حالما يسمع صوت المنبّه يهبّ من فراشه، يقف قبالة المرآة لساعات، يصفف شعره شعرة شعرة. يدلّك وجهه بكريم ضد التجاعيد، يرتدي سترة مفتوحة على الصدر، وجينزاً ممزقاً. يخرج من بيته، ليعود عند الفجر تاركاً زوجته وأولاده من دون أن يهتم بشؤونهم.
اليوم، مع بلوغه سن الأربعين، لم يعد يهتم إلا بملذاته الشخصية، همّه الأول والأخير أن يثبت للجميع أنه ما زال قادراً على جذب الشابات. لتحقيق مراده، استبدل سيارته القديمة بسيارة رياضية يجول بها على الطرق بسرعة جنونية، وحين يلمح طيف صبية يرفع صوت الموسيقى ويبدأ بمعاكستها كما لو كان في العشرين من عمره. وقد توافق الشابة على القيام بـ"كزدورة" معه، أو تغضب من تصرفاته الصبيانية، وتقول: "روح يا جهلان استح على شيبتك".
في الواقع، جهلة الاربعين أو أزمة منتصف العمر، تصيب الرجال والنساء، بين عمر الـ35 والـ50. لكن وتيرتها، أكثر عند الرجال، إذ تمتدّ من 3 إلى 10 سنوات، ومن سنتين إلى 5 سنوات لدى النساء. يصف علم النفس هذه المرحلة بأنها حالة من الشعور باليأس والقلق، ترافق الإنسان لتجعله غير راض عما حققه في ماضيه. فتثير لديه تفكيراً عميقاً يستعيد من خلاله ذكريات شبابه، وغالباً يشعر بالندم وعدم الارتياح إلى ما أنجزه.
وتعتبر الاختصاصية في علم النفس لارا سبعلي أن الرجل في هذه الفترة يكثر من النظر إلى نفسه في المرآة، ويتحسّر على أيام الشباب والصبا، مظهراً شعوره بالأسى، وهذا يجعله غريباً عن نفسه. فيقوم بحركات طائشة لكسر الروتين والملل والتعويض عمّا فاته.
أسباب جهلة الأربعين
توضح سبعلي أن هناك عدة عوامل تؤدي إلى ما يعرف بـ"جهلة الاربعين"، من بينها: اليأس، مظاهر الشيخوخة، التغيّرات الفيزيولوجية، موت أحد الوالدين، ترك الأولاد المنزل الأبوي، انتكاسة على الصعيد المهني، المشاكل الزوجية وغيرها من الأسباب. وتشير إلى أن الفراغ العاطفي الذي يشعر به الزوج، وفتور العلاقة الزوجية، من أهم أسباب أزمة منتصف العمر. وتقول: "يشعر الرجل أحياناً بعدم الرضا عن علاقته الجنسية مع زوجته، فيبحث عن امرأة تشعره بأنه محور الكون، وتشبع رغباته".
أقوال جاهزة
جهلة أصحاب النفوذ
يشير الخبراء إلى أن أزمة منتصف العمر تطال بشكل خاص الرجال الميسورين وأصحاب السلطة والنفوذ، الذين يعتقدون أنهم قادرون على استمالة الشابات، بالمال.
يشغل ميشال (45 عاماً) منصب مدير مشروع في شركة هندسة في بيروت، متزوج فتاة تصغره بـ20 عاماً ولديه صبي في الثالثة من عمره. ويستخدم سلطته ونفوذه لإغواء أي موظفة تعجبه، إذا رضخت لمحاولاته المتكررة ووافقت على مواعدته، يجعلها تتمتع بامتيازات خاصة: التغيّب عن العمل، عدم التقيّد بدوام محدد، زيادة راتبها. وفي حال صدّته، يغضب ويحاول الضغط عليها ليحوّل حياتها العملية إلى بؤس.
الجنس بعد الـ40
يعتبر زياد (42 عاماً) أن العمر لا يشكل عائقاً في العلاقة بين اثنين، ما دام القلب شاباً. ويقول: "حين أخرج برفقة فتاة في العشرين من عمرها، أشعر بالفخر والاعتزاز أمام أصدقائي، إذ أؤكد لهم ولنفسي، أنني ما زلت قادراً على جذب الشابات اليافعات". اللافت أن زياد يحاول جاهداً الاعتناء بشكله الخارجي، فيصبغ شعره ويستخدم الكريمات لوجهه، ويتّبع نظاماً غذائياً غنياً بالبروتين لتقوية عضلاته، ويمارس الرياضة. ويضيف: "أثبتت الدراسات أن الرياضة تحسّن الأداء الجنسي وتزيد الرغبة الجنسية، وبالفعل اختبرت ذلك بنفسي".
