نظمت مؤسسة عدالة للحقوق والحريات المؤتمر الحقوقي الثاني حول الوضع الانساني في عدن خلال فترة الحرب 2015، حيث شارك فيه ممثلو السلطة المحلية ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان واعلاميين ومبادرات شبابية مختلفة، وتم استعراض تقرير عن الأحداث التي مرت بها محافظات عدن ولحج خلال الفترة آذار/مارس-آب/اغسطس 2015 الى جانب صور توثيقية وفلم وثائقي قصير (اطفال مقاتلون).
واستعرض التقرير الأوضاع في عدن مشيرًا الى ان عدن ولحج وغيرها من المحافظات الجنوبية، عانت من حرب لم تشهدها على مر القرون، حيث أقدمت مليشيات الحوثي وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح بشن حرب عدوانية غازية على محافظات الجنوب تحت شعارات محاربة "القاعدة" و"داعش"، وما هي إلا شعارات شبيهة بشعارات حرب صيف 94على الجنوب بذريعة محاربة الشيوعية، وكلا الحربين تدثرت برداء ديني لتخفي طابعها الطائفي واطماعها التوسعية للسيطرة السياسية وما تمثل من مصالح لقوى خارجية.
وتميزت هذه الحرب بطابعها التدميري لكل مقومات الحياة واستهدفت بدرجة أولى الإنسان في عدن ولحج وغيرها، بحيث خلفت بعدها الكثير من الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان ترتقي لمستوى جرائم الحرب والإبادة الجماعية من خلال الممارسات اللاإنسانية واللاأخلاقية أودت بحياة الناس إلى نهاية محتومة سواء من خلال القتل العمد (القنص) أو التجويع (الحصار) أو الحرمان من الخدمات الصحية والعلاجية والقتل الجماعي للمدنيين ولهذا تعددت أشكال الجرائم ضد المدنيين لاسيما الأطفال والشيوخ والنساء بمختلف وسائل الموت والدمار خلافًا لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وإعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام 1963م , والاتفاقية الدولية بشأن إلغاء كافة أشكال التمييز العنصري لسنة 1965م , والاتفاقية الخاصة بمنع إبادة الجنس البشري والمعاقب عليها لسنة 1948 م , والاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية و التي تحط من كرامة الإنسان لعام 1984م, والاتفاقية الدولية لمناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979، والاتفاقية الدولية بشأن حقوق الطفل عام 1989، بالإضافة للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية 1998 م.
وتضمن التقرير وفقًا للمتابعة والرصد التي أشرفت عليه المؤسسة جملة من الانتهاكات المرتكبة من مليشيات الحوثي وقوات صالح خلال عدوانها على عدن ولحج وأهمها :
1- القتل المتعمد للمدنيين من خلال استخدام القنص للمارة والسكان في مساكنهم (خور مكسر-المعلا –كريتر- التواهي)
2- الاختطاف والاعتقالات للناشطين في المجال الطبي ومنظمات المجتمع المدني وكل من يعترضهم أو يبدي موقفاً معارضاً إلى جانب مواطنين أبرياء.
3- تشريد وتهجير المواطنين عبر البحر إلى جيبوتي وبعض المديريات الآمنة نسبيا من أهوال الحرب.
4- استخدام السكان دروع بشرية من خلال التواجد والتمركز بالبيوت والأحياء السكنية أو احتجاز المواطنين في نقاط التفتيش وإعاقة تحركاتهم خاصة بين مديريات عدن (كريتر – التواهي - خور مكسر) المتواجدين فيها ومديريات الشيخ عثمان والمنصورة التي لم يتمكنوا الوصول إليها أو بين عدن والمحافظات الأخرى.
5- استخدام المختطفين والمعتقلين دروع بشرية في المعسكرات والمرافق الهامة التي يحتمل ضربها من قبل المقاومة أو طيرن التحالف (جبل حديد – محطات الكهرباء – الفنادق – الميناء - الصوامع - مرافق المياه – قاعدة العند – ومخازن أسلحتهم – ونقاط التفتيش والمعسكرات والمنازل المتواجدين فيها) وكذا الاحتماء بالمواطنين المدنيين من خلال تخلل طرق سيرهم بمعداتهم العسكرية وادوات تنقلهم أثناء التنقل بين المدن والمحافظات تذرعا بالمواطنين من قصف الطيران.
6- التعمد في إبقاء جثث الضحايا من المواطنين في الشوارع ورفض تسليمهم لأهاليهم وحتى للهلال الأحمر والمنظمات الأخرى.
7- تدمير شبكة المياه والكهرباء (الخزان الرئيسي في جبل حديد ومحطة شيهناز) بسبب تواجدهم فيها بفعل الطيران .
