عمان ـ بترا
يبحث الأردني فايز الجبور معمقا في موضوعه الفلسفي الاثير الذي نال عليه درجة الدكتوراه متميزا نتيجة ومحتوى، مختارا الغوص في تساؤل عابر للحقب حول ما اذا كان "عالمنا الواقعي بصورته الحالية هو افضل العوالم الممكنة، واكثرها خيرية ام لا، ولماذا؟".
الجبور في دراسته يتصدى لفيض من اسئلة الفلسفة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بسؤال البحث المركزي، وما إذا كان هذا العالم هو أفضل عالم ممكن كما يصور ذلك المتكلمون والفلاسفة المسلمون؟ ويلحظ الباحث ان اتصالا وثيقا يربط افضل عالم ممكن بسؤال عن تفسير وجود الشرور والآثام والمحن والمصائب في العالم تفسيرا ميتافيزيقيا وواقعيا.
ينشغل الباحث بدءا من مقدمة بحثه بدراسة الجذور الفلسفية للنظرية التي تعود الى الفلسفة اليونانية، ولا سيما افلاطون وارسطو والرواقيين، حيث يصور افلاطون في اسطورة الكهف العالم، انعكاسا للمثل ما يجعله افضل عالم ممكن، اما أرسطو فيبني نظريته على مفهوم الحركة بصفتها استكمالا غير تام لما شانه أن يتحرك، فيتولد النظام في العالم بفضل المحرك الأول الذي لا يتحرك حافظا للعالم في وجوده واستمراره. ويورد الجبور ان الرواقيين يرون ان "العالم منتظم فلا مصادفة او اتفاق فيه، بل يتجه الى غائية هدفها خير الإنسان وسعادته، وبالتالي فالعالم هو افضل عالم ممكن".
اما المتكلمون، فالمعتزلة يبنون نظرتهم للعالم على مبدا العدل الإلهي، وما نتج عنه من القول بالصلاح والاصلح والحسن والقبح العقليين فالله عادل لا يخلق الا ما هو الأصلح للإنسان، بل يجب على الله حسب رؤية المعتزلة خلق الأصلح فقط، وجاء الأشاعرة فقالوا إن الله حر مختار قادر ان يخلق ما يشاء لكنه اختار هذا العالم لأنه أفضل عالم ممكن، حسب الباحث.
الكندي الذي يبني نظرته على مفهوم الإبداع معرفا إياه بصفته(تأييس الأيسات عن ليس)، يلحظ الجبور انه "الفعل الحقيقي الخاص بالله تعالى فقط، فلا ينبغي مثله لغير الله ما يجعل العالم افضل عالم ممكن، اما الفارابي وابن سينا فقالا بالفيض، اي ان العالم فاض عن المبدأ الاول بحسب النظام التام، وهو نظام الخير في الموجودات، وبالتالي فالعالم هو افضل عالم ممكن".
اما ابن رشد فيبني رؤيته على مفهوم الحركة تأثرا بأرسطو، فالعناية الإلهية حاضرة في الكون لا يعزب عنها مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وبناء على ذلك فإن العالم هو افضل عالم ممكن، وفق الجبور.
ويرى ابن عربي ان الله احب ان يظهر سلطان اسمائه الحسنى وصفاته العلى، فكان العالم تمظهرا لهذه الأسماء والصفات فيبدو العالم معها انعكاسا او صورة او ظل الله ما يجعله افضل عالم ممكن.
ويخلص الجبور في دراسته الى ان المتكلمين والفلاسفة المسلمين يرون، على اختلاف مرجعياتهم، ان العالم الحالي هو أفضل عالم ممكن، اما ما نرى فيه من شر فإنما هو ضرورة تابعة اقتضتها الحاجة الى الخير ، فالنار فضيلتها الإحراق ولا يستفاد بها لولا خاصية الإحراق فيها، اما إذا احرقت ثوب فقير فإن الضرر واقع عرضا في مجرى الكل، ولا يوجب القول ان النار شر، والعبرة للنظام الكلي لا الجزئي.
اشرف على رسالة الدكتوراه للزميل الجبور الدكتور سلمان البدور.
أرسل تعليقك