تسبب الصراع الدائر في اليمن والسياسات المالية التي قامت بها الميليشيات الانقلابية اتجاه البنك المركزي اليمني (طباعة الأوراق النقدية دون تغطيتها برصيد) في العاصمة صنعاء، التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية وقوات المخلوع علي عبد الله صالح، في تراجع قيمة الريال اليمني إلى أدنى مستوياته أمام الدولار، وهو ما تسبب في ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية، وزاد الأمر سوءًا مع دخول شهر رمضان.
ويأتي ذلك في وقت حذرت فيه منظمات دولية من تدهور الأوضاع الإنسانية والغذائية في اليمن في ظل الحرب. وقالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو» إن نحو نصف سكان البلاد يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي، وهذا الوضع الاقتصادي، حذر منه المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ في إحاطته، الثلاثاء، لمجلس الأمن الدولي حول مباحثات السلام اليمنية في الكويت. وشدد المبعوث الأممي على ضرورة التقدم في شكل أسرع لأن اليمن يشهد تدهورًا خطيرًا لظروف معيشة السكان، مع خطر وقوع كارثة إنسانية، ولاحظ أيضًا أن الاقتصاد اليمني تراجع في شكل خطير في الأشهر الأخيرة مع انخفاض إجمالي الناتج المحلي بنسبة ثلاثين في المائة منذ بداية العام.
وقال مراقبون إن أسعار معظم السلع الأساسية مثل القمح والدقيق والسكر والأرز وغيرها ارتفعت إلى ما بين 30 و40 في المائة،
أم أمجد وهي ربة منزل يمنية اعتادت شراء رأس ماشية في رمضان من كل عام لاستخدام لحمها وحسائها على مدى الشهر لكنها لم تفعل ذلك هذا العام. وقالت من مسكنها في العاصمة المؤقتة عدن في عدن جنوب اليمن: "بسبب غلاء الأسعار في رمضان هذا العام استغنينا عن هذه العادة وحرمنا منها واستبدلنا بها شراء اللحم من الجزار بالكيلوغرام مرة واحدة في الأسبوع".
وشهدت الأسواق والمراكز التجارية في عدن وصنعاء ارتفاعا لم يسبق له مثيل في قيمة السلع الغذائية المستوردة والخضراوات المنتجة محليا مع بداية شهر رمضان، مما شكّل ضغطا كبيرا على كاهل الأسر اليمنية التي تعاني أغلبيتها جراء الظروف الاقتصادية الصعبة، وقال عبد المجيد عمر صالح وهو موظف حكومي في عدن: "الناس تقابل هذا الشهر بابتهاج ونحن عندنا الله يسامحهم التجار قابلوه بارتفاع الأسعار فكيس السكر الواحد زنة 50 كيلوغراما يرتفع إلى 12 ألف ريال من 7900 ريالا قبل ثلاثة أشهر ويرتفع كيس الأرز زنة 50 كيلوغراما إلى 14 ألفًا وارتفع كيس القمح زنة 50 كيلوغراما سبعة آلاف ريال".
وقال أحمد السماحي إن "غلاء الأسعار في رمضان جعلنا نستغني عن كثير من السلع مثل اللحم والحلويات التي اعتدنا عليها كل رمضان واكتفينا بالحاصل من الاحتياجات التي تسد البطن"، وتدخل تحالف عربي بقيادة السعودية في الحرب منذ مارس/آذار عام 2015 إلى جانب الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي، الذي يحظى بدعم دولي، بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في أواخر عام 2014 وتقدمهم في عدن التي اتخذها هادي مقرا مؤقتًا.
وقال متعاملون بشركات للصرافة إن نقص العملة الصعبة دفع سعر العملة المحلية لمواصلة الانخفاض ليصل سعر شراء الدولار إلى 300 ريال في السوق السوداء، وارتفع أيضًا سعر شراء الريال السعودي في شركات الصرافة ليصل إلى 80 ريالا يمنيا للشراء.
ويمتنع أصحاب شركات الصرافة عن بيع العملات الأجنبية بحجة افتقادهم للسيولة، وقرر البنك المركزي اليمني الذي يسيطر عليه الحوثيون يوم 21 مارس الماضي تحديد سعر شراء الدولار عند 250 ريالًا يمنيًا ارتفاعا من سعر 215 ريالًا الذي استمر عدة أعوام، وحدد سعر شراء الريال السعودي عند 20.65 ريال يمني من 58 ريالًا في السابق.