8- منع التواصل بين السكان في المديريات مع كثافة انتشار النقاط التي تعيق وصولهم إلى المديريات.
9- قامت المليشيات وصالح باختطاف وتجنيد الأطفال والزج بهم في معارك وساحات قتال أتت بهم من شمال الشمال إلى الجنوب واختطاف مدنيين من عدن ولحج كأسرى حرب من قبل الحوثي وترحيلهم الى السجون في صنعاء..
10-منع دخول المواد الغذائية والطبية للسكان بمديريات (كريتر- خور مكسر- المعلا- القلوعة - التواهي) المسيطرين عليها.
11-السيطرة على المستشفيات وتهديد الأطباء واختطاف الجرحى والمختلين عقلياً ونهب الأدوية وتدمير الأجهزة وإغلاق المستشفيات (الجمهورية- باصهيب - مستشفى الشعب الخيري- وغيرها) أمام المواطنين.
12-انتهاك حرمة المساجد بممارسة الاعتداء والاختطاف والتصفيات والتفتيش والقتل فيها.
13-تحويل المرافق الصحية إلى ثكنات عسكرية (كلية الطب الأسنان والصيدلة - مستشفى الجمهورية – مستشفى عدن – مستشفى الشعب الخيري) وتعريضها لمخاطر ضرب الطيران.
14-إغلاق العيادات والصيدليات في المديريات المسيطرين عليها وحرمان السكان من حق العلاج.
15-عدم السماح لإسعاف المرضى من المديريات المسيطرين عليها إلى مديريات تشتغل بها المستشفيات (الشيخ عثمان-المنصورة – دار سعد) خاصة أصحاب الأمراض المزمنة (السكري-الضغط).
16-الاستيلاء على المؤسسات ومعدات النظافة والصرف الصحي وتوقيف أعمالها وعمالها مما تسبب في تراكم المخلفات وانسداد المجاري وفيضانها في الشوارع مع المخلفات نتج عنه انتشار الأمراض المميتة مع عدم إمكانية تلقي العلاج والعناية الصحية والأدوية.
17- (حمى الضنك – الملاريا –التيفوئيد – وغيرها من الأمراض الغير معروفة الناتجة عن الحرب والأسلحة المستخدمة).
18 - استهداف سيارات الإسعاف وفرق الإسعافات كالهلال الأحمر والفرق المتطوعة والمبادرات الشبابية وقتل بعضهم واختطاف وإخفاء آخرين كما ذكر في تقريرنا الحقوقي الأول.
وتناول التقرير الحالة الأمنية وجرائم الحرب التي ارتكبتها مليشيات الحوثي وصالح ضد السكان واصابت النازحين في اكثر من منطقة وانعكاس ذلك على الحالة النفسية للمواطنين حيث جاء في التقرير "كان للمجازر التي طالت المدنيين في كل من (عدن - لحج) معظمها لنازحين دون مأوى اثرها على حياتهم النفسية والامنية ولا يزال انعدام الأمن يشكل قلقا مستمرا للمواطنين في المناطق التي لازالت تشهد أعمال عنف مستمرة ، بل امتد ليطال جميع مديريات عدن، حيث يهدد إطلاق النار والتفجيرات والالغام والقتل العمد والتصفيات خارج نطاق القانون أو على أتفه الأسباب بسبب انتشار السلاح خارج سلطات الدولة الرسمية يهدد حياة الآلاف من المدنيين بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ، ونؤكد حدوث اكثر من ثماني مجازر في عدن وما يزيد عن خمس مجازر في لحج.
ويحتاج العشرات من السكان إلى الدعم النفسي والاجتماعي، ولم يسجل حتى هذه اللحظة أي نشاط من قبل المنظمات الدولية أو المحلية العاملة في هذا الجانب إلا ما يوازي 5% من النشاط المطلوب. كما ان تفكيك و تدمير اجهزة الامن مع بداية واثناء فترة الحرب يمثل صعوبة كبيرة بعد الحرب امام اعادة جاهزية هذه الاجهزة للعمل لا تزال المؤسسات الحيوية كالمؤسسات القضائية والأمنية والسجون والشرطة مشلولة عن العمل ومتوقفة تماماً مما يجعل المواطن في حالة هلع وخوف مما يحدث في الشارع من تضاربات في الأفعال والجرائم المنتشرة في وضع يغيب فيه القانون.
