بعد شهر بالتمام والكمال من أداء رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، اليمين الدستورية، واستلامه بصفة رسمية مهمة تسيير شؤون البلاد، وبعد ثلاثة أسابيع من تعيين فريقه الحكومي، أجرى الرئيس، السبت، حركة جزئية في سلك الولاة شملت 25 ولاية من أصل 48 ولاية، أبرزها العاصمة وقسنطينة وتلمسان وعنابة، وأنهت مسار 22 واليا، ليعرف بذلك السلك ضخ دماء جديدة في خطوة سياسية تضاف إلى سلسلة خطوات الرئيس نحو بناء جزائر جديدة.
لم ينتظر الرئيس طويلا حتى يعلن الحركة التي كانت منتظرة في سلك الولاة، وعلى اعتبار أن الوالي يعد بمثابة رئيس جمهورية في ولايته، والعمود الأساسي لتحقيق التنمية ومحرك عجلتها، والعامل الكفيل بصناعة الفارق في تمثيل الجهاز التنفيذي على الحدود الترابية لولايته، كان من المتوقع أن يستعجل الرئيس حركة الولاة، نظرا لعدة عوامل موضوعية.
ويبدو أن أول العوامل التي كانت تنبئ بالحركة، هي الرسالة التي وجهها تبون للرأي العام صراحة بإبداء عدم رضاه على الوزير الأول السابق نور الدين بدوي، ووزير الداخلية السابق صلاح الدين دحمون، وكان أول قرارين وقعهما الرئيس تبون وهو رئيس للجمهورية هو إنهاء مهام بدوي ودحمون، كلاهما شكل إبعاده مطلبا من مطالب الحراك، فإن ظل رحيل بدوي مطلبا طيلة 10 أشهر قضاها بقصر الدكتور سعدان، فقد أضحى ترحيل وزير الداخلية الوقود الذي أشعل مسيرات الجمعات التي سبقت رئاسيات 12 ديسمبر، إثر الشتائم التي وجهها للحراك استغلتها وسائل إعلامية أجنبية ضد الجزائر.
ثاني عامل سرّع بالحركة في سلك ولاة الجمهورية، وإن كان من بينهم من تقلد المنصب استحقاقا وكفاءة في السنوات الأخيرة، فهناك الكثيرين من بينهم أيضا من تقلد المنصب مكافأة ومجازاة للولاء ليس للوطن وإنما للأشخاص، خاصة في السنوات التي كان فيها رجل الأعمال علي حداد المتواجد في السجن والمحكوم عليه في قضية التمويل الخفي للحملة الانتخابية للعهدة الخامسة المطاح بها، الآمر الناهي والفاعل الأساسي ضمن “الديوان الأسود” الذي كانت تعود له الكلمة في تعيين الولاة وحتى الوزراء مثل ما هو معلوم، قبل أن تحال صلاحيات الديوان الأسود إلى نور الدين بدوي وصلاح الدين دحمون، والاثنين مقربان جدا من شقيق الرئيس المستقيل، إذ عملا مباشرة مع ناصر بوتفليقة بوزارة التكوين المهني،أ يام كان يشغل منصب الأمين العام بهذه الوزارة، وكان من زكاهما للتعيين على رأس الداخلية والوزارة الأولى، ومعلوم أن آخر حركة في سلك الولاة كانا مهندساها.
ويبدو أن هناك عاملا آخر فرض التعجيل بالحركة في سلك الولاة والتي شملت 25 واليا من أصل 48 واليا، و4 ولايات منتدبة ويتعلق هذا العامل بالظروف التي سبقت الحراك الشعبي وكذا الحراك، فالعديد من الأسماء مغضوب عليها شعبيا وطالب الحراك بتغييرها، يضاف الى هذا العامل حسب المتابعين عامل رابع يتعلق بمجريات الانتخابات الرئاسية التي كشفت “عورات” العديد من الولاة الذين يرفضون التخلي عن العقلية القديمة وتعاطي النظام السابق وهو ما شكل مضمون شكاوى وجهت إلى السلطة الوطنية لتنظيم الانتخابات.
