بقلم - غازي مرتجى
تأصيل الحالة السياسية الفلسطينية لا يحتاج لمُحللين سياسيين أو خبراء بل يحتاج في البداية لأن يعرف الساسة ما يدور برأسهم أولاً , السياسيون وإن ظهروا للعامة بأنهم الأقدر على معرفة القرار القادم إلاّ أن الغالبية العُظمى منهم لا يعرف القرارات إلاّ من خلال الإعلام , تحدث صديقي في المجلس الثوري في وقت سابق عن معرفته بقرار المجلس الذي حضر اجتماعاته لمدة يومين مُتتاليين من خلال وسائل الإعلام وكان البيان الختامي عكس ما تم نقاشه والاعتراض عليه !
لا غرابة في دوّامة الصمت التي سادت بعد قرار الرئيس الفلسطيني ووفد مرافق له من المشاركة في جنازة الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريس فحتى لو اعترضوا أو رفضوا لن يُؤثر بشيء ولن يحصدوا سوى "سوءة التصريح" .
إن الأبجديات السياسية تتطلب مشاركة الرئيس الفلسطيني بجنازة رئيس "إسرائيل" لكن قبل أن ننفذ المتطلبات الفلسطينية هل قامت إسرائيل بأي من المطلوب منها ؟ الإجابة لن تكون نفياً مُطلقاً فقط وإنما إقدام دولة الاحتلال على عكس ما هو مطلوب منها .. فريثما يتواجد الرئيس في القدس "العاصمة الفلسطينية الأبدية" كانت الجرافات الإسرائيلية تُسيطر على أراض جديدة لبناء المستوطنات .. وفي خضم التضييق الإسرائيلي أيضاً مُنع الفلسطينيين من الصلاة في المسجد الأقصى الذي لا يبعد كثيراً عن جنازة بيريس .
لو كُنت مكان من حول الرئيس لأقنعته بضرورة الصلاة حاضراً في المسجد الأقصى ومن ثم التوجه إلى جنازة بيريس فيكون قد التزم أمام المجتمع الدولي بما هو مطلوب منه وفي نفس الساعة ذكّرهم بضرورة إنهاء احتلال المقدسات الإسلامية والمسيحية وأنّ القدس وإن دُفن بها كل قادة إسرائيل ستبقى العاصمة الأبدية لفلسطين .
**
بعيداً عن إرهاصات وسائل الإعلام مدفوعة الأجر والأحاديث التي تنطلق بين الفينة والأخرى فإنّ الحكومة الفلسطينية التي تسلحّت بوزراء ومستشارين تشخص أعينهم نحو الهدف الحقيقي لإرساء قواعد الدولة الفلسطينية – خرجت وسائل إعلام لتتحدث عن مخططات لتغيير الحكومة , لقد تحدثنا سابقاً أن المشكلة لم تكن يوماً بالحكومة التي خرجت عن نصّها المتفق عليه وحاولت بكل الطرق أن تكون وسيطاً نزيهاً وتنفيذياً في الوقت ذاته في العديد من ملفات المصالحة إلا أن طرفي الانقسام كانوا ولا زالوا يعبثون بالوقت أملاً بكسب المزيد منه .
لقد بات من المؤكد أنّ الرئيس أبو مازن الذي لم يثق سابقاً برئيس وزراء كما وثق بدولته الحالية "د.رامي الحمدالله" بات مُقتنعاً بأنّ الانقسام لن تُنهية تشكيلة حكومة جديدة أو تعديلها بل انه على ثقة أن رئيس وزرائه أثبت أنه الأقدر على اتخاذ القرارات الداخلية المصيرية دون أي اعتبارات أو حسابات كانت تحكم تصرفات من قبله – وبعيداً عما تتناوله وسائل الإعلام المدفوعة فإنّ المجلس الثوري لحركة فتح واللجنة المركزية ومن قبلهم الرئيس أبو مازن أعلنوها مراراً أنّ إنهاء الانقسام لن يتم إلا بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بحضور الحكومة الحالية (الوفاق) أو تشكيل حكومة وحدة وطنية يرأسها الحمدالله نفسه لإجراء الانتخابات خلال أشهر ستة .
المُتطلعون للمنصب كُثر وهدفهم ليس "آني" كما يعتقد البعض فغالب من تنطّع ليكون "دولة الرئيس" هدفه الحقيقي أن يُصبح في يوم ما "الرئيس" , قد يكون الحديث في هذا المجال من الممنوعات إلاّ أن المخططات الشخصية والتي تُحركها دوافع إقليمية تارة أو "تربيطات" داخلية هدفها الرئيسي حجز المقعد الثاني للتمكّن من الجلوس على المقعد الأول بعد فراغه لأي سبب كان .
التغييرات الدراماتيكية القادمة على المشهد السياسي الفلسطيني هدفها الرئيسي تحجيم "المُتنطعين" وتعريفهم بحجمهم الحقيقي – ومن جهة أخرى الترتيب جيداً للبيت الداخلي حتى لا يُترك الإنجاز الفلسطيني الأكبر منذ أوسلو مطيّة بيد الحالمين والمُرتبطين بأوهام خارجية .