في أمسية مشهودة لذات 19 جويلية من عام 2019، جددت الجزائر- في أرض “الفراعنة”- العهد مع الإنجازات الرياضية الكبرى، من خلال تتويجها بعد 29 سنة من الترقب، بلقب الطبعة الـ32 من كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، عقب نجاح “كتيبة” المدرب الوطني جمال بلماضي في تجاوز منتخب السنغال في المقابلة النهائية (1-0) في القاهرة
وستبقى سنة 2019- دون شك- في أذهان كل الجزائريين الذين تنفسوا الصعداء برؤيتهم منتخبهم الوطني متربعا على عرش الكرة الإفريقية، بعد أن بلغ التقهقر- سنة من قبل هذا التاريخ-، درجة كبيرة، ليكتسح الجمهور الشوارع والطرقات للتعبير عن فرحته “الهيستيرية” التي تعجز كل الحروف الأبجدية عن وصفها.
فقد نجح أشبال الناخب بلماضي في رفع التحدي من خلال قطعهم مشوار المنافسة الإفريقية بشكل قوي ومميز، مكنهم من قلب كل التكهنات والحسابات وأهم من ذلك كسب تقدير واحترام المنافسين.
فبعد السنوات العجاف التي استمرت لقرابة 30 عاما، نجح المنتخب الجزائري في تحسين صورته واسترجاع ثقة وحب جمهوره الذي كادت الخيبات المتتالية أن تنسيه طعم الانتصارات والإنجازات.
بلماضي.. الرجل الذي كان عند وعده
ولا يختلف اثنان في أن الفريق الوطني، الذي بدأ يسترجع ملامحه الحقيقية بقدوم جمال بلماضي، كان لديه المؤشرات الإيجابية التي تنم عن ميلاد تشكيلة قوية قادرة على فرض نفسها بأرض “الفراعنة”، لكن لا أحد كان يتوقع حينها أن “الخضر” كانوا قادرين على انتزاع اللقب الإفريقي، باعتبار أن كل التوقعات كانت ترشح منتخبات مصر والسنغال وبدرجة أقل المغرب للتتويج باللقب، دون إعارة الاهتمام اللازم للجزائر التي فرضت مع مرور المقابلات شخصيتها وقلبت بطريقة أكثر من باهرة كل الحسابات المسبقة.
ومن موقعه كمدرب، كان اللاعب السابق لأولمبيك مرسيليا الشخص الوحيد الذي كان يؤمن بقدرة مجموعته على صنع المفاجأة، مثلما تؤكده التصريحات التي لم يتردد في الإدلاء بها قبل المنافسة، التي أعلن فيها صراحة يوم الفاتح جوان– قبيل التنقل إلى مصر- أن الهدف من المشاركة يبقى يتمثل في التتويج باللقب.
فبلهجة الشخص الواثق من قدراته، صرح بلماضي حينها: “أنا لا أنظر إلى المنافسة الإفريقية على أنها مرحلة انتقالية (…) لا يحق لأحد أن يضع سقفا لطموحاتنا.
يتعين علينا اليوم تغيير الخطاب السلبي الذي نتوجه به إلى اللاعبين وتجاوز الرسائل النمطية التي نطالبهم فيها دوما بالسعي لتحقيق مشاركة إيجابية فقط. هذه الروح الانهزامية لا تناسبني ولا تتوافق مع استراتيجيتي ونظرتي إلى الأمور، فأنا أعي ما أقول وهدفي من المشاركة هو العودة باللقب”.
على الأراضي المصرية، لم يتوان رفاق النجم رياض محرز في الكشف عن نواياهم الحقيقية من خلال الفوز بالطريقة والأداء في المقابلات الثلاث للدور الأول، الأمر الذي لم يحدث منذ نسخة 1990. فـ”الآلة” الجزائرية بدأت عملها بنجاعة بتجاوز عقبة كينيا (2-0)، السنغال (1-0) ثم تنزانيا بنتيجة عريضة (3-0).
ومع مرور الأيام في هذه المنافسة القارية، ازدادت قناعة الجميع بأنه أصبح من الصعب كبح جماح هذا المنتخب الجزائري الذي تغلب بسهولة على غينيا في الدور ثمن النهائي (3-0)، ثم بصعوبة على كوت ديفوار بضربات الترجيح (4-3، 1-1 بعد 120 دقيقة)، قبل أن يسقط “النسور الممتازة” النيجيرية في المربع الذهبي (2-1).
