وسط تنامي المخاوف بشأن مسار الاقتصاد اللبناني الذي يترواح الدين العام للدولة فيه بين 55 و56 مليار دولار،لاح بريق أمل لدى اللبنانيين  بعد  استكمال  الخطوات  التشريعية  والقانونية  الكفيلة  بالاستثمار في  قطاع  النفط حيث  بإمكان  لبنان القيام بأول عملية تنقيب في هذا القطاع العام 2015 خاصة وان لبنان يصرف 15 بالمائة من ناتجه القومي على استيراد المحروقات. وكشف السيد جبران باسيل وزير الطاقة والمياه اللبناني في تصريح له مؤخرا ان بلاده أنهت المسوحات البحرية حيث يتم حاليا تحليل هذه المسوحات التي تظهر أن هناك كميات واعدة جدا من النفط ،لافتا الى ان لبنان انهى التشريعات والتحضيرات اللازمة التي تهيئ الشركات لتكون موعودة بمناخ استثماري جيد حيث من المقرر ان يتم توقيع اول عقد للبدء بالتنقيب عام 2014" على ان تبدأ عملية التنقيب في عام 2015  . ولعل ابرز التطورات في سياق هذا الملف هي الزيارة التي قام بها الرئيس القبرصي ديميتريس كريستوفياس الى لبنان في شهر يناير الجاري والتي بحث خلالها مع كبار المسؤولين اللبنانيين وعلى رأسهم رؤوساء الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي والنواب نبيه بري ملف النفط والغاز ، حيث جاء التأكيد من الجانب القبرصي ان لدى لبنان مشكلة بالأطماع الإسرائيلية في هذا الموضوع وان قبرص طرف وسيط في النزاع. وتشوب هذا الملف مشكلة تقنية تعتبر قبرص طرفا فيها حيث تكمن المشكلة في تثبيت حدود لبنان الدولية البحرية وحقه في ثرواته الطبيعية النفطية والغازية ضمن حدود منطقته الاقتصادية الخالصة جراء خطأ في الترسيم البحري ما بين قبرص وإسرائيل الذي جاء على حساب لبنان ويهدد بتضييع مساحة بحرية على لبنان تزيد عن 850 كيلومتراً مربعاً، وهو ما يثير أزمة في هذا الملف خاصة في ظل التهديد الإسرائيلي الدائم لحقوق لبنان النفطية . وجاء تسارع الاهتمام بموضوع استثمار الثروة النفطية في لبنان بعد الإعلان عن اتفاق إسرائيل وقبرص على التنقيب في مياه المتوسط في ظل محاولات اسرائيلية للالتفاف على جزء من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان وضمها اليها ومن هنا تأتي اهمية التنسيق بين لبنان وقبرص في هذا الملف حيث كان لزيارة الرئيس كريستوفياس اصداء كبيرة كون قبرص طرفا معنيا . وقد اتفق كل من الرئيسين اللبناني والقبرصي على ضرورة تعزيز التعاون بين البلدين في مجال النفط والغاز المتوافرين في المناطق البحرية لبلديهما اضافة الى زيادة التنسيق والتعاون والاتفاق على آليات لاستخراج الثروة النفطية في الحدود البحرية المشتركة. واكد الرئيس القبرصي خلال زيارته على ان بلاده تحاول لعب دور الوسيط في اطار النزاع بين اسرائيل ولبنان في ملف النفط مؤكدا ان لا خلاف بين لبنان وقبرص في ملف النفط والغاز الموجود في البحر بين البلدين. واعرب عن رغبة قبرص للتعاون مع لبنان من اجل استغلال الغاز الموجود في البحر بين البلدين لافتا الى ان  قبرص قدمت اقتراحا للبنان منذ شهر مارس الماضي من اجل الاستغلال المشترك للغاز الموجود بينهما. وعلى الرغم من الخلافات التي تشهدها الساحة السياسية اللبنانية جراء ملفات متعددة ومنها اقرار قانون الانتخاب والجدل بين الافرقاء على خلفية تداعيات الازمة السورية بين مؤيد للنظام ومعارض لها ، الا ان الحكومة اللبنانية أقرت خلال الاشهر القليلة الماضية قانون النفط والمراسيم التطبيقية لقانون التنقيب عن النفط اضافة الى تعيين اعضاء هيئة ادارة قطاع البترول. ويرى مراقبون ان اكتشاف الغاز في المياه الاقليمية اللبنانية هو حدث في حد ذاته، لكن اهميته تتزايد بربطه بقطاعات انتاجية اخرى بما يمكن ان يسهم في تحقيقه من تنمية مستدامة ولبنان بحاجة ماسة اليها. ويسود القلق عند اللبنانيين من ان تسيطر المحاصصة والفساد على هذا الملف بما يحرمهم من الاستفادة الحقة من هذه الثروة التي يجب ان توجه لتنمية مستدامة بما يصب لمصلحة المواطنين والنهوض بالاقتصاد وحل مشكلة الدين لا ان تقتصر الفائدة منها على فئة محددة. وعلى الرغم انها ليست المرة الأولى التي يفتح فيها لبنان موضوع التنقيب عن النفط كون توقعات احتمال وجوده تعود الى منتصف الأربعينيات عندما بدأت محاولات حفر بئر تجريبية في المنحدر الغربي في جبل تربل شمال مدينة طرابلس شمال لبنان ، وفي الماضي القريب عندما أحيت نتائج المسح الزلزالي للشواطئ الإقليمية اللبنانية العام 2003، آمال وجود النفط ومعادن أخرى عدة مناطق لبنانية، الا ان اللبنانيين يعتبرون هذه المرة ان حلمهم اصبح اكثر واقعية مع استصدار الخطوات العملية لذلك. ويبقى السؤال هل تحظى الأجيال المقبلة بفرصة التنعّم بـ"ثروة لبنان النفطية"، التي سوف ترسم مستقبله الاقتصادي والسياسي على حد سواء ام تتحول هذه الثروة المنتظرة الى مدار جدل بين السياسيين وتخضع لنظام المحاصصة الطائفية في هذا القطاع ويحرم لبنان من دخول نادي الدول النفطية.