محال تجارية مدمرة في سورية
دمشق ـ جورج الشامي
توقّعت الخطة الخمسية الحادية عشرة أنّه مع نهاية العام 2015 سيستطيع الاقتصاد السوري جذب أكثر من 80 مليار دولار، كاستثمارات أجنبية، وهذا رقم قادر على خفض نسب البطالة، وزيادة كتلة الرواتب والأجور، وتحريك عجلة الاقتصاد السوري. لكنّ الأمور تسير عكس التوقعات، فمع بداية الأزمة في سورية
تحولت سورية من بيئة جاذبة للاستثمار إلى طاردة له بشكل سريع، وتحول الحديث من تشجيع المستثمرين الأجانب على الاستثمار في سورية إلى السعي الحثيث للمحافظة على المستثمرين المحليين، لعدم ترك استثماراتهم وتحويلها إلى الخارج.
وتقدر نسبة الاستثمارات التي غادرت سورية بأكثر من 70% من إجمالي الاستثمارات الموجودة في السوق السورية، حيث توجهت إلى دول أخرى في مقدمتها مصر، ولبنان، والأردن، ودول الخليج العربي، وتركيا، حيث شكلت نسبة المستثمرين السوريين الذين هربوا إلى مصر 20% من إجمالي عدد المستثمرين داخل سورية.
وأوضح نائب رئيس لجنة الاستثمار في جمعية الأعمال والاستثمار الدولي في مصر عبد المنعم السيد أن اللجنة أوشكت على الانتهاء من دراسة تخصيص وتحديد المساحات المتاحة لإقامة المصانع للمستثمرين السوريين الراغبين في التوطن في مصر ، حيث قال "إن وزارة الصناعة والتجارة الخارجية عرضت على المستثمرين السوريين إقامة مصانعهم في العاشر من رمضان، ومدينة القنطرة، والمنطقة الصناعية في مدينة بدر، وبعض المناطق الصناعية في الصعيد"، مضيفًا "المستثمرون السوريون يرغبون في تخصيص مناطق أراضي في المنطقة الصناعية في العاشر من رمضان، نظرًا لتركيز الصناعات في قطاع المنسوجات والحلويات".
وأشار السيد إلى أن "اللجنة سوف تجتمع مع هيئة التنمية الصناعية لمناقشة لتخصيص الأراضي اللازمة لـ 38 مستثمرًا سوريًا، الذين تجاوز عددهم أكثر من 50 ألف رجل أعمال، نزحوا من سورية لسبب التوترات"، لافتًا إلى أن "المستثمرون السوريون طلبوا أراضي تتراوح مساحتها بين 100 ألف متر مربع و25 ألف متر في العاشر من رمضان".
وأكد السيد قائلاً "إن حجم الاستثمارات المزمع ضخها تجاوز 2 مليار دولار، وتوفر ما يقرب من نصف مليون فرصة عمل، نظرًا لأنها تتركز في قطاع النسيج كثيف العمالة".
من جانبه قال رئيس مجلس الأعمال السوري المصري خلدون الموقع أن "الاستثمارات السورية في مصر تتركز في مجالات الغزل والنسيج، والخيوط والأقمشة والملابس الجاهزة، باستثمارات تتجاوز 500 مليون دولار كمرحلة أولى، أغلبها آتية من العاصمة الاقتصادية حلب، وتركزت في المدن الصناعية المصرية".
وتعد الأردن من أكثر الدول المستفيدة من هجرة رؤوس الأموال السورية، حيث بلغت قيمة الاستثمارات السورية في الأردن 1.6 مليون دينار أردنيّ، من حجم استثمار غير الأردنيين، البالغ 36 مليونًا منذ بداية العام الجاري، وكان القطاع العقاري في الأردن صاحب النصيب الأكبر من استثمار السوريين فيه.
وصرح المدير التنفيذي بالوكالة لمؤسسة تشجيع الاستثمار الدكتور عوني الشديفات في الأردن "إن حجم الاستثمارات السورية المستفيدة من قانون المؤسسة قد ارتفع إلى 161 مليون دولار، العام الماضي وبداية العام الجاري، وذلك خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط، مقارنة مع 6 مليون دينار في العام 2011".
وأكد الشديفات أن "إجمالي الاستثمارات المستفيدة من قانون المؤسسة، في 2012، تتوزع على 35 مشروعًا، وتتركز جميعها في القطاع الصناعي، وشكلت الاستثمارات السورية من إجمالي الاستثمارات الأجنبية التي تقدمت للاستفادة من قانون تشجيع الاستثمار ما نسبته 15%، وبلغت الاستثمارات الأجنبية مليار و152 مليون دولار، مُشكِلَة ما نسبته 51%، بمعدل نمو بلغ 178%، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2011".
وأضاف الشريفات أن "الاستثمارات السورية بدأت تتدفق إلى المملكة منذ ثلاثة أشهر، حيث بدأ العمل على تنفيذ المشروعات التي أُعطيت الموافقات على أرض الواقع"، وقال موضحًا "إن الاستثمارات السورية تركزت في القطاعات الصناعية، سيما التحويلية والبلاستيك، الحلويات، الصناعات الغذائية، الورق وإعادة التدوير".
