الجزائر - الجزائر اليوم
نودّع سنة 2019 وفي جعبة الجزائر الثقافية حصيلة متفاوتة التقدير بين المحتشم والجيد، في المشهد الوطني أو الدولي، وفي شتى المجالات، كما عرفت السنة، رحيل عدة أسماء فنية وثقافية مهمة من الفاعلين في الحقل الثقافي، ولهم من التاريخ أعمال تمجد ذكراهم، وفي جانب آخر، رافق بعض الكتاب الحراك الشعبي الذي ميز البلاد منذ مطلع 2019، وأصدروا كتبا عديدة تحلله وتصفه.
مشاركة وازنة للرواية الجزائرية في "البوكر"
ربما البداية في تحصيل حصاد السنة الثقافية الجزائرية، يستهل بما أعلنت عنه "البوكر" الجائزة العالمية للرواية العربية، حديثا، عن القائمة الطويلة لترشيحاتها لسنة 2020، التي ضمت 16 رواية وروائيين، منهم أربعة جزائريين، ويتعلق الأمر بكل من سمير قسيمي وسعيد خطيبي وعبد الوهاب عيساوي وبشير مفتي، صدرت أعمالهم عن ثلاث دور نشر هي؛ "الاختلاف" و"منشورات البرزخ" و"دار ميم".
يرتقب الإعلان عن القائمة القصيرة مع مطلع العام الجديد، ستضم ستة أسماء، أما الكشف عن الروائي الفائز فسيكون في ربيع 2020، وحسب المتابعين، فإن حظوظ الرواية الجزائرية عال جدا لنيل هذه الجائزة التي تعد الأهم في المشهد العربي الروائي.
تأجيل مهرجانات مهمة
غابت العديد من المواعيد التي تعوّد عليها محبو السينما والمسرح والعديد من الفنون، هذه السنة، للأسباب السياسية التي تعيشها البلاد مع الحراك الشعبي، الأمر الذي أثر على المشهد الثقافي بالسلب.
في السينما، تمسك مهرجان الجزائر الدولي للسينما بحضوره، رغم تغيير طفيف في الموعد، لكن يحتاج إلى نفس آخر، ليتقدم أكثر من حيث مستوى العروض وجدتها، ومنحه دعما أكبر ليكون حدثا سينمائيا لا يقل شأنا عن الأحداث السينمائية العربية أو الإقليمية، على الأقل. بينما لم ينظم مهرجان وهران للفيلم العربي، بعد تكليف أحمد بن صبان بإدارته، بتعيين من وزيرة الثقافة السابقة مريم مرداسي، والأمر نفسه بالنسبة لمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي، الذي يديره جمال الدين حازورلي، وإلى حد الساعة، لم يظهر عن المهرجانين أي جديد.
كما تأجل مهرجان المسرح المحترف، الذي صادف موعده الحملة الانتخابية لرئاسيات 2019، لكنه سيعلن قريبا عن دورته الجديدة، وهناك حديث عن تنظيمه تزامنا مع العطلة الربيعية. كما تم تأجيل مهرجان الموسيقى الأندلسية والموسيقى العتيقة الدولي، إلى غاية جوان 2020، بمحافظ جديد بعد تنحية عيسى رحماوي وتعويضه بيوسف عزايزية.
عرفت هذه السنة، تنظيم صالون الكتاب ومهرجان الموسيقى السيمفونية، اللذين يعدان من أهم التظاهرات الثقافية والفنية في الجزائر.
"بابيشا" فيلم ضعيف بدعاية ممتازة
تميز الإنتاج السينمائي بفيلم "بابيشا" لمونية مدور، كأول فيلم لها، والذي أثار ضجة إعلامية، عرض أولا في قسم "نظرة ما" بمهرجان "كان"، وتعبر فيه عن رؤية "نسائية" غاضبة تركز على خصوصية وضع المرأة في مجتمع ذكوري، تعلو فيه سلطة الرجل الذي يستخدم الدين لتبرير استبعاد المرأة وتطويعها، بل واضطهادها. لكنه يفتقر للعمق ويظل تناوله لقضية المرأة سطحيا، تشوبه السذاجة.
غير أن الآلة الدعائية الفرنسية التي تعمل على الترويج للفيلم، سمحت له بالترشيح في القائمة الطويلة لجائزة "الأوسكار" لأحسن فيلم ناطق بلغة أجنبية، لكنها سرعان ما خرج منها، فضلا عن ترشيح الممثلتين لينا كودري وشيرين بوتلة لجوائز "السيزار"، التي ينتظر الإعلان عن نتائجها مع مطلع العام الجديد.
أما الفيلم الجزائري "أبوليلى" أول أفلام المخرج أمين سيدي بومدين، فيبتعد عما هو مألوف في لغة التعبير، مقتربا من السيريالية بقدر ابتعاده عن الواقعية. ورغم البداية الدرامية القوية التي تشي بما يحدث في واقع الجزائر عام 1994، أي في ذروة أحداث "العشرية السوداء"، فسرعان ما يقطع الفيلم مسارا شبه تجريدي، لا ينشغل كثيرا بتحليل الواقع السياسي، بل يبدو مهتما أكثر بالفردي، الإنساني، الشخصي والنفساني، أي ببطليه اللذين يخفي الكشف عن طبيعة عملهما إلى الجزء الأخير من الفيلم.
