كشف الكاتب علي عبد النبي الزيدي، أحد كتاب النص المسرحي في العراق الأكثر ارتباطا بهموم وطنه وشعبه وأكثرهم التصاقا به وأكثرهم احتجاجا علي ما أصبح عليه العراق بعد الحرب مع إيران ثم ما لحق به من تدمير علي يد الأميركان، أسرار كتاباته المسرحية، مشيرًا إلى أن النص المسرحي الذي يكتبه هو رؤية كاتب عراقي وعربي ينطلق من هموم الشعب اليومية التي يعيش تفاصيله الجميع.
وعبد النبي الذي هو هكذا في نصوصه المسرحية لم يكن له من مهرب من ذلك وهو المولود سنة 1965 أي انه عند قيام بلده بالحرب مع إيران كان في عنفوان شبابه وكذلك عند قيام أمريكا بالحرب علي بلده بالتحالف مع عديد الدول العربية والغربية. وهو الشيء عاش طفولته تحت ظل الحكم المستبد لبلده من طرف حزب البعث، لقد كان شاهدا وهو طفل علي الماسي التي عاش الشعب من ظلم وإهانة هتك لحقوقه في ظل حكم أزلام حزب البعث وما ألحقوه من أضرار بالشعب والبلاد عامة. هو الذي إذن عاش كل ذلك لم يكن له من مفر منان يكون الكاتب الشاهد علي ذلك.
هذه القضايا وغيره نلمسها في كل عمل لهذا الكاتب المتميز في الحركة المسرحية العراقية الراهنة، إنها رؤية… شاب عاش كل مراحل الخراب الذي حل ببلده وما زال يعاني من أثار ذلك، أن ما يتحدث عنه الزيدي في نصوصه قد لا يكون وقفا علي العراق وحسب ولكنه قد يشترك فيه ومعه عديد الدول العربية وخاصة بعد ذلك الذي سمي بالربيع العربي، وكأني بالزيدي كان مستشرفا لما هو آت.
وتلك لعمري رؤية فنية إبداعية حقا فالكاتب الحق ليس ملزما بتناول الواقع كما هو ولكن عليه استشراف مستقبله والتحذير مما قد ينجر علي ما يحدث فيه .انه التحذير الذي لا بد منه لتجنيب البلاد من الخراب، هي التوقعات وذاك هو دور المسرح: إن الكاتب عبد النبي يقول في نصوصه ما لم يكن ممكنا قوله في عهد حكم حزب البعث ولا كان ممكنا قوله مع الجيل السابق من المسرحيين كتابا ومخرجين وممثلين ممن لم يحاولو تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها حزب البعث وقائمة الممنوعات التي لا يتحدث عنها.
لكن جيل عبد النبي الزيدي، من أمثال سعد هدابي وفلاح شاكر ونعمة جابر وغيرهم كان عليه تجاوز المحظور والاقتراب أكثر من هموم الشعب، فعبد النبي يتحيز كما قال إلي قراءة الكارثة.كارثة عاشها ويعيشها هو ويعيشها معه أبناء جيله وهو الواقع الكارثي الذي ولد وفيها وعاش فيه أي الارتباط بواقعه داخل بلده وهو التزام بكل ما يمس الشعب في حياته ويومياته المعيشية.
وكان العراق في أواخر القرن الماضي باد الشعر الراقي مع كوكبة من الأسماء الكبيرة التي أعطت للشعر العربي دفعا نحو العالمية من أمثال حسب الشيخ جعفر والبياتي وغيرهما، اليوم تغير الأمر فبقدر ما نشهد انه هناك شيء من الفتور في الشعر نري تدفقا كبيرا في متابة النص المسرحي الجيد والذي تفوق فيه الكثير من كتابه في العراق عن أقرانهم في البلاد العربية والحقيقة انه لا غرابة في ذلك نظرا لما يزخر به العراق من طاقات إبداعية ومن السبق الذي تعود وعودنا عليه ونظرا لما له من تاريخ حضاري يمكنه من ذلك لأنه يرتكز على ثقافة عريقة لها جذورها في أعماق التاريخ منذ الأشوريين وما جاء بعدهم من حضارات وثقافات إنهم أي كتاب المسرح الحاليين في العراق لا ينطلق في مغامراتهم المسرحية من فراغ بل تقف ورائهم تجارب تمكنهم فعلا من تصدر واقع الكتابة المسرحية العربية.
وقد استفادوا من تجارب الجيل السابق لهم واستوعبوها وراحوا يسعون إلي تخطيها والاقتراب أكثر من الهموم التي يعيشها ويعاني منها الشعب في يوميات حياته، وربما الزيدي أكثرهم جرأة في كتاباته المسرحية لقد تجاوز ما يعرف بالخطوط الحمراء والمحظورات فاتحا بذلك الأبواب أمام رفاقه في المغامرة ومتحدية المؤسسات التي تعمل علي أن تكون وصية علي الإبداع بالتحريم والتحيل.
ولقد خرج الزيدي عن الذي يعرف بالتابو في المجتمع وخرج كذلك عن التابو الديني غير مهتم بما قد يجره عليه ذلك من عداوة المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية القمعية.اذ لم يسبق أي كاتب الزيد إلي إظهار نبي في عمل من أعماله مثلما وفعل الزيدي في الا هياته وخاصة في نصه يا رب وفيه نقف علي احتجاج الأمهات اللواتي مات ابنائهن في حروب .احتجاجهن علي الرب ومطابته بإعادة أبنائهم .طالبين ذلك علي لسان مبعوثتهم إلي الرب في لقائها مع النبي موسي كليم الله في وادي طوي.ومهددات بالإضراب أن لم يتم ذلك وفعل نفس الأمر في نصوص آخري .ولم يتوقف عند هذه المحظورا الدينية بل عمد حتى إى الكتابة عن المحظورات الاجتماعية، والشذوذ مما في نصه 25 سنتم وغيره.
وعبد النبي الزيدي لقيت نصوصه تقبلا من طرف مسرحيين لهم نفس اهتماماته الفكرية وربما لهم نفس رؤيته الفكرية وكان يطمحون إلي تحطيم ما حطمه هو في نصوصه.قدمت له أعمال كثيرة في دول عربية ولقت إقبالا وقبولا كذلك وحرضت الكثيرين علي نهج نهجه غي الكتابة وتجاوز التابوهات، والمحرمات التي نصبت بعض المؤسسات الرسمية نفسها حامية لها مؤسسات دينية وسياسية قمعية.
إن لعبد النبي إذن رؤية مسرحية يعمل جاهدا علي تأكيدها في نصوصه المسرحية ورؤية تحدى بها المؤسسات القمعية أيا كان نوعها، وتخطي كل الخطوط معطيا لنفسه الحق والحرية في الكتابة برؤية فنية. قد تصدم البعض من أصحاب الأفق الضيق وممن تعودوا الخنوع والقبول بما يفرض عليهم وان كان علي حساب حريتهم وحقهم في القول والإبداع . بمعني أن الزيدي كان سباق في تحرير النص المسرحي من القيود التي فرضها عليه رجال الدين والسياسة بوضع آه خطوط حمراء كان يمنع علي أي كان تجاوزها ولكن الزيدي فعلها وتجاوز هذه الخطوط ليحرر الإبداع من القيود الدينية والسياسية.
قد يهمك ايضا
انطلاق الأيام المسرحية للأطفال السبت المقبل بالمسرح الوطني
المخرجة حميدة آيت الحاج تدعو إلى رفع التقشف عن المسرح
أرسل تعليقك