خامس معطى يبرر التعجيل بالحركة هو التقسيم الإداري الجديد، وإن فضل الرئيس التعيين في بعض الولايات المنتدبة التي تشكل أولوية في انتظار حركة قادمة تستكمل الحركة المعلنة والتي ستليها حركة في سلك الأمناء العامين ورؤساء الدوائر، وكذا مديري التنظيم والشؤون القانونية.
الحركة المعلنة عبر بيانين من قبل مصالح الرئاسة، صدر الأول سهرة السبت وتلاه الثاني صبيحة أمس الأحد، كان لزاما على الرئيس أن يتخذها كخطوة سياسية، قبل المصادقة على مخطط عمل الحكومة، والشروع في تطبيق مضامينه، والأكيد أنه برأي المراقبين بحاجة إلى ضخ دماء جديدة تدخل الدينامكية والفعالية على التسيير المحلي.
رسالة رئاسة الجمهورية كانت واضحة، حول مصير الولاة منذ استلام تبون مهامه، وتغيير الطاقم التنفيذي على مستوى الولايات، إذ يرجو الرئيس من خلاله حسب الملاحظين تحقيق أهداف بعينها، وهو ما جعله يفوض مهمة تسيير شؤون أكبر الولايات الى رجال ثقته، وهو السبب الذي جعل التغيير يطال والي الجزائر العاصمة عبد الخالق صيودة، الذي أحيل على ولاية معسكر وعوضه الرئيس بيوسف شرفة، الذي سبق وأن شغل منصب وزير السكن والعمران سنة 2017، خلال فترة تولي تبون منصب الوزير الأول، وكان من بين الوزراء المبعدين بإنهاء مهام تبون في صيف 2017.
التغييرات التي شملت ولايات في شمال ووسط وغرب وجنوب البلاد، جعلت الرئيس يعين ساسي أحمد عبد الحفيظ، واليا على قسنطينة، ثالث أكبر مدن الجزائر، وهو كذلك أحد رجالات ثقة الرئيس، إذ سبق وأن عينه وزيرا للتجارة ضمن حكومته في 2017، وأبعد من المبعدين عند إنهاء مهام تبون كوزير أول، كما أوكل الرئيس مهمة تسيير شؤون ولاية تلمسان إلى امومن مرموري، شقيق وزير السياحة حسان مرموري، مراعاة لعامل التوازنات الجهوية. وحملت حركة الولاة مثلما سبق للرئيس وإن وعد طابع رد الاعتبار للمظلومين، فشملت القائمة أسماء بعض إطارات قطاع السكن، الذي يعرفه الرئيس جيدا ويعرف إطاراته.
حركة التغيير طالت كذلك بعض الولاة الواردة أسماءهم في قضايا فساد وسبق ان استمع اليهم المستشار المحقق بالمحكمة العليا، كما يلاحظ إبعاد عدد من الأسماء المحسوبة كرموز للنظام السابق، مثلما عليه الشأن بالنسبة لوالي ولاية سعيدة سيف الإسلام لوح، ابن أخ وزير العدل حافظ الأختام السابق الطيب لوح المتواجد في سجن الحراش، كما تم إبعاد حجار محمد، قريب الوزير السابق للتعليم العالي الطاهر حجار.
بعيدا عن أسباب وخلفيات الحركة في سلك الولاة، وحسب بيان رئاسة الجمهورية “فطبقا لأحكام المادة 92 من الدستور، وقع رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، مرسوما يتعلق بحركة جزئية في سلك الولاة والولاة المنتدبين أنهى بموجبه مهام 22 واليا وواليا منتدبا”.
:قد يهمك ايضــــاً
رئيس الجمهورية يدعو لاتخاذ الإجراءات اللازمة قصد فك الاختناق المروري
رئيس الجمهورية يستقبل رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش
أرسل تعليقك