حفل سولكينغ.. الحزين
بعدما اشتهر في أوروبا، لاسيما في فرنسا، نظم مغني الراب الجزائري عبد الرؤوف دراجي، المعروف فنيا باسم "سولكينغ"، حفلا فنيا ضخما في الجزائر العاصمة في أوت الماضي، استقبله ملعب "20 أوت"، وحضره آلاف المحبين، غير أن الحفل تحول إلى مأساة حقيقية وأسفر عن مقتل خمسة أشخاص لأسباب تنظيمية، مما عجل باستقالة وزيرة الثقافة مريم مرداسي، وحبس المدير العام للديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، سامي بن الشيخ.
عام الرحيل
شهد عام 2019 رحيل العديد من الأسماء الفنية، مثل رحيل "تينور القصبة" محمد العماري، الذي عرفت مسيرته شهرة منقطعة النظير، تجاوزت السبعة عقود وهبها للفن الجزائري بلمسته المتميزة وأدائه الراقي، وهو الذي بدأ هذا المشوار الطويل في سن الثامنة، وفي رصيده أكثر من 152 أغنية.
في حادث أليم، توفي الفنان الشاب محمد الخامس زغدي في سبتمبر المنصرم عن عمر يناهز 26 عاما، وتضاربت الروايات حول سبب الوفاة، فنشر في البداية أن المنية وافته إثر حادث سير، فيما أشار البعض إلى تعرضه للقتل بجوار منزله، حتى تداولت تقارير على لسان مقربين من الراحل، تقول إن كاميرا الجيران بينت تسلقه عمودا كهربائيا للقفز إلى منزله من أجل فتح الباب وركن سيارته، بعد أن فقد مفتاحه الخاص، لينتهي الأمر بسقوطه. تُوفي الفنان الجزائري العابد بن عودة، المعروف باسمه الفني "عز الدين الشلفي" (44 سنة)، في فيفري 2019، إثر إصابته بجلطة دماغية. أصدر الراحل ألبومه الأول في طابع "الراي لعروبي" سنة 2000، غنى عن المغتربين "آش داني للغربة" فحققت الأغنية نجاحا كبيرا. وذاع صيت الشلفي بعد طرح ألبومه "شوف الحقرة شوف"، والذي ناقش عبره قضايا فساد بمنطقة الشلف، وتسبب هذا العمل في غضب السلطات المحلية، التي رفعت ضده دعوى "سب وشتم"، وعُوقب بالسجن لمدة سنة. كما رحل في بداية السنة مغني الراي الشاب هواري منار بشكل مفاجئ، وتتضارب روايات أسباب وفاته، فبينما تذكر مصادر أنه كان يجري عملية شفط دهون، ومات تحت تأثير التخدير، تقول رواية أخرى أنه مات بسكتة قلبية، وهو يجري عملية تجميل. عُرف الفنان الراحل بإثارته للجدل في الجزائر؛ بسبب ميوله المثلية، التي يعبر عنها في أغانيه المنتشرة في صفوف الشباب والمراهقين. وكان أكثر جدل أثاره منار في العام 2017، بعد أن تم اختياره لإحياء حفلات عيد الاستقلال، وهو ما قوبل بالرفض من طرف الكثير من الجزائريين، لتخضع وزارة الثقافة إلى الضغوط وتلغي مشاركته. كما فقدت السينما الجزائرية اسمين كبيرين، أولهما موسى حداد الذي توفي في سبتمبر الماضي في الجزائر العاصمة، عن عمر ناهز 81 سنة، بعد مسار طويل في عالم السينما، حيث عرف الراحل بمساهمته في الحياة السينمائية الجزائرية منذ الاستقلال، من خلال مشاركته كمخرج مساعد في فيلم "معركة الجزائر" (1967)، إلى جانب المخرج الإيطالي جيلو بونتيكورفو.
وعرف فيلمه "عطلة المفتش الطاهر" (1972) صدى واسعا في قاعات السينما في مطلع السبعينات، وأصبح عملا مرجعيا في السينما الجزائرية، بالإضافة إلى أفلام أخرى ناجحة، ك"التحدي" و"ماد إن".
ثانيهما هو المخرج والسيناريست الجزائري، شريف عقون، إثر سكتة قلبية ألمت به في العاصمة الفرنسية باريس، خلال ديسمبر الجاري، عن عمر 68 عاما. ولد عقون عام 1951، ودرس في البداية الفيزياء في جامعة الجزائر، ثم واصل تعليمه في فرنسا، قبل أن يلتحق سنة 1978 بالمدرسة العليا للدراسات السينماتوغرافية في باريس. عاد شريف عقون إلى الجزائر في 1981، حين التحق بمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الجزائري كمساعد مخرج أول. وأخرج في 1990، شريطا قصيرا عنوانه "نهاية الجن" (22 دقيقة)، ويعتبر أول فيلم ناطق باللغة الأمازيغية حاول فيه تقديم صورة مخالفة عن تربية الأطفال بناء على المنطق والخيال، بعيدا عن الخوف والأوهام والخرافات، وفي 2013، وقع شريف عقون فيلمه الروائي الأول "البطلة" الذي يروي مأساة عائلة جزائرية خلال العشرية السوداء.
ويعتبر هذا العمل الفني تكريما لأرواح ضحايا الفترة، والنساء اللواتي وقفن ضد العنف. إلى جانب الإخراج، قام أيضا بكتابة سيناريو هذا الفيلم الذي كان الأول ضمن مشروع ثلاثية سينمائية عن العشرية السوداء.
قد يهمك ايضا
هيئة الكتاب المصرية تستعد لمعرض "بلغراد الدولي" بجناح فرعوني
"اتحاد الكتاب" يعزي الجزائر في وفاة قائد الجيش القايد صالح
أرسل تعليقك