تتطلب إدارة الأزمات تعاون أو شراكة بين الجهات الحكومية، والمنظمات الإنسانية الدولية والمنظمات غير الحكومية، ويعد هذا ضروريًا للتخفيف من أثر الأزمة ونتائجها مستقبلا، نورد هنا أهم المعوقات والمصاعب التي برزت خلال الحرب:
- غياب السلطات المحلية، وعدم وجود خطة طوارئ في المحافظة أو الدولة تسبب في تأخير عملية الاستجابة وإرباك أعمال الإغاثة، مما دفع نحو ظهور مبادرات إغاثة جماعية أو فردية من قبل بعض المنظمات غير الحكومية أو الشخصيات الاجتماعية ورجال الأعمال.
- لا يوجد جهاز حكومي مختص بعملية التنسيق للأعمال الإنسانية أو متابعة جهود المنظمات الدولية في عدن ولحج أو المحافظات الجنوبية الأخرى.
- لا تزال العمليات للاستجابة الإنسانية التي تقدمها منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى غير فعاله. مغادرة الممثل الأجنبي للمنظمات الدولية للعاصمة عدن نتيجة تدهور الوضع الأمني جعل عملية التواصل بينها وبين طاقمها المحلي صعباً.
- وجود المكاتب الرئيسية للمنظمات الدولية في صنعاء أضعف من عملية الحصول على معلومات دقيقة حول الوضع الإنساني في الجنوب، ونظراً لان أغلب العاملين فيها ينتمون إلى المحافظات الشمالية فإنهم يعانون من محدودية الوصول إلى المحافظات الجنوبية نتيجة للاضطرابات السياسية التي تشهدها محافظات الجنوب منذ ما يقارب 10 أعوام.
- قطع شبكات الاتصالات وخدمات الإنترنت عن عدن والمحافظات الجنوبية المجاورة من قبل مكاتب الاتصالات الرئيسية في صنعاء والتي تخضع لسيطرة الحوثيين أضعف جهود التنسيق والتواصل بين الأطراف العاملة على الأرض أو مع الجهات الخارجية.
توصيات صادرة عن المؤتمر الحقوقي الثاني –مؤسسة عدالة للحقوق والحريات 19/11/2015م.
1- الاسراع في اعادة ترميم وبناء المنازل المتضررة من الحرب لتمكين سكانها من العودة اليها والسكن بأمان.
2- الاسراع في اعادة وتأهيل المرافق والمراكز الامنية بالمديريات والدوريات في الاحياء لضمان امن وسلامة السكان وتوفير الطمأنينة والسلام الاجتماعي في اوساط السكان.
3- الاسراع بوضع حد للسلاح المنتشر في المحافظة وتحديد الجهات التي يحق لها حمل السلاح.
4- اعادة النظر بالية توزيع المساعدات بما يضمن سرعة وصولها الى المحتاجين ويحول دون تسرب الفساد والمحسوبية الى اللجان العاملة او يحرم بعض المناطق المحتاجة.
5- الاهتمام والعمل على اعادة جاهزية المجمعات الصحية في المديريات وتوفير ادوية للمحتاجين الفقراء.
6- اهتمام المجالات المسؤولة في الحفاظ بحاجات السكان الضرورية /مواد غذائية /غاز منزلي وضمان وضع حد لارتفاع الاسعار او التلاعب بها.
7- وضع حد عملي سريع للتلاعب بالمحروقات النفطية ديزل / بترول / غاز واغلاق السوق السوداء المنتشرة في المحافظة.
8- الاهتمام بأوضاع مؤسستي الماء والكهرباء ووضع حد للتدهور الجاري فيها واعادتها الى العمل بكفاءة أفضل.
9- اتخاذ اجراءات سريعة مع المتضررين بغرض التعويضات عما لحق بهم من اضرار وخيمة اثناء فترة الحرب وما بعدها.
10- سرعة تشكيل لجان لتقصي الحقائق للانتهاكات وادعاءات حقوق الانسان.
11- اعادة بناء اجهزة نفاذ القانون الوطنية ومؤسسات الدولة بما يضمن اعادة الامن والاستقرار وبسط نفوذ الدولة.
واستعراض التقرير عند نهاية فتح باب النقاش للمشاركين وبدورها رئيسة المؤسسة ادارة النقاش وردت على الاستفسارات. واشاد المشاركون من جانبهم بالدور الذي تبذله مؤسسة "عدالة" بقيادة رئيستها الناشطة وردة بن سميط التي القت في الجلسة الافتتاحية كلمة رحبت خلالها بالمشاركين واستعرضت جملة من التحديات والصعوبات والتي استطاعت التغلب عليها مع فريق عمل المؤسسة والوصول الى ثمرة تلك الجهود بعقد المؤتمر الثاني. وبعدها تم عرض فيلم وثائقي وتقرير حقوقي عن جرائم الحرب في عدن ولحج.
أرسل تعليقك