وحمل سكان في عدن حكومة هادي مسؤولية ارتفاع أسعار السلع نظرًا إلى أن أجهزة الحكومة الرقابية لا تضطلع بمسؤولياتها. وأضافوا أن أملهم خاب في الحكومة التي كانوا يتوقعون منها أن تعمل على توفير احتياجاتهم الأساسية وتحسين الخدمات والبنية التحتية للمدينة عقب تحريرها من قبضة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح في يوليو/تموز الماضي.
وقال سكان في العاصمة صنعاء إنهم يعانون من قلة الدخل وتوقف الأعمال والخدمات بسبب ما يصفونه بسوء إدارة جماعة الحوثي وإهدارها للأموال والعوائد المالية لمؤسسات الدولة المختلفة، وقال محللون ومتابعون اقتصاديون إن التجار يستغلون الاضطراب في قيمة العملة المحلية أمام العملات الصعبة ويرفعون الأسعار، رغم أن لديهم مخزونًا من السلع الأساسية يكفي لستة أشهر أو أكثر، وجرى شراؤها بسعر سابق. وأضافوا أن التجار يلجأون عادة إلى إخفاء المواد الغذائية قبيل شهر رمضان كي ترتفع أسعارها لكن الزيادة هذه العام لا سابق لها وعمقت الأزمة الإنسانية التي تعيشها البلاد. وقال مهدي البحري وهو صحافي متخصص في الشؤون الاقتصادية إن عادة رفع أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية من قبل التجار في شهر رحمة وموسم يشهد حمى استهلاكية كبيرة يشير إلى أن الذي يحدث فعلا استغلال واضح للمستهلك من قبل التجار، وهو استغلال غير مقبول ومرفوض.
وقال محمد البعداني وهو موظف حكومي في صنعاء وأب لخمسة أولاد إن التجار أعماهم الجشع والطمع وفقدوا الرحمة والرأفة،
وقالت وزارة الصناعة والتجارة إنها شكلت فرقا ميدانية تراقب ارتفاع بعض أسعار المواد والسلع. وأضافت أن هناك لجانا ميدانية تقوم بمتابعة مستمرة خلال شهر رمضان للسيطرة على الأسعار وتعهدت بمحاكمة التجار الانتهازيين.
وتقدر وزارة التجارة والصناعة حجم الإنفاق الاستهلاكي خلال شهر رمضان وعيد الفطر بنحو 5.1 مليار دولار على اعتبار أن مستوى الإنفاق الكلي للأسر على مختلف مستويات دخولها يتضاعف مرتين إلى ثلاث مرات عما عليه في بقية أشهر السنة نتيجة استهلاك أنماط كثيرة من السلع والمنتجات المرتبطة عادة برمضان والعيد، ويعاني اليمن ضائقة مالية لم يسبق لها مثيل منذ سيطرة الحوثيين على السلطة في أواخر سبتمبر (أيلول) 2014 وتوقف تصدير النفط الذي تشكل إيراداته 70 في المائة من إيرادات البلاد، وكذا توقف جميع المساعدات الخارجية والاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة. وإلى جانب مشكلة الأسعار يواجه اليمن مشكلة أخرى أكثر خطورة.
وقالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" إن 4.14 مليون من أصل 26 مليون يمني يواجهون خطر «انعدام الأمن الغذائي»، ومن بينهم 6.7 مليون يعانون منه بشكل حاد.
وأضافت المنظمة أن الصراع الدائر له تأثيرات خطيرة على واردات الغذاء وشبكات النقل والمعروض في السوق، وبالتالي على أسعار السلع الغذائية المستوردة والمنتجة محليًا، وهذا يمثل تهديدا خطيرا إذ يستورد اليمن بين 80 و95 في المائة من المواد الغذائية الضرورية ويتوقع أن يؤثر عدم الاستقرار المستمر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي المحلي والتسويق.
ففي بيان مشترك لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي التابعين للأمم المتحدة قال منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن جيمي ماغولدريك: "إنها إحدى أسوأ الأزمات في العالم، وما زالت تتفاقم"، وأضاف ماغولدريك في مؤتمر صحافي إن "6.13 مليون يمني على الأقل بحاجة للمساعدات الإنسانية الفورية المنقذة للحياة في ظل أوضاع إنسانية صعبة تواصل التدهور مع استمرار تقييد الواردات وعدم قدرة سفن شحن كثيرة على تفريغ حمولتها في الموانئ".
أرسل تعليقك