طرابلس ـ ننا
احتفلت "مدرسة الشويفات الدولية" بتخريج طلابها للعام الثامن والعشرين بعد المئة في مقر المدرسة، برعاية السيدة مي نجيب ميقاتي، وفي حضور الوزيرين السابقين فادي عبود ومروان خير الدين، النائب السابق بيار دكاش، أهالي الطلاب المتخرجين وعدد من الشخصيات التربوية والإجتماعية.
وللمناسبة، ألقى مدير المدرسة غسان عبد الباقي كلمة توجه فيها الى الخريجين بالقول: "الوطن كيان يبنيه ابناؤه وكما تكونون يولى عليكم. لا تتعودوا على رمي المسؤولية على غيركم ولا تبحثوا عن ضحية تحملونها أعباء الإهمال والفوضى وعدم الإحساس بالمسؤولية والتذرع بحجج واهية، فالإنسان أساس الإصلاح، به يبدأ كل تطور وكل خير وإرتقاء، فالتزم أنت حدود القانون وانصرف لبناء المواطن الذي فيك، ولا تلتفت الى من يرتشي أو يتقاعس أو يخالف الصواب".
وألقت رئيسة المدرسة ليلى شارل سعد كلمة رحبت فيها بالسيدة ميقاتي التي كانت تلقت علومها في المدرسة وقالت: "في كل مجتمع صعوبات تعترض، وأناس يطالبون. ولكن هنالك أيضا فئة تتحلى بالمعرفة والمقدرة العلمية وهي التي تطالب بمجابهة المشاكل وعلى أيديها تفتح أبواب العمل وتتحرك الطاقات وتنشأ المشاريع وتظهر المبتكرات فتتحول الإمكانات المعطلة الى قوة فاعلة منتجة".
وألقى كلمة الطلاب المتخرجين الطالب الخريج بدرجة إمتياز أحمد رومية الذي شكر إدارة المدرسة وأساتذتها على جهودهم طيلة السنة الدراسية لتقديم الأفضل للطلاب.
وألقت ميقاتي كلمة قالت فيها: "يسعدني أن أطل عليكم من نافذة التاريخ، تاريخ مدرسة الشويفات، تاريخنا نحن خريجو هذه المدرسة العريقة في سلوكها، الأصيلة في توجهاتها، الحازمة في تربيتها، ما جعلها متقدمة في طليعة المؤسسات التربوية.
عندما اتصلت بي السيدة سعد لدعوتي، عادت بي الذاكرة سنين عديدة إلى الوراء، إلى ايام الدراسة، وتذكرت فجأة الامتحانات التي كنا نخضع لها في قاعة الاسمبلي وشعور القلق الذي كان ينتابنا حينها والذي تعرفونه انتم حق المعرفة، وشعرت للحظة أنني سأخضع إلى امتحان جديد مع أنني اعتقدت أن زمن الامتحانات قد ولى، ثم ما لبث هذا الشعور أن تبدد لتغمرني فرحة العودة إلى مكان أحبه ويحمل في قلبي الكثير من الذكريات والأحلام".
اضافت: "قد لا تقدرون الآن الشعور الذي أحدثكم عنه لأنكم ربما تنتظرون بفارغ الصبر التخرج وبدء مرحلة جديدة من حياتكم، لكنكم يوما ما ستتذكرون ما أقوله وتعيشون اللحظات السعيدة التي أعيشها بينكم اليوم. ذكرياتكم في هذه المدرسة سترافقكم طوال حياتكم، وكل لحظة أمضيتموها مع اساتذتكم ورفاق الصف ستمر في بالكم ، وأمام كل محطة او اختبار ستسترجعون ما تعلمتموه من عبر ودروس بين هذه الجدران. سنوات الدراسة هي المرتكز الأساسي في بناء شخصية الإنسان، وكل لحظة نمضيها مع معلم أو صديق نبني حجرا إضافيا في مدماك حياتنا. فالمدرسة ليست فقط دروسا وامتحانات بل هي أيضا نهج حياة يكمل ما يتعلمه الإنسان في بيته الوالدي لتتكون في باله صورة متكاملة عن أسس الحياة وقواعدها".
وتابعت: "لقد سلكت مدرسة الشويفات مسارا تصاعديا متطورا وباتت حاليا مدرسة عالمية بامتياز، ما يدل على صوابية مناهجها ونهجها الذي سار عليه مؤسسها طانيوس سعد وزوجته، وترأسها في أيامنا شارل سعد وعقيلته ليلى، فأبعدت المدرسة نفسها وطلابها عن دهاليز السياسة والتعصب الديني، وركزت جل اهتمامها على تعليم الطلاب وتزويدهم بالثقافة والمعرفة وتربيتهم على قواعد قبول الآخر واحترام خصوصياته".
وأردفت: "منها تعلمنا أن الإيمان هو نقيض الطائفية والتعصب، وفيها تعودنا أن الدين معاملة وأن الأديان السماوية كافة تلتقي جميعها على المسامحة وقبول الآخر أيا تكن الإختلافات بيننا. وهذا النهج كان العامل الأكبر وراء بروز شخصيات عديدة من هذه المدرسة تركت بصماتها في الحياة العامة في لبنان والمنطقة والعالم".
