عمان - بترا
بات الكثير من الأسر الاردنية يجد صعوبة في العثور على سكن باجرة تتناسب مع دخل العائلة نظرا لارتفاع بدل الايجارات خلال السنوات الماضية.
ورأى مواطنون ومتخصصون بان هذه الاشكالية جاءت جراء تعديلات قانون المالكين والمستأجرين الاخير الذي اعطى الحق للمالك لرفع قيمة الايجار وتحديد مدته اضافة الى تداعيات الأزمات التي تعيشها دول الجوار والمنطقة العربية عموما وما آلت اليه من قدوم اعداد كبيرة من اللاجئين وهو ما شكل ضغطا على قطاع السكن في المملكة.
المواطن محمود الذي يقطن في منطقة شعبية في محافظة اربد قال لوكالة الانباء الاردنية ( بترا ) انه يعيش في حالة قلق دائمة جراء تكرار رفع قيمة ايجار منزله ، اذ أنه وخلال أقل من عامين تم رفع قيمة الايجار الى أكثر من 35 بالمئة .
واشار الى ان منزله المتواضع يبلغ ايجاره الشهري 160 دينارا فيما لا يتجاوز دخله الشهري الثلاثمئة دينار ، وسط مطالبات المالك برفع قيمة الايجار ، مضيفاً انه في حال عزمه البحث عن منزل آخر فلن يجد ما يتناسب مع مردود دخله ، في اشارة منه الى الارتفاع المستمر لايجارات المنازل . وعزا ارتفاع قيمة ايجارات السكن الى أسباب تتعلق بأزمة اللاجئين السوريين وقانون المالكين والمستأجرين الذي أعطى الحق للمالك في تحديد مدة وقيمة الايجار ، الامر الذي يزيد من معاناة المستأجر وخوفه من الاخلاء , ويفتح المجال أمام بعض المالكين لاستغلاله.
فيما طالب المواطن محمد الذي يسكن في منزل مساحته 110 مترات مربعة مع خمسة اشخاص يشتركون بدفع قيمة الايجار البالغة 450 دينارا , بسن قانون او تشريع لاعطاء المواطن الاولوية في السكن مع اهمية اعادة النظر في قانون المالكين والمستأجرين ليكون عادلا ومنصفا لجميع الأطراف .
الناطق الاعلامي باسم الجمعية الوطنية للعناية بحقوق المستأجر (جمعية حماية المستأجرين سابقاً) محمد الكيلاني " قال ان قانون المالكين والمستأجرين بالتعديل الأخير الذي يحمل رقم 14 لسنة 2013 أفرد السلطة بيد المالك وحده من حيث (الاخلاء، الأجرة، المدة )، ما أوقع المستأجر بكثير من المشكلات بصفة عامة" .
وأكد " أن الجمعية خاطبت اللجنة القانونية في مجلس النواب أكثر من مرة في سبيل تعديل القانون ليحقق العدالة والانصاف للطرفين ، مشيرا الى أن قانون المالكين والمستأجرين يحوي ثغرات قانونية تستحق الوقوف عندها".
وذكر الكيلاني أن الجمعية تلقت ومنذ تاسيسها العام 2010 الاف الشكاوى من قبل مستأجرين متضررين تتعلق بارتفاع قيمة الايجار واخلاء المأجور، موضحا أن القانون لا يحقق الفائدة المرجوة منه، داعيا الى اعادة النظر به من جميع جوانبه .
أحد المالكين لعقارات تؤجر لغايات السكن ( شقق سكنية ) عصام صالح قال إن قانون المالكين والمستأجرين السابق (قبل التعديل الأخير) كان مجحفا بحق المالك وكان يعامل المستأجر معاملة المالك للعقار، فلا يستطيع المالك ان يخلي العقار أو يحدد مدة اشغاله أو رفع قيمته وفق معطيات السوق وتقدم الزمن.
وأضاف أنه حتى نسبة الزيادة التي أقرها القانون للعقارات المؤجرة قبل نهاية آب من العام 2000 بنسبة 25 بالمئة الى 35 بالمئة غير كافية نسبياً، بسبب تدني قيمة الايجار القديم الذي قد يكون مستأجرا منذ ثمانينيات أو بداية تسعينيات القرن الماضي .
وأوضح ان ارتفاع ايجارات الشقق جاء بعد تزايد الطلب على العقارات بشكل كبير خاصة بعد استقبال الأردن لعدد كبير من اللاجئين من الدول المحيطة ، ما أدى الى زيادة الضغط على الخدمات ولا سيما العقارات، مبيناً أن هناك تجاوزات يقوم بها بعض المالكين بحق المستأجرين عبر رفع قيمة الايجار بشكل غير عادل وبصورة تتنافى مع الاخلاق الانسانية .
واشار الخبير في قضايا المالكين والمستأجرين عضو اللجنة التي صاغت قانون المالكين والمستأجرين المحامي باسل بسطامي الى ان غالبية قوانين دول العالم الخاصة بقضايا الايجار وقيمته تتضمن معدلات محددة لزيادة ارتفاع قيمة الايجار كل سنتين الى ثلاث سنوات وفق معطيات مختلفة، في حين فان معدل الزيادة على قيمة الايجار في الأردن هو كل خمس سنوات بموجب القانون الاخير .
