسلوب جامع لكل أنواع الشخصيات النمطية التي قدم من خلالها الطلاب عرضا يضج بحيوية الممثل ورشاقته وقدرته على توزيع جهده متساويا مع جهد شركائه على الخشبة.sana
ونزعت مسرحية جسور التي تختتم مساء اليوم عروضها على مسرح فواز الساجر في المعهد طاقة لافتة لدى طلاب الصف الثالث من خلال اشتغالهم على الارتجال الجماعي ومساهمتهم في كتابة أدوارهم التي عملوا فيها مع أساتذتهم على تقديم قراءة متوازنة وذكية لنص قضية أنوف للكاتبة المكسيكية ماروشا بيلالتا وهو النص الذي أثرت فيه الكاتبة الإسبانية الأصل تقديم تشريح لواقع بلدان العالم الثالث وحروب مجتمعاتها بطريقة هزلية وساخرة تنتقد عبثية هذه الحروب التي تديرها الدول الكبرى عبر التغرير بالشعوب وإيقاعها فريسة سهلة للاقتتال الداخلي.
وتروي مسرحية جسور حكاية بلدة خرافية يدب الصراع بين أبنائها من أجل خلاف ينشب صغيرا وباهتا بين أصحاب أنوف قصيرة وطويلة في محاكاة كاريكاتورية لواقع النزاعات المسلحة والدموية التي تنشأ من مماحكات تافهة لتتطور ساحبة معها الجميع نحو الجحيم والدمار وخراب ذات البين إذ استطاع طلاب التمثيل أن يقدموا عرضا كوميديا لاذعا في هذا السياق استنفروا عبره أدواتهم الانفعالية والحركية الجسدية على امتداد ساعة ونصف الساعة من زمن العرض.
الدكتور العربيد عميد المعهد العالي للفنون المسرحية قال لـ سانا.. “إننا في المعهد كأساتذة وطلاب نسعى إلى تهيئة الطالب منذ سنواته الأولى وإطلاعه على شتى المدارس المسرحية التي من شأنها تعزيز قدراته وملكاته وتهيئته لدخول عالم الاحتراف ولهذا كان عرض جسور الذي اشتغلنا عليه مع الطلاب لتطوير مساحة الارتجال الجماعي وإشراك طالب التمثيل في كتابة شخصيته ودفعه للمساهمة في تصور شكلها وعالمها النفسي والفيزيولوجي”.sana.jpg0
وكشف العربيد عن أن النص الأصلي تعرض للكثير من الإعداد والتقليص من عدد شخصياته التي تبلغ في نص الكاتبة المكسيكية ثماني وعشرين شخصية إضافة للتعديل على مشهد النهاية الذي كان مفتوحا على استمرار النزاع بين أصحاب الأنوف الطويلة وخصومهم من أصحاب الأنوف القصيرة لنترك في العرض فسحة من أمل أن الحب هو القربان الذي يهدي الجميع في النهاية إلى ضوء المحبة والالتفاف حول الوطن.
الفنان وائل رمضان قال..”إن العرض اشتغل على طريقة مسرح الشارع الكوميديا ديلارتي وهو عرض ينافس العروض الاحترافية بل يفوقها في كثير من المواضع من جهة انسجام الممثلين كفريق وقدرتهم على التنويع بلا نهاية على الكاركتر أو الشخصية النمطية إلى جانب الطاقة العالية لدى جميع الممثلين في إدارة اللعب الجماعي دون أن يخفت الإيقاع ولو للحظة بل بقيت جذوة العرض في مستوياتها العليا بسبب إصرار وحماسة الطلاب وتمكنهم من الإمساك بأساليب الغروتيسك ومبالغاته المثيرة”.
وأضاف الفنان رمضان.. إن جسور أعاده إلى الأيام الخوالي أثناء دراسته في المعهد على أيدي أساتذته وخصوصا الفنان الراحل فواز الساجر الذي كان من أهم الفنانين الذين اشتغلوا بحرفية وعلمية على مفهوم الغروتيسك في العروض المسرحية متمنيا على إدارة المعهد تمديد فترة العروض لمسرحية جسور أو الانتقال بها للعرض على مسارح القومي بدمشق وبقية المدن السورية.
