بيروت ـ ننا
احتفلت مدرسة الحكمة هاي سكول - فرع مريم أم الحكمة بتخريج تلامذة الصفوف النهائية في البكالوريا اللبنانية والأميركية والدولية، برعاية رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر في حرم المدرسة في عين سعادة، في حضور سفيرة الإتحاد الأوروبي أنجيلينا إيخهورست ورئيس المدرسة الخوري كابريال تابت وفاعليات.
وعلى وقع النشيد الوطني ونشيد الإتحاد الأوروبي ونشيد المدرسة، بدأ الإحتفال بدخول الخريجين الذين أخذوا "التنوع" شعارا لدورتهم. وبعد كلمات لجوليو أبي صالح وألكس محباط وميليا حصباني ونورما الزغبي باسم الطلاب المتخرجين، ألقى تابت كلمة هنأ فيها الطلاب ومعلميهم وأهلهم على الجهود التي بذلت على مدى سنوات وأثمرت نجاحات وتفوقا، وقال: "هذا العام كان شعارنا "التنوع". تنوع يمكن أن يبني في المجتمع وتنوع يمكن أن يهدم. فمن خلال تجاربنا نستطيع القول ان التنوع هو ميزة، لكنه تطلب اهتماما تاما. ففي حال قمنا بتغذيته وتطويره سنحقق النجاح المطلوب وفي حال اسأنا التعامل معه يمكن أن نحصل على إرتدادات لا تحمد عقباها على الصعيد الإجتماعي".
وتوجه الى ايخهورست قائلا انها "من الذين تفهموا وفهموا التنوع الذي يميز وطننا، ولن أكون منصفا في حال عددت مشاريعكم في لبنان ببضعة أسطر. اذ بمحاولتكم ان تخففوا من التوتر بين اناس ينتمون الى ثقافات مختلفة نجحتم بتقريب وجهات نظر مختلفة ولتقديم نظرة موحدة لايديولوجيات، ممكن أن تكون لها تأثيرات على لبنان. إن جهودكم هي برهان ان الوحدة هي نتيجة المثابرة التي تحقق القوة. وقد طبقت الدول الأوروبية المقولة بالفعل وهم يسعون دوما الى الوحدة، بين ثقافات متنوعة ومتعددة وكل هذا بالمثابرة على التخلص من الانقسامات التي تفرضها الديكتاتوريات".
وحيا المطران مطر على دعمه المستمر "والذي بدوره يسمح للحكمة هاي سكول ان تتطور وتصل الى مستويات عالية على الصعيد العلمي. ويمكننا القول ان العديد من برامجنا ومشاريعنا لم تكن ممكنة لولا تشجيعكم وايمانكم بالرؤية التي نتمتع بها. ان ضلوعكم باللغات والتنوع الثقافي والفلسفات المتعددة في هذا العالم هو مصدر تميز وثروة".
وختم بكلمات للبابا القديس مار يوحنا بولس الثاني حين توجه الى الشباب اللبناني حين قال: "انتم ثروة لبنان، أنتم الذين تتوقون الى السلام والأخوة وتسعون الى الأرتباط يوما بعد يوم بهذه الأرض، وأنتم وأهلكم ومعلموكم وكل الذين إتخذتموهم ليكونوا مثالا أعلى لكم، تقع عليكم مسؤولية اعادة رسم لبنان الغد والسعي الى ان يكون شعبه موحدا وتكون لديه ميزة التنوع الثقافي والروحي".
ايخهورست
ثم ألقت إيخهورست كلمة قالت فيها: "يسرني أن أكون بينكم اليوم للاحتفال بتخريج تلميذات وتلامذة أنهوا دروسهم في مدرسة "ساجيس هاي سكول" هذه السنة. أود أولا أن أهنئ جميع التلميذات والتلامذة على الجهود الكبيرة والتفاني والطموح. وأود أن أثني على مثابرتكم وعزمكم على النجاح. كما أهنئ الأهل والعائلات والمعلمين وكل من دعمكم في هذا المسعى".
اضافت: "تجسد مدرسة الحكمة هاي سكول شعارنا "الوحدة في التنوع". فالاتحاد الأوروبي، بدوله الأعضاء الثماني والعشرين، ومواطنيه الذين يزيد عددهم عن 500 مليون نسمة، ولغاته الرسمية الأربع وعشرين، يعكس تنوعا حقيقيا، وقد شددت على هذا الأمر خلال احتفالنا بيوم أوروبا في التاسع من الشهر الماضي. فالتنوع هو في صلب تكويننا، كما هي الحال لعدد كبير من الناس في البلدان المتوسطية، وربما بصورة محددة أكثر في لبنان. قالت يوما الكاتبة والشاعرة وناشطة حقوق الإنسان الأميركية مايا أنجيلو التي توفيت منذ أيام، أن "الوقت قد حان ليقوم الأهل بتوعية الشباب باكرا على أن في التنوع جمال وقوة". أنا أوافقها الرأي تماما. فالتنوع مصدر غنى، ويقضي عملنا بالمحافظة على مختلف الثقافات والانفتاح عليها واحترام ما يمكن أن تقدمه كل منها وكل فرد للمجتمع بشكل عام. فوحدتنا هي قوتنا وتنوعنا هو غنانا.