أما في تركيا، فقد أعلنت غرفة تجارة إسطنبول أنّ الشركات السورية العاملة في المدينة التركية ازدادت بنسبة 218%، وذلك في السبعة أشهر الأولى من العام 2012، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وذكرت مصادر أن "مجال الخدمات الاستشارية يحتل الاهتمام الأكبر للسوريين في تركيا، فقد أنشئت14 شركة استشارية، و11 شركة سياحية، و10 شركات اتصالات، و6 مصانع للنسيج، و6 للمنتوجات الغذائية والزراعية، و5 شركات للإنشاءات، وشركات في مجالات التعدين والمكائن والحديد والصلب والمجالات الصحية والتربوية".
وجاء في الإحصائيات أن مجموع الاستثمارات لـ89 شركة سورية قد بلغت مليونين و824 ألفًا و350 ليرة تركية (مليون و70 ألف دولار).
هذه الأرقام التي صدرت، ولا تزال، بين الفترة والأخرى، دفعت بوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية إلى الرد عليها في أكثر من مناسبة، وتكذيبها بذريعة عدم دقتها واحتوائها على أرقام مبالغ فيها، وفي آخر رد حول حجم الاستثمارات السورية في مصر، أكّد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور محمد ظافر محبك، أنّه "لا صحّة على الإطلاق، لما تداولته وسائل إعلام مصرية، بشأن تنفيذ رجال أعمال سوريين استثمارات في مصر تقدر قيمتها بعشرة مليارات دولار.
وأضاف وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية قائلاً "ليس من المتصور أن يبلغ فائض السيولة لبعض رجال الأعمال، الذين يرتبطون بعلاقات ودية مع الشعب المصري الشقيق، هذه المبالغ، إلا إذا كانت هذه الأرقام في غالبيتها قروضًا، أو تسهيلات ائتمانية، تستهدف إغراء رجال الأعمال السوريين للنزوح عن وطنهم الأم.
وحول الاستثمارات في تركيا، التي تحدّثت عن أرقام كبيرة، قال رئيس اتحاد غرف الصناعة فارس شهابي "إن التصريحات التركية بشأن تزايد الاستثمارات السورية في تركيا غير دقيقة، تحديدًا نسبة النمو التي تمّ إعلانها، وهي 218%، سيما وأنّ هذه النسبة تمّ حسابها على ما هو موجود أصلاً، وهو محدود جدًا، وبالتالي فإنّ تأسيس مصانع عدة، إضافة إلى بضعة مصانع موجودة، سينتج عنه نسبة زيادة عالية عما هو موجود.
من جانبهم، برَّرَ رجال الأعمال والمستثمرون السوريون مغادرتهم، والاتجاه نحو الاستثمار في بعض الدول بعدم توافر الأمن والاستقرار، وهو أحد أهمّ عوامل الاستثمار الأساسية، بالإضافة إلى تقلّبات سعر الصرف التي أرهقتهم، الأمر الذي اضطرّهم إلى الخروج الموقت، والبحث عن منافذ آمنة للاستثمار، غير أنّ بعضهم لا يرى فيما يسوقه رجال الأعمال مبررًا كافيًا، سيما إذا استمرت هذه الظاهرة لفترة أطول، الأمر الذي قد يتسبّب في مشكلات كبيرة للاقتصاد السوري.
وأكد نائب رئيس غرفة تجارة دمشق بهاء الدين حسن أنّ "مغادرة رجال الأعمال والمستثمرين السوريين كانت على مضض، وذلك لسبب الظروف السيئة التي فرضت عليهم ذلك، وكلّ ما أرادوه الاستمرار في الإنتاج والحفاظ على أسواقهم التصديرية، وعلى العملاء الذين تعاملوا معهم قبل الأزمة، سواءًا داخل سورية أم خارجها"، مشيرًا إلى "المحاولات والمساعي الكبيرة لرجال الأعمال السوريين في الخارج، بغية إقامة صناعات برأس مال أقل، بمعنى أن صناعاتهم في الخارج لن تكون على مستوى حجم الاستثمار الذي كانت عليه في سورية"، مؤكدًا حُسن نيتهم وإصرارهم على العودة فور انتهاء الأحداث، وفور عودة الحياة الطبيعية إلى المحافظات.
وأضاف حسن قائلاً "استمرار نزف الاستثمارات السورية إلى الخارج له نتائج كارثية على الاقتصاد الوطني، سيما إذا طالت الأزمة السياسية، لذلك يجب الالتفات إلى مطالب الصناعيين والتجار، وعدم إغفالها، وتقديم الدعم الذي يطلبون، وتشكيل بيئة جاذبة لهم، ومنحهم التسهيلات اللازمة، لضمان استمرار عملهم في سورية، وأهمها تقديم الحماية للمنشآت التجارية والصناعية، وتمويل المستوردات، بعيدًا عن تقلبات أسعار الصرف ولعبة السوق السوداء، والتواصل المستمر معهم لمعرفة مشكلاتهم السريعة، التي تتطلّب حلولاً عاجلة".
أرسل تعليقك