استطاعت مبادرة “جلسات البرج الرمضانية” منذ العدد الأول لفت الانتباه إليها كمبادرة ثقافية مستقلة يقف خلفها فريق المقهى الثقافي للبرج الذي كان وراء إرساء تقليد المقاهي الثقافية ونقلها الى عدة ولايات.
وتمكنت مبادرة مجالس البرج من تخطي الحدود منذ إطلاقها في العالم الافتراضي تماشيا مع الواقع الجديد الذي فرضته كورونا في النشاط والعمل حيث صار لهذه الليالي جمهور عربي أيضا بفضل ما يقدمه من أطباق ثقافية متنوعة تشمل المسرح والتشكيل والسينما والغناء وغيرها. يتحدث عبد الرزاق بوكبة في هذا الحوار عن المبادرة وما حققته في الميدان وكذا انعكاسات الأزمة الصحية العالمية على قطاع الثقافة.
كيف بدأت فكرة المجالس الرمضانية، وهل كان تنفيذها سهلا خاصة وأنها تقدم أطباقا ثقافية متنوعة ومختلفة ومن أماكن متباعدة؟
كانت أسرة المقهى الثقافي برج بوعريريج أول منصة ثقافية جزائرية نقلت نشاطها من الميدان إلى الأفق الافتراضي ودعت بقية الشركاء إلى ذلك، منذ الأيام الأولى لظهور وباء كورونا في الجزائر، حفاظا على الصحة العامة، أطلقنا “المقهى الثقافي الافتراضي”، وشرعنا في بث ثلاثة فيديوهات حصرية يوميا، مع العمل على التنويع في مضامينها تماشيا مع خيار الوجبة الثقافية المتنوعة الذي تقوم عليها جلسات المقهى الثقافي. وبحلول شهر رمضان وحّدنا الجهود مع قطاع الثقافة في الولاية، مديرية الثقافة ودار الثقافة، وأطلقنا مبادرة “مجالس البرج الرمضانية” التي تقوم على عدة روافد منها فيديو حصري يومي نستضيف فيه فنانا، بالإضافة إلى مسابقة فكرية يومية يحصل فيه الفائز يوميا على كتب أدبية ورحلة مجانية ضمن رحلات “المقهى الثقافي براري” بعد عودة الحركة، فيما يكون الطبق الرئيسي أسبوعيا من خلال مجلة مدتها ساعة من الزمن تتضمن حوارات وقصائد وتشكيلا ومسرحا وموسيقى وأفلاما قصيرة وكاريكاتير وفنونا أخرى. كل ذلك بإمكانيات بسيطة تؤطرها إرادات صلبة ورغبة في مرافقة المواطن في حجره المنزلي الذي يبقى أقوى الإجراءات في الحد من انتشار الوباء
كيف نقيم هذه التجربة في علاقتها بالجمهور؟
تعدى التفاعل المحيط البرايجي إلى المحيطين الوطني والعربي، بالنظر إلى أننا نحرص على توفير مضامين مبتكرة ومتميزة ومالكة لقدرة إغراء المتلقي. ثم إننا نراهن على الصفحات والمواقع قوية الانتشار منها موقع “البرج نيوز” الذي يعد راعيا إعلاميا للمبادر.
بعد أزمة كورونا تكيّف الفعل الثقافي مع الأوضاع وحتم على كثير من المؤسسات نقل نشاطها إلى الفضاء الافتراضي. كيف تقيّم هذه التجربة؟
ثمة هيئات نجحت في ذلك بالنظر إلى أنها راهنت على الابتكار والحصرية والتنوع والانفتاح، فكان جهدها محمودا، في مقابل هيئات وقعت في التقليد وفي بث الجاهز والمستهلك، بل إن بعضها لم تزد على أن سلخت اليوتيوب. وهي بهذا لم تفعل شيئا ما عدا أنها كانت وسيطا بين المتلقي ومختلف المواقع من غير رؤية مؤطرة.
لقد جعلنا كورونا نقف على اختلالات كثيرة في منظومتنا الثقافية، منها أننا أمام مشهد ثقافي سواء كان حكوميا أم مستقلا لا يسجل نشاطاته ولا يوثقها رغم أن بعضها استهلك أموالا ضخمة. أين مسرحيات التظاهرات الكبرى التي عرفتها الجزائر منذ 2007 مثلا؟ لو كانت مؤسستنا الثقافية توثق نشاطاتها لكان إخراج ربعها اليوم كافيا لتغذية الجزائر ثقافيا. وهذا ما يجب أن نضع له حدا في المستقبل.
في رأيك كيف يمكن الاستفادة من هذه الأزمة ومخلفاتها ثقافيا مستقبلا؟
أومن بأن خيارنا في الميدان خيارنا في الافتراضي، لكن ليس العكس صحيحا. وعليه علينا أن ندخل إلى مرحلة نمنح فيها الدعم والتثمين والمسؤولية للعارف بالميدان والمتفتح عليه والعامل فيه. فنقطع نهائيا مع سياسة الريع التي أثمرت لنا الارتجال والاستسهال والإهمال وهي قيم إذا انتشرت في مشهد ثقافي ميّعته وصحّرته. لا بد من أن يصبح لكل واجهة ثقافية سواء كانت حكومية أم مستقلة بنكها الافتراضي الذي يتغذى على حضورها الميداني.
هل تلقيتم دعما من وزارة الثقافة؟
ولماذا نفعل ذلك؟ لسنا بحاجة إليها لأننا لم نبنِ مشروعنا على تلقي الدعم من الوصاية، بل على احتكاكه المباشر بالميدان والمؤمنين به من الشباب والمبدعين. أليس من حق الجزائر الثقافية أن نمنحها مشروعا ثقافيا طلائعيا لا يكون مربوطا بالأمزجة والأشخاص والمناصب والإدارات والأطماع المادية؟ ثم إنه من الثقافة أن نبحث عن مصادر تمويل جديدة تسمح بها قوانين الجمهورية، بعيدا عن الوزارة الوصية التي سنستقبل اقتراحاتها إذا بادرت هي بذلك لإطلاق مشاريع حقيقية وذات جدوى، لكننا لا نعرض عليها نحن ذلك.
كناشط ثقافي تابعت أكيد بعض ما يقال عن الشبكة الرمضانية. ما رأيك فيها وما هو سبب الانحدار الفني الذي تعرفه الذائقة الجزائرية؟
لست متعسفا حتى أحكم على شبكة رمضانية بمعزل عن السياق الوطني العام. فمثلما يكون الفريق الوطني في كرة القدم محصلة للبطولة الوطنية فكذلك هي الشبكة البرامجية الرمضانية محصلة لبقية شهور العام. والواقع يقول إننا مطالبون بإعادة النظر في كثير من الوجوه والاتجاهات والتوجهات للوصول إلى مشهد درامي صحي ومثمر ومبتكر.
قد يهمك ايضا :
المسرح الوطني الجزائري يعود إلى تجربة عبد القادر كاكي
المقهى الثقافي لباتنة يناقش إشكالية النشر وجدلية الوعي والهوية
أرسل تعليقك