ولفت الى أن قانون المالكين والمستأجرين لم يشر في تاريخه لمعدلات الايجار والحد الأدنى أو الأعلى لقيمته، موضحا أن المبدأ الجديد لعقود الايجار المبرمة بعد آب من العام 2000 والذي ينص على أن (العقد شريعة المتعاقدين) يتنافى مع تحديد قيمة الايجار ومدته وفقا للقانون .
وانتقد بسطامي عدم الأخذ بعين الاعتبار (موقع المأجور) في القانون ، مشيرا الى أن القانون لم يميز بين الأماكن والمواقع في تحديده لمعدلات الزيادة في العقود المبرمة قبل آب من العام 2000 ، وهذا من بين أهم أسباب وقوع النزاعات والخلافات بين المالكين من جهة والمستأجرين من جهة أخرى . وانتقد المحامي عاصم الملكاوي خلو القانون الاخير (المعدل) من قاعدة (الأجر بالمثل) التي كان معمولاً بها في القانون السابق ، وهذا بدوره أدى الى تغول بعض اصحاب العقارات وبالأخص العقار المنزلي المستخدم للسكن على المستأجرين ، وارتفاع قيمة الايجار بطريقة (جشعة ومزاجية )، خاصة للمستأجرين الموقعة عقودهم بعد الحادي والثلاثين من آب للعام 2000 بحسب قوله .
وبالمقابل وصف القانون بأنه أسس لعلاقة واضحة بين المالكين والمستأجرين لمن وقع تاريخ استئجارهم قبل نهاية آب من العام 2000 ، فكانت الزيادة بنسبة 25 بالمئة للعقار المؤجر لغايات السكن و 35 بالمئة للعقار المؤجر لغير غايات السكن وفقاً للقانون .
وأشار الملكاوي الى أن هذه الزيادة مناسبة وتراعي اعتبارات عدة مثل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة والتحول الاقتصادي الذي تعيشه المملكة . وأكد المحامي منذر رزوق ان العقارات المؤجرة لغايات السكن ولغير غايات السكن (التجارية) بعد نهاية آب من العام 2000 أصبحت محددة المدة بعقد بين المالك والمستأجر وملزمة للأخير بترك العقار عبر انذار عدلي يوجهه المالك .
وأوضح أن أبرز المشكلات التي أفرزها قانون المالكين والمستأجرين عدم استقرار المستأجر وارباكه كونه طرفا ضعيفا بموجب هذا القانون، اضافة الى تحكم بعض المالكين بقيمة الايجار وطريقة دفعه، منوهاً بضرورة اجراء "تعديل تشريعي" ينظم العلاقة بين المالك والمستأجر .
الخبير الفني والمساح المرخص فريد الحموري قال ان قانون المالكين والمستأجرين الاخير أنصف المالكين على حساب المستأجرين ، لافتاً الى أنه أتى بشكل "مستعجل ومتسرع" وذلك يتضح من خلال التخبط الذي حصل عند تطبيقه .
وأوضح أن أهم أسباب ارتفاع اسعار الايجارات آثار الأزمة السورية على الأردن وزيادة الطلب على العقار المؤجر لغايات السكن، مع استغلال بعض المالكين لبنود قانون المالكين والمستأجرين في التحكم بقيمة الايجار ومدته.
وطالب الحموري بأن يكون هناك تشريع ينظم عملية تحديد قيمة الايجار للعقارات وفق اسس مدروسة وموضوعية، منعاً لتضارب اسعار الايجارات .
واعتبر الخبير الاقتصادي والسياسي زيان زوانة موضوع ارتفاع الايجارات بانه ( حساس جدا)، عازيا ذلك الارتفاع الى عدة عوامل أهمها تدفق اللاجئين السوريين بشكل أدى الى زيادة الطلب على العقار المؤجر لغايات السكن، بحيث لم يعد الطلب مقتصرا على المواطن كما كان في السابق، مضيفا أن عدم ( استقرار التشريع) فيما يتعلق بقانون المالكين والمستأجرين فتح المجال لوقوع النزاعات والخلافات بين المالك والمستأجر.
وأشار الى تراجع مشروعات الاسكانات التي كانت تنفذها الدولة ومنها مشروع " سكن كريم لعيش كريم" والمشكلات التي أثيرت حوله ، ما زاد من توسع القطاع الخاص بالاستثمار في قطاع الاسكان على حساب دور الدولة في هذا المجال ، وتعد هذه النقطة ايجابية نسبيا بحيث لم تواجه الأردن مشكلات اسكانية على غرار المشكلات التي تحدث في دول المنطقة.
وقال زيانة انه ابتعدت في الآونة الأخيرة شركات الاسكان (الخاصة) عن تزويد السكن للطبقات الوسطى والفقيرة ، وذلك يتضح من خلال ارتفاع قيمة ايجارات السكن ، وأوضح أن 70 بالمئة من الأردنيين يعملون بوظيفة محددة الأجر ومعدل رواتبهم 400 دينار فما دون ، فكيف لهؤلآء ايجاد فرصة سكن بالأجرة تتناسب وحجم دخلهم في ظل هذه الارتفاعات ، وركز على أن الحل يكمن في تلاقي نقطة العرض مع الطلب، وذلك لا يتأتى بالوقت الحاضر الا بأداة تشريعية تنظيمية لهذه المشكلة.