وذكرت قصة حصلت معها في بدايات العام 1975، "حيث كان لبنان يشهد أزمة في تشكيل الحكومة في بداية الحرب الأهلية، فقمنا نحن الطلاب بالحديث خلال الإستراحة باقتراح تشكيلة حكومة من الطلاب ووزعنا الحقائب الوزارية في ما بيننا، ونلت أنا وزارة الإعلام. علم الاستاذ بستاني بالأمر فاستدعانا ووجه إلينا تنبيها قاسيا وطلب منا إبلاغ أهلنا بوجوب الحضور في اليوم التالي إلى المدرسة لمناقشة الأمر معهم، وهذا يدل على مدى التزام المدرسة بالبعد عن السياسة في داخل حرم المدرسة بأي شكل كان".
وقالت: "صحيح أن الظرف اليوم قد تغير وباتت الأوضاع السياسية طاغية أكثر من السابق وتفرض نفسها على كل شيء، حتى في مجال التعليم والتدريس، لكن ما نشهده من حين إلى آخر من صراعات ومشاجرات في المدارس والجامعات أمر مسيء جدا إلى التعليم وإلى العلاقات بين الطلاب ومستقبل الاجيال اللبنانية. أنتم اليوم تتخرجون من المدرسة إلى العالم الأوسع، لتكوين اختصاص ينمي قدراتكم ويعزز مستقبلكم. تغادرون اليوم مدرسة ظننتم أنها صارمة في قوانينها وتعاطيها، وسوف يكون لديكم منتهى الحرية في التصرف والتحرك، ومع ذلك ستكتشفون لاحقا أن هذا النهج الذي تعودتم عليه سيطبع شخصيتكم بعامل القوة وسيساعدكم في الإعتماد على الذات".
وأشارت الى ان "وسائل الإعلام تبث غالبا إعلانا طريفا يختصر واقعنا اللبناني بجملة "شو وقفت علي؟"، وقالت: "هذا هو برأيي التعبير الحقيقي عما يجب أن يحصل .. أجل .. "وقفت علي". نعم كل واحد منا مسؤول وعليه أن يبدأ التغيير من ذاته وتحمل مسؤوليته كاملة".
اضافت: "وفي هذا السياق، يحكى أن حاكما فى الصين وضع صخرة كبيرة على أحد الطرق الرئيسية فأغلقها تماما، ووضع حارسا ليراقبها من خلف شجرة ويخبره بردة فعل الناس.
مر تاجر ورجل غني ومسؤول كبير وغيرهم كثر، وتذمروا مما حصل أو اكتفوا بالسخرية على أحوال وطنهم دون أن يفعلوا شيئا، إلى أن رآها فلاح بسيط فعمد إلى إزالة الصخرة من وسط الطريق، وشاهده آخرون فهبوا لمساعدته، ليفاجأ بحفرة تحت الصخرة فيها صندوق مليئ بالذهب مكتوب عليه: هذه هدية من الحاكم إلى من يزيل هذه الصخرة، مكافأة له على إيجابيته في حل المشكلة بدلا من الشكوى منها".
وأعلنت ان "العبرة التي نستخلصها من هذه القصة هي أن التصدي لأي عراقيل يبدأ من الذات، وكذلك النهوض بالوطن، وأنتم جيل المستقبل، عليكم المسؤولية الأكبر في هذا المجال. عصركم حتما سريع التطور في كل شيء، وأنتم جيل "الفايس بوك" و"التويتر" و"الإنستغرام" وعالم التقنيات والمعرفة اللامحدودة عبر "الإنترنت"، لكن لا تدعوا وهج هذه التكنولوجيا يعميكم ويلغي أحاسيسكم ويلبد مشاعركم بحيث تعتقدون واهمين أنكم وحدكم أدرى بمصالحكم وتتناسون أن الأهل خزان عميق مليء بتجارب الحياة والرأي السديد، وأن عاطفتهم ونصائحهم تبقى الأصدق لتذخير حياتكم ومستقبلكم".
وتوجهت الى الطلاب بالقول: "أيها الطلاب نصيحتي لكم وبمحبة، افتخروا أنكم من خريجي مدرسة الشويفات ذات الإنتشار الدولي والسمعة الناصعة. قدروا المسؤولية التي ستتولونها وكونوا على مستوى الطموحات والآمال المعقودة عليكم. إستعينوا بتجارب من سبقوكم على دروب الحياة، وطوروا أنفسكم بحسن الإختيار والخبرة. لا تجعلوا زمن الإنقسام في الألوان ينعكس على حياتكم حاضرا ومستقبلا. لا تنقادوا وراء الإنقسامات السياسية لأن ما من خصومات دائمة بل مصالح مشتركة وغايات تستخدم غالبا مشاعر الناس وقودا وذخيرة. إحترموا معتقدات بعضكم البعض وتعرفوا إليها وكونوا مثالا في الإيمان المعتدل والمتسامح. ومهما اخترتم من مهن وحرف لمستقبلكم، ثابروا على النجاح وكونوا الأوائل في أي مجال تختارونه، حتى ولو كان حرفة متواضعة. فالعمل الشريف لا يقاس بأهمية المهنة وشهرتها بل بالإتقان المطلق لموجباتها".
وختمت: "المستقبل لكم فلا تتردوا وانطلقوا إلى الأمام بكل رغبة وشجاعة وتفان وطموح، متسلحين بالعلم والخبرة ومخافة الله ورضى الوالدين. وفقكم الله على دروب النجاح، وتحيتي لمدرسة الشويفات الدولية وإدارتها الكريمة وجميع القيمين من أساتذة وعاملين، لقد أعدتموني سنين إلى الوراء واستعدت لحظات هاربة مفعمة بالأمل والطموح والمحبة".
بعد ذلك شاركت ميقاتي في توزيع الشهادات على الطلاب المتخرجين.
أرسل تعليقك