الرياض ـ العرب اليوم
تعاني شركات المقاولة الصغرى والمتوسطة في السعودية عدة تحديات قد تتسبب في إغلاقها أو تحويل نشاطها أو رفع الأسعار إلى مستويات كبيرة لرفع العائد نتيجة المشاكل التي يواجهونها، وأكثر المشاريع التي تقام محليا وخصوصا السكنية منها هي من إنتاجية المؤسسات الصغرى والمتوسطة، ويواجه بعض ملاك المؤسسات صعوبات كبرى من أجل قيادة مؤسساتهم إلى بر الأمان والربحية، ولم تلق حاجة القطاع العقاري لمزيد من شركات المقاولة بظلالها إيجابا نحو تحسين وضع تلك المؤسسات التي تعتبر الهيكل العظمي لقطاع الإنشاءات.
وتنوعت متاعب هذه المؤسسات ما بين قلة العمالة الوافدة عند الرغبة في الاستقدام وما بين تسرب العمالة نحو المشاريع والشركات الأكبر التي تدفع أكثر، إضافة إلى تأثير فترة تصحيح أوضاع العمالة التي انتهت العام الماضي ولا يزال أثرها باقيا حتى هذه اللحظة، كما أن لضعف قدرات العمالة الوافدة دورا في تأخر نمو المؤسسات نظرا لعدم إخضاع وزارة العمل الوافدين لمقياس معين لاختبار كفاءتهم وقدرتهم على العمل الإنشائي.
قال إبراهيم الدواس الذي يمتلك مؤسسة إنشائية صغيرة، إنه يدير قرابة الـ9 عمال استقدمهم على أساس أنهم محترفون، إلا أن الواقع بقول غير ذلك، حيث إنهم يجهلون العمل في مجال الإنشاءات رغم اشتراطه عند التقديم لدى شركة الاستقدام، أن تكون العمالة سبق وأن مارست العمل العقاري وهو الأمر الذي دفع من أجله أموالا إضافية ليظفر بالعمالة الملائمة، إلا أنه وعند استقدامهم اكتشف أنهم لا يحسنون أي نوع من أعمال المقاولة وأنهم مجرد قوى عاملة لا تتميز عن غيرها أبدا، وهو الأمر الذي كلفه الكثير من الأموال نتيجة تحمله بعض الأخطاء التي يقعون فيها، الأمر الذي أجبره على تعيين مهندس متمكن بنسبة مجزية ليعلم هؤلاء العمالة أصول العمل في الإنشاءات وهو ما انعكس سلبا على ميزانيته التي بدأت تتناقص في سبيل إعداد فريق عمل جيد يمكنه تولي المشاريع والقيام بها.
وأضاف: «معظم دول العالم خصوصا الدول الناشئة القوية اقتصاديا والتي تحتاج إلى المشاريع الجبارة تسن قوانين لا تستقدم بموجبها إلا المحترفين في مجال البناء وتقيس قدراتهم عبر اختبارهم قبل دخولهم البلاد، لأنها لا تمتلك الوقت والجهد والمال لتعليمهم خصوصا أن سوق العمال هو عالمي بالدرجة الأولى بمعنى أن طلبك لهذا النوع من العمالة لن يكون من الصعوبة توفيره»، لافتا إلى أن المملكة ورغم مكانتها الاقتصادية العالية وحاجتها الماسة لإنشاء المشاريع الضخمة وأهمها مشاريع وزارة الإسكان، فإنها لم تتقيد بالشكل المطلوب بشروط لا تستقدم بموجبها إلا لمن سيضيف للبلد وليس العكس.
ويشهد قطاع البناء في السعودية طلبا متزايدا في دولة تعيش عصرا ذهبيا في قطاع الإنشاءات، في ظل الإعلان عن المشروعات الكبرى التي تزيد الطلب على العمالة، إلا أن السوق كانت وما زالت تعاني قلة العمالة الماهرة المؤهلة، نتيجة ضعف إمكانات العمالة المؤهلة القادرة على البناء بالشكل الاحترافي، خصوصا أن معظم العمالة المستقدمة للعمل في هذا المجال لم يسبق لهم العمل أبدا فيه، بمعنى أنهم يكتسبون الخبرة هنا ومن ثم يغادرون للبحث عن العرض الأفضل وهو ما يكلف المؤسسات ثمنا غاليا.
