أنقرة - العرب اليوم
خسرت العملة التركية أكثر من ثلث قيمتها مقابل الدولار هذا العام، ويتم تداولها عند مستوى قياسي منخفض، وفِي مسارها ترقى إلى الانتحار الاقتصادي.
ويأمل المستثمرون أن يلملم حديث أردوغان جراحهم التي تكبدوها جراء السقوط الحر لليرة التركية، وإعلان بدء خطوات تبث الطمأنينه في نفوسهم، إذ لم يتطرق لأي من ذلك، وقال" إن بلاده ستنتصر في الحرب الاقتصادية، ولكن الانتصارات الاقتصادية لا تكون عبر الخطابات السياسية وحدها".
سبب الهبوط
وقال الشريك المؤسس لأكاديمية ماركت تريدر الأميركية لدراسات أسواق المال عمرو عبده لـ"العربية.نت"،" إنّ التدخل السياسي في إدارة الملفات الاقتصادية يعتبر أحد أسباب هبوط الليرة، حيث يوجد صراع خفي بين القادة السياسيين ومسؤولي السياسات النقدية، والبنك المركزي التركي، من بينها ما يتعلق بأسعار الفائدة".
وجاءت تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب لسوء الحظ لتزيد متاعب الليرة وتعمق الانهيار، حيث أعلن فرض رسوم على صادرات تركيا لبلاده من الفولاذ والألمنيوم.
وقال ترمب عبر حسابه على تويتر" لقد وافقت للتو على مضاعفة الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم، في حين تنزلق عملتهم، الليرة التركية، متراجعة بسرعة مقابل دولارنا القوي جدا، ستصبح رسوم الألمنيوم على تركيا 20% ورسوم الصلب 50%".
وعقب هذه التصريحات تفاعلت الليرة على نحو جديد وفاقمت خسائرها ليصل الدولار إلى 6.61 ليرة، لترفع من خسائرها إلى أكثر من 25%، في جلستي الخميس والجمعة وحدهما، ونحو 19% الجمعة.
وفقدت الليرة التركية نحو ربع قيمتها مقابل الدولار خلال الشهر الماضي.
الأصول التركية
وقال مارك جيلبرت الذي يغطي إدارة الأصول في وكالة بلومبيرغ " إن هبوط الليرة التركية يدفع المستثمرين للنظر بعين القلق للاقتصاد، ويزكي مخاوف التمسك بالأصول التركية، خاصة في ظل الصراع الدائر حول السياسة النقدية للبلاد، وتمسك أردوغان بأسعار فائدة منخفضة، والتي تثير مخاوف المستثمرين وتقوض جهود البنك المركزي الذي من المفترض أنه يحظى بالاستقلالية الكاملة في مكافحة مستويات التضخم المرتفعة".
وأبقى البنك المركزي التركي في اجتماعه الشهر الماضي، أسعار الفائدة دون تغيير عند 17.25%، فيما كان تدور توقعات الاقتصاديين حول رفع مستويات الفائدة إلى 18.75%، ومع ارتفاع معدل التضخم إلى 15.85% إن هذا يجعل سعر الفائدة الحقيقي أقل من 2%.
وتعاني المؤسسات المحلية التركية من وضع متأزم، إذ لديها أكثر من 40 مليار دولار من السندات والقروض المقومة بالدولار واليور والتي تستحق في عام 2020، وفقاً للبيانات التي جمعتها وكالة بلومبيرغ.
ويفاقم كل هبوط في الليرة التركية أوجاع ومتاعب هذه المؤسسات، لأنه يجعل خدمة هذه الديون أكثر تكلفة.
وتقدر ديون البنوك الأجنبية إلى تركيا بنحو 224 مليار دولار، وفقا لبيانات البنك الدولي للتسويات.
وكشف الشريك المؤسس لأكاديمية ماركت تريدر الأميركية لدراسات أسواق المال عمرو عبده أن بيانات البنك المركزي التركي، بلوغ العجز مستوى قياسيًا في الربع الأول من العام الحالي بلغت 96% على أساس سنوي، وخلال آذار / مارس الماضي فقط بلغ مستوى العجز 54%، وهذا يعتبر من بين أسباب هبوط الليرة، حيث لم تنجح الحكومة في السيطرة على مستويات العجز المتفاقمة.
المشكلة تتفاقم
ومع فرض الولايات المتحدة عقوبات تطال أنقرة بسبب احتجاز القس الأميركي بتهم تتعلق بالإرهاب، والتي تقول واشنطن إنه بريء منها فإن المشاكل الاقتصادية تتفاقم في تركيا.
ودفعت بنوك استثمار عالمية غرامات تبلغ قيمتها 6 مليارات دولار تقريبًا إلى المنظمين الأميركيين لممارسة الأعمال التجارية بالدولار مع دول مثل إيران، ومن غير المحتمل أن تخاطر المؤسسات والبنوك العالمية بتكرار ذلك مع تركيا، ما يعني ضعف التمويل من البنوك والمؤسسات العالمية لتركيا الحكومة أو المؤسسات المحلية، وفي حال قبلت بعض مؤسسات وبنوك عالمية خوض هذه المغامرة فإن تكلفة التمويل ستكون مرتفعة جدا.
وقال وزير المالية والخزانة التركي الجمعة،" إن استقلال البنك المركزي ذو أهمية حاسمة لاقتصاد تركيا"، وهو على حق تماما.
ولكن ما لم يمارس صانعو السياسة ضغوطاتهم التي تسلب هذه الحلول نجاعتها في تقديم مخرج مناسب من هذا المأزق، وقد يفعل البنك المركزي ذلك في اجتماعه المرتقب في 13 آيلول/ سبتمبر المقبل، ورغم ذلك فإن هناك احتمالا ضئيلا بأن تتعافى الليرة.
قصة الهبوط
وتعتبر العملة التركية مرآة للأداء الاقتصادي والاستقرار السياسي والأمني، ومسلسل الهبوط المتوالي جعلها تتربع على عرش العملات الأسوأ أداء منذ مطلع العام الجاري.
وبدأت قصة هبوط الليرة التركية طيلة الـ10 سنوات الماضية، وهي تشهد تراجعات قياسية، حيث كان الدولار يساوي 1.16 ليرة في 2007، وهو من أعلى المستويات للعملة التركية أمام الدولار.
وانخفضت العملة إلى 2 ليرة لكل دولار للمرة الأولى في آيلول / سبتمبر 2013، ثم واصلت تراجعها لتكسر حاجز الـ3 ليرات لكل دولار، في آيلول / سبتمبر من العام الماضي، قبل أن تعود وتهبط إلى مستوى 4.7 ليرة مقابل الدولار، ثم تهوي اليوم إلى 6.5 ليرة مقابل الدولار.