من جهته قال الطالب بلال مارتيني عن مشاركته في هذه المشروع ..”هي تجربة أستطيع القول عنها أنها تنتمي إلى السهل الممتنع ويمكن أن تكون من أوائل المرات التي تقدم فيها عرض غروتيسك كاملة في سورية من خلال الطلاب وهذا كان مصدر قلقنا في الدفعة فهي تجربة صعبة للغاية مثلما هي بسيطة وسهلة في آن معا فالممثل من خلالها يجرب أكثر من نوع أداء وشكل حتى يصل إلى النتيجة المطلوبة”.
وأضاف مارتيني.. نوع الأداء في الغروتيسك يتطلب من الممثل أن يكون حاملا لشكل وجيستات كرتونية لكن في داخلك هناك فيض ومشاعر إنسانية أكثر منها في شخصيات المسرح الطبيعي أو الواقعي وهذا صعب للغاية ويتطلب جهدا وطاقة عالية من الممثل ليحافظ عليه أنا شخصيا استمتعت كثيرا بأداء شخصيتي ريكاردو وحاولت تقديمها بطريقة مختلفة ومغايرة عن النص ويبقى الشكر للأستاذ المشرف العربيد الذي ترك لنا مساحة التجريب مع الأستاذ العربي واللذين بذلا جهدا كبيرا معنا في هذا السياق.
ويركز عرض جسور على فكرة مسخرة الشخصيات الاعتبارية من داخلها وتقديمها كعبرة إنسانية عبر تحويل الشخصية المؤداة إلى تقنية فن رسم الكاريكاتور لتعبر بالتالي عن مضمون قاس وعنيف بأسلوبية مرحة وضاحكة تخفي نقدا اجتماعيا وسياسيا في جوازات أزيائها وأفعالها وردود أفعالها وقدرتها على تنميط سلوكها كشخصيات مؤسلبة تعاملت في العرض مع قطع ديكور سهلة وسلسة للتعبير عن اختلاف المناظر واللوحات تبعا للحالات الدرامية التي يقدمها النص.sana.jpg1
وتميز عرض جسور بارتجال مواز لارتجال الممثلين على الخشبة تمثل بجهد نوعي ولافت للموسيقيين الذين قاموا بتقديم نوع من الأداء الموسيقي الحر والتجريبي عبر شراكة فنية بين الممثل والموسيقا وذلك من خلال جهد كل من الفنانين سيمون مريش إيقاع/ نزار عمران ترومبيت/ وسام الشاعر أكورديون/ لتكون الموسيقا جزءا من بنية العرض وليس كعنصر تزييني أو زركشة للفضاء الصوتي ولتسهم إلى حد كبير في كتابة حركة الممثل والتعليق على أفعاله ومفارقاته الضاحكة.
يذكر أن عرض جسور من إنتاج وزارة الثقافة وهو من تمثيل كل من الطلاب.. / بلال مارتيني- ريكاردو/../ أديب رزوق-ريبرتو/../نوار الدبس-ليو/../ سهير صالح-ثيثيليا/../ سيرينا محمد-أغاليا/../ معن رافع- سبيرو/../ مروان خلوف- أوليسيوس/../ لما بدور- أغاثا/../ مجدي المقبل-أنطونيو/../ مروة الأطرش- برخينيا/../ يارا الدولاني- دونا أنخيلا/..ماهر أبو مرة-الحانوتي/../ ياسر البحر- الطبيب الشاعر/..والعرض صمم له الديكور طلاب قسم التصميم المسرحي بإشراف هاني جبور وتنفيذ منى مرستاني فيما صمم الأزياء مارال ديرأرا كليان/.. ونفذتها رؤى خصيروف/ مكياج هشام عرابي ولين العربيد بينما صمم الإضاءة قسم التقنيات المسرحية بالمعهد بإشراف مجد ديب وتنفيذ كل من عابد ورد وأسعد سنديان وفادي نصراوي وفراس العربيد وشارك في إدارة المنصة كل من غيث بركة وخالد شباط وبشار أبو عاصي.