وفي الموضوع ذاته، كشف مشعل الغامدي، وهو مستثمر في قطاع الإنشاءات، أن أكثر من 75 في المائة من المشروعات بالسعودية قامت بها المؤسسات المتوسطة والصغيرة، مما يعني أن وجودها على الخارطة العقارية مهم للغاية، وأن من يلجأ إلى الشركات الكبرى هم أصحاب المشروعات الكبرى أو الحكومية، وهم نسبة قليلة من إجمالي المشروعات التي تقام، مبديا استغرابه من تشدد وزارة العمل في منح تأشيرات لأصحاب مؤسسات المقاولة خصوصا الصغرى والمتوسطة ومساواتها بغيرها من الأنشطة التجارية الأخرى، موضحا أن لقطاع المقاولات حسبة خاصة بحيث أن الشركة التي يقل أفرادها عن 20 فردا فهي خاسرة لا محالة، نظرا إلى أن المشروع الواحد يحتاج إلى هذا العدد وأن 5 عمال لا يستطيعون بناء بنايتين على أقل تقدير، رغم توفر الطلب بكميات مهولة إلا أن الإمكانات محدودة إلى حد كبير.
وزاد الغامدي «الشركات الكبرى لا تعاني أي مشكلة في هذا الصدد لكن الخوف على مستقبل الشركات المتوسطة والصغيرة التي قد تواجه خيارات سيئة قريبا، قد يصل أسوؤها إلى حد الإغلاق وأقلها الحد من النشاط، وهو سيناريو سيئ إذا حدث؛ لأنه سيؤثر بشكل مباشر في خزانة المؤسسات، خصوصا أن البلاد تحتاج توسيع عمليات الإنشاء لمواكبة الطلبات المتزايدة، في دولة تعيش نهضة عمرانية شاملة، وأن من أكثر المشكلات التي يواجهونها تسرب العمالة إلى المشاريع الكبرى التي عادة ما تكون جاذبة لهم رغم التشدد الحكومي في هذا الأمر، إلا أنه يراهن بأن قطاع المقاولة يتصدر الأنشطة العقارية الأخرى في تسرب العمالة»
وتعتمد كثير من دول العالم خصوصا العظمى بشكل رئيسي على المنشآت الصغيرة والمتوسطة في دعم الدخل القومي للبلاد، حيث إنها تسخر لها الإمكانات اللازمة والدعم لتبذل أقصى مجهودتها لرفع الناتج المحلي للبلاد، إلا أنها لا تزال تحت المأمول في الدول العربية ومنها السعودية، وكانت وزارة العمل السعودية قد أعلنت أن نسبة توظيف المشاريع الصغيرة والمتوسطة في السعودية لا تزيد على 51 في المائة من إجمالي القوى العاملة في البلد، وهي نسبة قليلة مقارنة بمعدل توظيف هذه المنشآت للعمالة والبالغ 69 في المائة في البلدان المتقدمة، و60 في المائة في البلدان الناشئة، وقليلة مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 64.5 في المائة، والأسوأ نسبة توظيف السعوديين في هذه المشاريع التي لا تزيد على 9 في المائة من إجمالي عدد العاملين فيها، (11 في المائة في بعض الإحصاءات).
وفي صلب الموضوع أشار عبد الله الهزاني الذي يدير مكتبا للاستشارات العقارية، إلى أنه ورغم انتهاء المهلة التصحيحية مطلع العام الماضي، فإن آثارها لا تزال باقية على المؤسسات الصغرى والمتوسطة حتى هذه اللحظة وخصوصا المقاولة، التي تشتهر بأنها أكبر جاذب للعمالة المخالفة فيما مضى، بمعنى أن عودة الوضع المالي لتلك المؤسسات مرهون في عودة واستقرار العمالة الذين لا تزال المؤسسات الصغرى والمتوسطة محليا تعاني في توفيرها، وهو الأمر الذي يحمل المالك مبالغ كبيرة قد يتحملها من أجل العبور بالمؤسسة لبر الأمان ومن ثم الربحية، أو إغلاقها واستبدال النشاط وهي منتشرة إلى حد ملاحظ وتسببت في ارتفاع قيمة خدمات شركات المقاولة النظامية ذات الكثافة العمالية التي تعيش انتعاشا كبيرا في أرباحها.
وبحسب تقرير حكومي، فإن نسبة المنشآت الصغيرة والمتوسطة العاملة 71 في المائة فقط، و29 في المائة منها مغلقة بسبب مشكلات مالية وتمويلية، وتشير الإحصائيات إلى أن عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة أو الناشئة في المملكة يزيد على 550 ألف منشأة، يعمل بها أكثر من 4.5 مليون عامل، وتقدر الاستثمارات المالية لهذه المنشآت بنحو 250 مليار ريال، تستوعب 82٪ من القوى العاملة في المملكة، ورغم أن المملكة بدأت منذ عدة أعوام بالقيام بخطوات لإعادة الهيكلة ومساعدة المنشآت الصغيرة والمتوسطة فإن مساهمتها في إجمالي الناتج المحلي ما زالت متدنية مقارنة بالنمو الاقتصادي الذي تشهده المملكة أو الدول ذات الاقتصاديات القوية.