في عام 2012، نال الاتحاد الأوروبي جائزة نوبل للسلام لعمله طوال أكثر من ستة عقود على دعم السلام والمصالحة والديمقراطية وحقوق الإنسان في أوروبا. كما بلغنا مرحلة غير مسبوقة من السلام والإزدهار في تلك الفترة. والآن نود أن نتشاطر ازدهارنا مع جيراننا، وأرى أن مفتاح التقدم في مشروع السلام الحقيقي هو التعليم. فمن خلال مدارس على غرار مدرستكم يمكننا العمل على أهدافنا المشتركة. ومن خلال منهاجكم الغني، ودعم التسامح والشعور مع الآخر، والمبادئ التي تعتنقونها، يتم تأمين القيم الأساسية للمواطنة والمسؤولية. فمن خلالكم، يمكن المحافظة على لبنان الفريد والمنفتح والتنوع الذي يؤمن به الاتحاد الأوروبي".
مطر
ثم ألقى المطران مطر كلمة، رحب فيها بالسفيرة إيخهورست وقال: نحن فخورون هذا المساء، بطلابنا الأحباء. كل كلام سمعناه من ممثلاتهم وممثليهم، كان كلاما يدخل إلى القلب والعقل معا. هذا يعني أن الحكمة هاي سكول، ساهمت في تربيتهم إسهاما فعالا كبيرا، وهذا يفرحنا لأننا منذ البداية أردنا أن نزودهم العلم والشخصية والأخلاق والثقة بالنفس بعد الله، وهم طلابنا الأحباء ينهجون هذا النهج بنجاح كبير. نهنئهم من كل قلبنا. نهنىء المدرسة ورئيسها الخوري كابريال تابت ومعاونيه والعاملين فيها. نهنىء الأهلين الذين أعطونا الثقة عندما سلمونا أولادهم صغارا واليوم نردهم إليهم كبارا ، كبارا وكبارا".
اضاف: "أنتم أيها الأحباء، أحبوا وطنكم، أخلصوا له. ولكن محبة الوطن هي رسالة، أيضا بالنسبة للمنطقة كلها. نريد في لبنان أن نعطي المثل الصالح للشرق كله، للعيش معا متنوعين، موحدين. هذا ما يحتاجه هذا الشرق. وهذا ما دأبت الحكمة على تلقينه أولادها منذ 140 سنة. الحكمة في بيروت تحتفل السنة القادمة بيوبيل تأسيسها ال140. الحكمة إنفتحت منذ البداية على ثقافتين، ثقافة الشرق وثقافة الغرب معا. وهذا كان قرارا من المؤسسين. حتى الثقافة العربية كان ثقافة متنوعة، هي حصيلة ثقافتين مسيحية وإسلامية إلتقتا معا في السراء والضراء وكانت الثقافة الحديثة التي نحيا كلنا في ظلها. ثم وحدنا الثقافتين الشرقية والغربية، والغرب كان يعني بالنسبة إلينا، أولا،أوروبا. وبعد ذلك وسعنا حدودنا وانطلقنا إلى الولايات المتحدة الأميركية، بعدما صار أكثر من مليون شخص من أهلنا في لبنان مواطنين في تلك البلاد. قررنا أن ننفتح على اللغة الإنكليزية والثقافة الأميركية. فصار الغرب أوسع بالنسبة إلينا. ونجحنا، أكثر ما نجح كريستوف كولومبوس، عندما إنتقلنا، من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، فأتانا الطلاب من الصين واليابان والهند ومن أفريقيا، مما جعل مدرسة الحكمة عالما مصغرا، كرة أرضية متنوعة في واحد في محبة واحدة، محبة الإنسان، ومحبة الله".
هنيئا لكم هذا الفكر الواسع، هنيئا لكم هذا الإنفتاح، نحو الآخر. أجمل رحلة تقومون بها، هي رحلة منكم إلى الآخرين، وتستقبلون الآخرين في حياتكم. قداسة البابا، أعطى رسالة في الأول من حزيران حول الإعلام في العالم، فقال:الإعلام الرقمي قرب المسافات بالنسبة لمعرفة الأمور المادية، نريد أن تتقرب المسافات بالنسبة إلى القلوب، عندما ينفتح الإنسان نحو الآخر ويصغي إليه ويقبل ثقافته وحضارته. كونوا قابلين للآخر، إسمعوا له شاركوه، في العمل والحب وفي الحياة. هكذا تكونون أبناء وبنات لبنان المنفتح على العالم كله والمتمسك بهويته. هويته ضاربة في التاريخ، ومنفتحة نحو العالم بأسره، على صورة مدرسة الحكمة، سواء في بيروت أم هنا في عين سعادة.
من صميم القلب نصلي من أجلكم، لكي تنجحوا وتكونوا على الدوام، سعداء خلاقين وأن تبنوا لبنان جديدا، تفرحون به وتعتزون".
أرسل تعليقك