دمشق - سانا
عاش الغربة منذ طفولته إلا أن تربيته الاجتماعية الواعية أكسبته صمودا لا حدود له فكان ضد الاستعمار منذ أن بدأ فتوته التي كانت شاهدة على ولادة قصائده الأولى وقبل أن يكون شاعر الطفولة كان شاعر المقاومة والشهداء والعروبة إنه الشاعر الكبير سليمان العيسى الذي خصصت سلسلة "إعلام خالدون" ندوة عنه في مركز ثقافي أبو رمانة.
وأشارت الدكتورة ملكة أبيض في مداخلتها في الندوة التي أقيمت مساء أمس والتي شارك فيها أيضا الباحث والاعلامي ديب علي حسن بعنوان "المقاومة والشهادة في كتابات سليمان العيسى" إلى أن المقاومة التي عناها الراحل العيسى هي مقاومة المحتل والمستعمر الأجنبي والاعتداءات الصهيونية الغادرة التي طالت أكثر من بلد عربي وماتزال موضحة ان العيسى كتب الكثير من القصائد التي تمجد الشهادة والشهداء حيث كتب في العام 1973 قصيدته "الخالدون" وهو العام الذي أسماه عام المخاض العربي العظيم فكان عام الدفاع عن الوجود العربي.
وأوضحت أبيض أن الشهداء هم إرادة الشعب الذي يتطلع إلى تحقيق أحلامه في التحرر والوحدة والتقدم وهم الثمن الذي يدفعه الشعب في سبيل ذلك وهذا ما آمن به الشاعر سيلمان العيسى من خلال التجربة المرة التي عاناها منذ طفولته حين اندلعت المؤامرة على بلده الصغير لواء الاسكندرون وذهب كل ما بذله اهله من جهد سدى حتى اضطر هو ورفاقه إلى الرحيل للحفاظ على هويتهم ومتابعة النضال في بقعة أخرى من الوطن.
وبينت أبيض أن الشاعر سليمان العيسى اصيب بصدمة كبرى أوقفته عن الكتابة حينا بسبب اليأس الذي تغلب عليه فحاول إخراج نفسه رويدا رويدا فولد لديه هذا العنوان "الشاعر والأصوات" وامتد حتى كان ثلاثة عشر نشيدا ومع قراره بالمقاومة والاستعداد لرد العدوان ورد من سيناء مصر خبر استشهاد القائد عبد المنعم رياض فكتب الشاعر على الفور قصيدة بعنوان "مصرع الفارس".. وأهداها إلى الدم العربي الذي غسل الإهانة ودل على الطريق إلى فارس سيناء البطل .. قال فيها بيضاء شامخة الأسى سيناء .. تسقى بجرحك روعة وتضاء بيضاء تغسل أرضها وسماءها .. بسنا الرجولة دفقة حمراء.
ولم ينس الشاعر الراحل بحسب ابيض فرسان تشرين الذي كتب عن استبسالهم في الدفاع عن الوطن وتضحياتهم التي قدموها من أجل صون عزة الوطن وكرامته حيث قال.. على أقدامنا سقط المحال .. وأورقت الرجولة والرجال ..
إضافة إلى القصائد التي كتبها للمقاومة في جنوب لبنان منها قصيدته "مرة أخرى تناديني الذرى" التي ألقاها في النبطية عام 1999 مؤكدا فيها اعتزازه لارتباط شعره بالشهادة.
وانتقلت زوجة الشاعر الراحل إلى نثره الذي لا يقل أهمية عن شعره ولعله ابلغ تعبيرا في حديثه عن معنى الشهادة والشهداء والمقاومة في سبيل الدفاع عن الوطن والتضحية في سبيله من أجل صونه مستشهدة بنص له كتب فيه ..
قال صديقي .. لا أحب منظر الدم
قلت .. لا يحب مثل هذا المنظر الا سفاح وقاتل .. ومن ذا الذي يجادلك في هذا لقد خلقنا لتشد يد على يد .. ويحنو قلب على قلب .. وهيأت لنا الطبيعة فيضا من الآلاء نفيء اليها ونهتدي بها ..كلها أمن وسلام .. قاوم ..ادفع العدوان ..رد الاذى بأي وسيلة .. لا تدع المعتدي ينعم بثمرة عدوانه .. لا تترك الظلم بلا حساب .. قاوم .. فان مقاومة الشر ..ورفض الظلم ..هي حقك المقدس.. بل انها مقياس انسانيتك اذا ما كنت انسانا حقا.
وختمت أبيض قائلة هكذا ترون أن شاعر الأطفال الذي تعرفونه جميعا هو ايضا وقبل كل شيء شاعر المقاومة والشهداء وقد انتقل إلى مخاطبة الأطفال ليجعل منهم مقاومين أشداء لا يبخلون بتقديم أنفسهم فداء للوطن حين يناديهم ومن أناشيده للأطفال نشيد ابنة الشهيد.
من جانبه استعرض الباحث والإعلامي ديب علي حسن بعض الخواطر والذكريات والجوانب الانسانية التي عاشها مع الشاعر الكبير سليمان العيسى إضافة إلى بعض المجموعات القديمة التي عثر عليها ولم يكن للراحل العيسى نسخ منها وبعض القصائد المنشورة في الصحافة حيث اهملها الشاعر العيسى وهي من دواوينه إضافة إلى بعض القصائد التي كتبها بخط يده ولم ينشرها بعد وإن بعضها نشرها في صحيفة الثورة بخط يده وهو الاستثناء الوحيد في تاريخ الصحافة السورية الذي كان ينشر قصائده بخط يده ولاسيما قصيدته لغتنا العربية تنشد ..كتب فيها..
أنا ما برحت ..تألقا وسنا
لغة العروبة والبقاء أنا
في بردى التاريخ ..أنسجه
شعرا ونثرا ..أبهر الزمنا ..
ولم يغفل حسن دور الدكتورة والاديبة والمترجمة ملكة أبيض في حياة الشاعر سليمان العيسى ومساعدتها له في الانتقاء وجمع كل ما كان يكتب.
وأشار حسن إلى أهمية إقامة مثل هذه الندوات لأنه لا بد من أن نعرف أجيالنا أكثر إلى مثل هذه القامات السورية والعربية الكبيرة كسليمان العيسى ونزار قباني وبدوي الجبل التي أغنت المكتبة العربية بالكثير من الإبداعات والمؤلفات التي قل نظيرها في عالمنا العربي متمنيا على وزارة التربية إعادة النصوص الخالدة لشعراء كبار كسليمان العيسى وبدوي الجبل ومحمود درويش ونزار قباني التي تم حذفها في مناهجها الجديدة والتي ما زالت خالدة في ذاكرة الكبار والصغار إلى الآن مبينا أن تطوير المناهج وتغييرها لا يكون بالحذف والإضافة وإنما يكون بتنمية ذائقة جمالية ووطنية.
يذكر أن الشاعر سليمان العيسى رحل العام الماضي عن عمر ناهز 92 عاما بعد صراع طويل مع المرض وهو من مواليد قرية النعيرية في لواء إسكندرون عام 1921.
بدأ العيسى بكتابة الشعر وهو في التاسعة من عمره وهو من أهم الشعراء العرب القوميين ومن أكبر شعراء الأطفال وهو من مؤسسي اتحاد الكتاب العرب في سنة 1969 في سورية له العديد من المؤلفات الشعرية والنثرية وعمل في ترجمة الأعمال الأدبية حيث كان يجيد الفرنسية والإنكليزية والترك.
أرسل تعليقك