بدورها، تروي جويل معاناتها مع زوجها بول (40 عاماً)، بعد قصة حب تكللت بالزواج. فبدأت تلاحظ تصرفاته الغريبة، تقول: "فجأة بدأ يهتم كثيراً بشكله الخارجي، ويولي أهمية كبيرة لوسائل التواصل الاجتماعي، يقضي ساعات على الفيسبوك وبعض المواقع، التي تبيّن لي لاحقاً أنها مواقع للتعارف".
تمكنت جويل من اكتشاف خيانته الإلكترونية، فواجهته بالحقيقة، تضيف: "ارتبك واتهمني بإهمال واجباتي الزوجية تجاهه، فأنا على حد قوله لم أعد ألبّي رغباته الجنسية ما دفعه للجوء إلى الدردشة مع مراهقات".
أداء جنسي على المحك
تشير الدراسات الطبية إلى وجود مشاكل جنسية كثيرة تواجه الرجال بعد سن الأربعين، ولعل أهمها ضعف الانتصاب رغم وجود الرغبة الجامحة لممارسة الجنس مع الشريكة. وبحسب الإحصاءات العالمية، هناك أكثر من 152 مليون رجل يعانون من ضعف الانتصاب، أو عدم وجود انتصاب تماماً، وعدم معالجة هذا الموضوع تدفعهم إلى الإصابة بالاكتئاب، ومحاولة البحث أحياناً عن مغامرات عابرة للتعويض عن النقص والحرمان.
ويعتقد العلماء أن أزمة منتصف العمر، تبدأ مع بداية انخفاض معدّلات هرمون التستوستيرون الذي يمدّ الرجل بالقوّة والنشاط، ويساعده على حرق الدهون، ويسرّع من عملية نمو الشعر في الجسد بالإضافة إلى النشاط الجنسي. وحين يتجاوز الرجل سنّ الثلاثين، يبدأ هذا الهرمون بالانخفاض سنوياً بنسبة 1%.
تشير لارا سبعلي إلى أن الرجل في هذه المرحلة يلجأ عادة إلى تناول "الفياغرا" بطريقة عشوائية لتحسين أدائه الجنسي، لكن ذلك ينعكس سلباً عليه ويؤدي إلى نتائج سلبية على الصعيد الصحي.
تخطي أزمة الأربعين بحنكة
وعن أفضل طريقة للتعامل مع "أزمة منتصف العمر"، توضح سبعلي أن الخطوة الأولى تبدأ بالإفصاح عن المشكلة. فكثير من الرجال يرفضون التطرق إلى الموضوع، من باب الخجل والخوف من تهكم المجتمع. وتقول: "في الواقع يخفق الكثير من الرجال والنساء في التعامل مع أزمة منتصف العمر لدى الشريك، اذ يبدأ كل منهما بانتقاد الآخر ولومه، ما يؤدي إلى تفاقم الخلافات ويزيد الفجوة بين الطرفين. لذا يجب أن يعلم الشريكان أن هناك بعض التغييرات التي يحتاج المرء لإجرائها في حياته، وهي حاجة طبيعية ملّحة، فلا بدّ من كسر الروتين والملل الذي يتسرب إلى حياته"
وتشدد لارا على ضرورة تخطي أزمة منتصف العمر بحنكة كبيرة، وتضيف: "الزوجة الذكية هي التي تحتضن زوجها وتسأله عن رغباته واحتياجاته، حين تراه مشدوداً لمتابعة مواد جنسية بدلاً من لومه وانتقاده. والزوج الذكي هو الذي يحتضن بدوره زوجته ويثني على جمالها وأناقتها، حين يراها انشغلت بأمور لا تتناسب مع عمرها".
وتشدد على عدم اعتبار "جهلة الأربعين" مرضاً، قد تحمل في طيّاتها بعض الإيجابيات، منها: الانفتاح على الذات، وإعادة التفكير في الحياة الشخصية بعيداً عن الضغوط العملية، وبالتالي تحسين نوعية الحياة.