باريس - الجزائراليوم
أصيب المسؤولون في بلدية العاصمة الفرنسية بالصدمة حين كشفت الأرقام أن 5 في المائة، فحسب، من الباريسيين يرتادون «الشانزليزيه». لقد سحب السياح بساط هذا الشارع من تحت أقدام أهالي المدينة وبات الباريسي غريب الوجه واللسان في خضم اليابانيين والأميركيين والخليجيين والروس. وجاء في استطلاع حديث للرأي أن 71 في المائة من سكان العاصمة يعتبرون هذا الشارع مركزاً سياحياً أكثر منه مكاناً للعائلات. وقال 26 في المائة إنه كثير الضجيج. بينما يرى 10 في المائة أن التجول فيه يسبب القلق ويشكل خطراً على السلامة. لذلك طلبت البلدية دراسات لخطط تسمح بإعادة تخطيط الشارع والمنطقة المحيطة به والممتدة من قوس النصر شرقاً، حتى ساحة «الكونكورد» غرباً.
من المشاريع المقترحة واحد تقدمت به وكالة «بي سي آ ستريم» للهندسة. ونشرت الوكالة، الأسبوع الماضي، فيلماً قصيراً يعرض الصورة التي سيكون عليها الشارع بعد اكتمال أعمال التأهيل. كما جرى افتتاح معرض في صالة «الآرسنال» بعنوان «تاريخ وتوقعات»، يتضمن الخرائط والصور والشكل النهائي الذي سيبدو عليه «الشانزليزيه» بعد 10 سنوات. وفي حال اكتملت الموافقات على المشروع فإن من المتوقع أن تظهر بوادر الملامح الجمالية الجديدة للعيان خلال 5 سنوات من الآن. ويركز المخطط على طرد زحمة السيارات الخاصة والحافلات السياحية لصالح توسيع الحدائق والمساحات الخضراء وإضافة ممرات للتمشي ومتنزهات وملاعب للأطفال وحمامات عمومية حديثة ذاتية التنظيف. كما سيجري تعبيد الشارع وفرش الممرات بمواد «صامتة»، أي تمتص أصوات الاحتكاك. وبهذا تراهن البلدية على استعادة الباريسيين إلى «الشانزليزيه» حين يجدون فيه أماكن رائقة لتناول القهوة بسعر لا يثقل على جيوبهم. ويقود المشروع كله هاجس الحفاظ على بيئة طبيعية ونظيفة.
يأتي تجميل الشارع الذي يوصف بأنه الأجمل في العالم استعداداً لاستضافة باريس للألعاب الأولمبية المقررة لسنة 2024. وتقدّر تكلفة المشروع المقترح بنحو من 150 مليون يورو. وقد تبنته الوزيرة السابقة رشيدة داتي، المرشحة الحالية لمنصب عمدة باريس. وكانت آخر عملية تحديث للشارع قد جرت في عام 1993. في عهد عمدة باريس الأسبق جاك شيراك. ومنذ ذلك التاريخ عبر الشارع مشاة يتراوح عددهم بين 2 و3 مليارات شخص. وفي حين كانت هذه الجادة التجارية العريضة عنواناً للحداثة أواخر القرن الماضي، تحولت مع الوقت إلى شريان يختنق بالسيارات ويسوده الضجيج. كما بات من الصعب الحفاظ على نظافة الأرصفة بسبب انتشار مطاعم الوجبات السريعة والمقاهي المكشوفة التي تزدحم بالمدخنين. وبسبب زحام السيارات فإن عدد أيام تلوث الجو في الشارع يبلغ 140 يوماً في السنة.
يبلغ عمر «الشانزليزيه» منذ بدأت أعمال شقّه 350 عاماً. وكما يبلغ طوله 1910 أمتار وعرضه 70 متراً. وهو كان في القرن الثامن عشر المسرح الذي تتنزه فيه سيدات الطبقة النبيلة ويستعرض فيه الموسيقيون معزوفاتهم. وقد سارت فيه نماذج المركبات الأولى التي ابتكرتها مصانع السيارات الفرنسية. وفي جنباته أقيم المعرض الكوني الأول. وفيه جرى افتتاح أولى صالات العرض السينمائي. وتحت أرضه جرى حفر أول خط لمترو الأنفاق في العاصمة. وتقع فيه اليوم 4 محطات. ويرتاده 100 مليون زائر في السنة. ويعتبره السياح إحدى الوجهات الرئيسية لمدينة النور، إلى جانب برج «إيفل» ومتحف «اللوفر». وهو الممر الذي يجري فيه استعراض وحدات الجيش في العيد الوطني الفرنسي. وفي رأسه يقع قوس النصر ذو الشعلة دائمة الاتقاد. ومنه عبر الجنرال ديغول وكبار ضباطه قلب باريس بعد تحريرها من الاحتلال الألماني. عدا عن أنه الموقع التقليدي لاحتفالات رأس السنة ومهرجانات الفوز في «المونديال».
أخذ «الشانزليزيه» مكانه في النتاج الأدبي والفني لفرنسا وظهر في روايات وأعمال هوغو وبلزاك وموباسان وبروست. ونظراً لتراجع أحواله فقد نشرت 25 شخصية باريسية معروفة نداء في صحيفة «لوموند» للتنبيه على الوضع المقلق للشارع وضرورة الاهتمام بتجميله والعناية بمرافقه. وظهرت بين الموقعين على النداء أسماء معماريين وأدباء وفنانين وطباخين مشاهير.
أرسل تعليقك