وبصلابة دفاعية ونجاعة هجومية، اقتنص المنتخب الجزائري بكل جدارة واستحقاق لقب “كان-2019” بعد مشوار حمل في طياته ستة انتصارات وتعادلا واحدا. وبلغة الأرقام، أنهى الفريق المنافسة وفي عداده 13 هدفا مقابل تلقيه هدفين.
وعلى الصعيد الفردي، توج متوسط الميدان الهجومي، إسماعيل بن ناصر (21 سنة) بلقب أحسن لاعب في الدورة، وهو الذي كان قد تم الاستنجاد به في آخر لحظة لتعويض سفير تايدر الغائب عن كأس إفريقيا-2017 بسبب الإصابة. من جهته، اختير رايس وهاب مبولحي كأحسن حارس في الدورة.
“الخضر” يتقمصون ثوب البطل بامتياز
ومن منطلق الفكرة القائلة إن الأصعب من بلوغ القمة هو البقاء فيها، كان المنتخب الجزائري يعي، -بمكانته الجديدة وثوب البطل الذي تقمصه-، أن الإنجاز الذي عاد به من مصر بات من الماضي، وانتقل مباشرة إلى التفكير في المحطات التنافسية المقبلة.
وفي أول خرجة له بعد تتويجه باللقب، حقق الفريق الوطني الأهم عندما تجاوز وديا يوم 9 سبتمبر بملعب “5 جويلية”، منتخب البنين (1-0)، قبل خرجتي شهر أكتوبر لحساب تواريخ “الفيفا” كذلك.
وفي نتيجة غير متوقعة لبطل إفريقيا، تعثر رفاق بغداد بونجاح في الاختبار الودي الثاني لهم، في ملعب “مصطفى تشاكر” في البليدة يوم 10 أكتوبر، بالتعادل أمام جمهورية الكونغو الديمقراطية (1-1)، لكن سرعان ما أزالت كتيبة الناخب الوطني الشك الذي تسلل إلى نفوس البعض، وتمكنت خمسة أيام فقط بعد ذلك من اكتساح كولومبيا، عاشر ترتيب الاتحاد الدولي (3-0) في مقابلة جرت بملعب “بيار موروا” بمدينة ليل الفرنسية.
وفي شهر نوفمبر، استهل المنتخب الوطني مشوار تصفيات كأس أمم إفريقيا 2021 بقوة بعد سحقه نظيره الزامبي بنتيجة عريضة (5-0) بالبليدة، قبل العودة بفوز ثمين من غابورون على حساب بوتسوانا (1-0)، ليحقق بذلك خطوة عملاقة نحو المرور إلى المرحلة النهائية المقررة في الكاميرون ويسدل الستار على سنة 2019 دون أي هزيمة، محطما بذلك رقما قياسيا بقي صامدا منذ سنوات التسعينيات بـ17 مباراة دون تذوق طعم الخسارة (مقابل 15 لقاء للفريق الذي كان يقوده المرحوم كرمالي).
واعترافا منها بمشوار “الخضر” في 2019، رشحت الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم المنتخب الوطني للتتويج بعدة جوائز لها.
وتضم القائمة المرشحة لنيل جائزة أحسن لاعب، أسماء ثلاثة عناصر جزائرية، ويتعلق الأمر بكل من رياض محرز وإسماعيل بن ناصر ويوسف بلايلي، فيما جاء اسم الناخب الوطني جمال بلماضي ضمن قائمة المرشحين لنيل جائزة أحسن مدرب والفريق الوطني في قائمة جائزة أحسن منتخب. وسيقام حفل الطبعة الـ28 من جوائز الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم يوم 7 جانفي المقبل بمدينة الغردقة المصرية.
قد يهمك ايضا:
سفيان بن دبكة يؤكد أن تأهل فريقه جنبه السقوط في وحل المشاكل والاستمرار التنافس مهم
خير الدين زطشي يؤكد أنه فكر في الاستقالة مرتين من رئاسة الاتحاد الجزائري
أرسل تعليقك